فيلم “بين النجوم”: ظاهره اختبار فرضيات علمية وإكراهات بيئية وباطنه الانتصار للإنسان
ياسمين الشاوي
أعدت مؤخرا مشاهدة فيلم “بين النجوم” [Interstellar]، وأحببت أن أقدم هذا التحليل المختصر لأهم أفكاره ورسائله.
يُعد الفيلم من أكثر الأعمال السينمائية تعقيدا من حيث المزج بين الفيزياء الحديثة والخيال العلمي والعاطفة البشرية. فهو لا يكتفي باستعراض مفاهيم مثل النسبية والجاذبية والأبعاد العليا، وإنما يجعلها جزءا حيا من رحلة إنسانية محورها علاقة أب بابنته ومحاولة يائسة لإنقاذ البشرية.
في هذا التحليل، سنسير مع الفيلم خطوة بخطوة، ثم نفكك أهم شخصياته ونفهم رسائله العميقة.
الجزء الأول: عالم يحتضر وبشر يبحثون عن مخرج
يدور الفيلم في مستقبل مظلم يعاني فيه البشر من: انهيار المنظومات الزراعية، عواصف ترابية خانقة، تناقص سريع في الموارد، شعور عام بأن النهاية قريبة، ووسط هذه الفوضى يعيش كوبر، طيار سابق في ناسا تحول إلى مزارع، مع أطفاله. ابنته ميرف تلاحظ ظواهر غريبة في غرفتها تشبه “رسائل” تكتب بالجاذبية. هذه الرسائل تصبح لاحقا محور القصة.
الجزء الثاني: لقاء ناسا وخطتا الإنقاذ
يقود “الشبح” ميرف ووالدها إلى مقر ناسا السري، حيث يكشف لهم البروفيسور براند عن مشروع لإنقاذ البشر:
خطة A: حل معادلة الجاذبية لتسهيل نقل البشر من الأرض إلى محطات فضائية.
خطة B: استخدام أجنة مجمّدة لإعادة بناء البشرية على كوكب آخر في حال فشل الخطة الأولى.
كوبر يختار لقيادة الرحلة، رغم معاناة ابنته التي تشعر أنه يتركها بلا سبب مفهوم.
الجزء الثالث: العبور إلى مجرة جديدة
ينطلق كوبر مع فريقه عبر ثقب دودي وضعته كائنات متقدمة قرب زحل. هذا الثقب ينقلهم إلى مجرة أخرى تحتوي ثلاثة كواكب مرشحة للحياة. والحال أن العقبة الأكبر التي يواجهونها هي نسبية الزمن قرب الثقب الأسود “Gargantua”، مفادها أن ساعة واحدة على أحد الكواكب = سبع سنوات على الأرض. هذا الفارق الزمني يعمق الجرح بين كوبر وابنته، التي تكبر بسرعة بينما يبقى والدها تقريبا في العمر نفسه.
الجزء الرابع: كوكب د. مان والخديعة المصيرية
بعد فشل محاولاتهم في كوكبين، يتجه الفريق إلى كوكب د. مان، الذي تبين لاحقا أنه زور بيانات كوكبه بدافع اليأس والرغبة في النجاة. ويؤدي هذا الخداع إلى: محاولة قتل كوبر، سرقة المركبة، انفجار خطير يعطل المهمة. لكن هذه الكارثة تدفع كوبر إلى مناورة خطيرة جدا تقوده مباشرة نحو الثقب الأسود.
الجزء الخامس: داخل الثقب الأسود – التيسراكت
عند دخول كوبر الثقب الأسود يحدث ما هو غير متوقع: لا يسحق بفعل الجاذبية، كما يجد نفسه داخل بناء غريب متعدد الأبعاد يسمى التيسراكت.
البشر المتطورون في المستقبل هم من أنقذوه، وبنوا له هذا المكان ليتمكن من التواصل مع ابنته عبر الجاذبية، لأنها القوة الوحيدة القادرة على عبور الزمن. كما يرى كوبر كل لحظات حياة ميرف دفعة واحدة، ويبدأ بإرسال رسائل: “ابقِ بعيدة” عندما كانت طفلة، ثم يرسل لها بيانات الثقب الأسود عبر ساعة يدها. هذه البيانات هي المفتاح لحل معادلة الجاذبية.
الجزء السادس: ميرف، البطلة التي أنقذت البشرية
تحصل ميرف على البيانات وتدرك أخيرا أن “الشبح” لم يكن سوى والدها من المستقبل، وبفضل المعلومات التي أرسلها، حيث تحل معادلة الجاذبية، فتنجح خطة A، تبني البشرية محطات فضائية عملاقة حول زحل، وتبدأ مرحلة جديدة من الحضارة الإنسانية.
الجزء السابع: النهاية.. لقاء يشبه لحظة حلم
في نهاية الفيلم، قد يجد بعض المشاهدين صعوبة في فهم الأحداث، خصوصا عند دخول كوبر وTARS إلى الثقب الأسود Gargantua ، يدخل كوبر إلى ما يقدم في الفيلم ك Tesseract، بنية متعددة الأبعاد (البعد الخامس) تمكنه من رؤية كل لحظات حياة ابنته مورف في أوقات مختلفة، والتفاعل معها عبر الجاذبية.
تحليل الشخصيات: منطق ودوافع
– كوبر: رمز الأمل، التضحية، والإيمان بأن الحب رابط يتجاوز الزمن.
– ميرف: تمثل العلم الذي يقوده الشعور. هي قلب الفيلم وعقله.
– البروفيسور براند: كان مقتنعا أن خطة A مستحيلة، فاختار الكذب من أجل “إنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
– د. مان: ليس شريرا بقدر ما هو إنسان ضعيف انهار أمام الخوف والوحدة.
لعل أهم فكرة في الفيلم: الحب والجاذبية يتجاوزان الزمن، حيث إن الفيلم لا يقول إن “الحب قوة فيزيائية”، لكنه يطرح فكرة فلسفية، مفادها أن العلم يفتح الأبواب، والمشاعر تدفع الإنسان لاستخدامه، وأن الروابط الإنسانية قد تكون جسورا عبر الزمن، وأخيرا، الحب ليس بديلا عن الفيزياء، لكنه البوصلة التي تقود إليها.
فيلم Interstellar ليس مجرد رحلة في الفضاء، وإنما رحلة داخل النفس البشرية: قصة أب وابنته، صراع بين العلم والعاطفة، اختبار للثقة والخوف والأمل، حلقة زمنية تبدأ في غرفة ميرف وتنتهي فيها.
إنه فيلم عن البشر أكثر مما هو عن المجرات، وعن الزمن أكثر مما هو عن الثقب الأسود.
التعليقات