في تحرير معنى الفكر الإسلامي والمفكر الإسلامي

(مقاربة في دلالات المصطلح و معاني المفهوم)

حمزة النهيري
2021-02-03T10:39:46+01:00
آراء ومواقف
حمزة النهيري3 فبراير 2021آخر تحديث : الأربعاء 3 فبراير 2021 - 10:39 صباحًا
في تحرير معنى الفكر الإسلامي والمفكر الإسلامي

د. حمزة النهيري

سألني بعض الأفاضل عن ماهية الفكر الإسلامي لأنه يجد غموضا في تحديد معنى هذا المفهوم ومايستلزمه من إطلاق صفة مفكر إسلامي على نوع معين من الناس.. ، ولأن تحديد المصطلحات وضبطها شرط مهم في المعرفة عموما و المعرفة الدينية خصوصا، فقد كان جوابي عن سؤاله أن أقول وبالله التوفيق..، إن: “الفكر الإسلامي هو اجتهادات مفكري الإسلام في بحث مختلف الامور التي تهم الإنسان في معتقده وتفكيره ومايتعلق برؤيته للكون، وذلك من خلال الاستناد إلى أصول الإسلام الكلية والجزئية، بحسب ماقرره القرءان الكريم من وجوب النظر والتفكير و تطلب الحقائق من خلال التصور الشمولي للدين” و هذا التعريف الذي عرفت به الفكر الاسلامي هو قريب من تعريف الدكتور أبو ريدة رحمه الله.
أما الدكتور حسن الشافعي فقد عرف الفكر فقال” حركة عقلية تثيرها حدود مشكلة أو مشكلات معينة، تنطلق مستهدية بمبادئ أو حدود مقبولة لدى المفكر والبيئة التي يتوجه إليها بالخطاب، بغية الوصول إلى حل أو حلول لتلك المشكلات.(قول في التجديد).
وكون الفكر إسلاميا هو ماكان ثمرة لعمل عقلي يعالج مشكلة من مشاكل المسلمين في أي عصر من العصور مستهديا بتقاليد العلماء المسلمين ومناهجهم في النظر والاجتهاد العقلي، وملتزما بالقيم الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و على ءاله و سلم.
فإذا أطلق مصطلح الفكر الإسلامي فالذهن ينصرف إلى النظر والتحليل(تحليل الخطاب) وإلى الاجتهاد والقياس وإعمال العقل في الأمور النظرية والعملية.
وهو مقلوب الفرك كما ذكر الراغب الاصفهاني في مفرداته، وكأن المفكر يفرك الأمور النظرية فركا ويقلبها في مخاضات تنقيح المناط تقليبا.
ولذلك نجد المدونات الكلامية والأصولية وكتب النوازل الفقهية والخلافيات مرتعا خصبا للباحث في ماهية النظر والفكر الاسلامي، ويكفي أن يطلع الباحث على ما كتبه الباقلاني في التقريب والتمهيد أو ماكتبه الجويني في الشامل والارشاد ليجد ذلك جليا في مصنفاتهم ومصنفات غيرهم من العلماء.
أما في زماننا و عصرنا فإن لغتنا المعاصرة تفرق بين المفكر والفقيه(عالم دين-المفتي)، فالمفكر الإسلامي والخائض في هذا الفن هو الذي له القدرة على مناقشة الأمور الحديثة المعاصرة، كالقول في الحداثة والحرية والديمقراطية والفلسفة والعلمانية والنسوية وفقه الأقليات في البلدان غير الاسلامية، وقضايا المجتمعات الاسلامية المعاصرة كتعدد الزوجات ومسألة الحريات الفردية ومحاربة الإرهاب والتطرف والعنف.. ، فالمفكر الإسلامي معني بمناقشة القضايا الكلامية المعاصرة بشكل أخص من الكلامي و اللاهوتي و الفقيه.
وفي نظري المتواضع، فالفقيه العالم هو مفكر بالقوة والفعل، فإذا اقتصر على الفقيه على تدريس الفقه النظري والفتوى من غير خوض في قضايا العصر من الأمور السالفة ذكرها فهو فقيه مفتي.. أما إذا استطاع الخوض في العقاىد وعلم الكلام كقدرته على الخوض في الفقه والنوازل فهو المفكر الإسلامي الحقيقي.
ولذلك فإن الأشعري والجبائي والقاضي عبد الجبار وابن رشد وابن تيمية والسهروردي ابن عاشور وعلال الفاسي ومحمد عبده والأفغاني ورشيد رضا والجابري وطه عبد الرحمن ومحمد عمارة وعبد الله العروي وسليم العوا وطارق البشري وعبد المجيد الصغير والريسوني وغيرهم هم مفكرون إسلاميون، لأنهم خاضوا في قضايا الإسلام والمسلمين، اما المستشرقون فهم مفكرون إسلاميون باعتبار خوضهم في قضايا الإسلام والمسلمين لا باعتبار أنهم ينتمون إلى الإسلام.
ولذلك كان تحرير هذا المفهوم رافعا لكثير من اللبس والغموض الذي نجده على صفحات التواصل الاجتماعي حول ماهية الفكر الإسلامي، وقد بسطت القول في هذا الأمر في كتاب مفهوم اليسار الاسلامي في ضوء العقيدة الاسلامية و علم الكلام الجديد.
أما مجالات اشتغال المفكر الإسلامي اليوم فهو كل ما يتعلق بإجالة العقل فيه من أمور الإسلام النظرية والعملية، وفقا لنظرة الإسلام الكلية التي تعنى بالمقاصد الشرعية الأصلية منها والتبعية.
ولذلك يفترض بالفكر الإسلامي أن يكون شموليا في ثقافته وألا يقتصر على حقل معرفي معين، فالمحدث المشتغل بعلم الحديث ليس مفكرا بل هو محدث، والمشتغل بالتاريخ مؤرخ وليس مفكرا، اللهم إن كانت له القدرة على على تفكيك وتحليل الأحداث التاريخية لا مجرد الحكي والأخبار، ولذلك فابن خلدون والمقريزي مؤرخان مفكران لانهما بثا آراءهما في مدوناتهم التاريخية الجليلة بخلاف الطبري وابن كثير اللذان اكتفيا في كتبهم بالسرد التاريخي للأحداث على جلالة أعمالهم رحمهم الله.
والمشتغل بالفقه والفتوى مفكر فقيه إذا كانت له القدرة على رد الشبهات المثارة حول دولة الفقهاء والفقه الإسلامي ومايتعلق به من قضايا ومسائل كقدرته على التطور ومسألة حاكمية الشريعة، و كذلك قدرة الفقيه على رد الشبهات المثارة حول الإرث والحجاب وقضايا المرأة…أما إذا كان مقتصرا على الفتوى دون الخوض في النوازل فهو فقيه وكفى.
ومثل ذلك الفرضي المشتغل بعلم الفرائض وعالم القراءات المشتغل بالاقراء وعالم القرءان المشتغل بعلومه، فهم فقهاء مقرؤون وليسوا مفكرين، و إن تطلب الخوض في الفراىض عقلا حسابي جبارا.
فإن خلو عملهم من التحليل والتفكيك والنظر والاجتهاد سلب عنهم وصف المفكر.
اما المشتغل بحقل الأديان وهو حقل معرفي من فروع علم الكلام كما بينت في كتابي المدخل إلى علم العقائد و الأديان و المدخل إلى الفكر الإسلامي وهما (طور النشر.. )، فهو يدخل في مسمى الفكر الإسلامي بشرط أن تكون له القدرة على المقارنة بين الأديان لا مجرد التأريخ والسرد للأديان والملل والنحل، فإن اقتصر عمله على السرد والحكي دون المقارنة والتحليل فهو مؤرخ أديان لا مفكر إسلامي، ولذلك يمكن عد ابن حزم مفكرا إسلاميا بقدرته على الحجاج والمناظرة حين سرده للأديان المختلفة في كتابه العظيم) الفصل في الملل و الأهواء والنحل) ومثله البيروني في كتابه (ذكر ماللهند من مقولة.. ) والمسعودي في مروج الذهب وابن تيمية في (الجواب الصحيح) ورحمة الله الهندي في كتابه( إظهار الحق) ، رحمهم الله جميعا.
و فيما يتعلق بالادب العربي فيمكن إطلاق وصف المفكر على أدباء دون غيرهم فالعقاد مفكر إسلامي كبير وأديب عملاق بل هو عملاق المفكر ين الإسلاميين الأدباء، و محمود شاكر أديب مفكر لانه خاض في قضايا الاستشراق والتغريب ومشكلة العامية في مقابل اللغة العربية كما خاض في قضايا الأدب، أما الرافعي والعريان و طه حسين(مستقبل الثقافة في مصر) ونجيب محفوظ فهم ادباء لامفكرون بالرغم من خوض الرافعي في معركة الأدب الجاهلي مع طه حسين في كتابه تحت راية القرءان و خوض طه حسين مشكلة مستقبل الثقافة في مصر إلى جانب لويس عوض .
أما موضوع التجديد في الفكر الإسلامي فذلك موضوع ءاخر لعلنا نفرد له مقالا نجلي فيه ماهيته باختصار كما جرت عليه العادة في مقالاتنا.
هذا والله أعلى وأعلم.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.