د محمد غاني، كاتب، المغرب
تصور معي اخي القارئ أن يتاح لك الجلوس وجها لوجه لتتبادل اطراف الحديث مع نجباء الكون في هذا العصر، فكم ستكون سعادتك مبهجة لما تعلمه من مقدار الاستفادة العظيمة التي قد تستقيها من هؤلاء، طبعا في جلسات متتالية، كل منهم على حدة، فما بالك ان ترجع بك كبسولة الزمن لتجالس من تريد من النخبة من عظماء الفكر و العلم عبر التاريخ، لترتشف منهم العلم و المنهج و شحذ القريحة على حد سواء، نفس هاته الفكرة هي ما صوره ديكارت في قولته البديعة “ان قراءة أفضل الكتب جميعها يشبه محادثة مع نجباء القرون الماضية”.
أظن أن مثل هاته القولة تكون كافية في الغرب لتمرير أهمية القراءة للآخر، لكن في بعض الأحيان تمر إشارات بليغة كهاته مرور الكرام أمام أعيننا، دون أن نلقي لها بالا، لأننا لم نتصورها تصورا واعيا كما ينبغي، لذلك نجد انه في غاية الأهمية، البحث عما يعضد هذا الطرح الذي نجده كافيا لجعلنا لا نفتر عن القراءة طيلة أيام الأسبوع بل قد نبحث دون جدوى لإضافة يوم ثامن لقضاء أغراضنا كما صاغت ذلك السيناريست و الأديبة الامريكة لينا دونهام بذكاء “لنن واقعيين فنضيف يوما ثامنا للأسبوع المخصص بالكامل للقراءة”.
وليست السيناريست دونهام هاته وحدها من استوعب الأهمية اللامتناهية للقراءة فهذا الفيلسوف الأمريكي مورتيمر جيروم ادلر ، مقرب الفلسفة الى الجماهير الشعبة بالولايات المتحدة الامريكية بسبب سلسلته الشهيرة “كيف تقرأ كتابا”، قد صاغ حكمة عظيمة نجدها متممة للفكرة أعلاه، “في حال الكتب القيمة، لا يهم كم مقدار ما تستطيع ان تحمله معك بقدر ان الأهم هو مقدار ما يمكن ان تمرره مما تحمله بين ثناياها الى جعبتك”.
عندما نلتقي النخبة عبر قراءة كتبهم، فنعجب بأفكارهم، و نتأثر بها، ونصطحب خلال حياتنا بعضا من أفكارها التي أبت ان تتركنا، ينبغي ان نبحث في تراجم هؤلاء عن الكتب التي اثرت في حياتهم لنقرءها، كما ينبغي ان التقينا ببعضهم حقيقة ان نسألهم مباشرة عن أهم الكتب التي أثرت في حياتهم و كونت شخصياتهم فنستلهم منها، و هذا الامر نفسه الذي دعا اليه الاديب و الفيلسوف الأمريكي رالف ولدو ايمرسون رائد الفلسفة المتعالية و من دعاة الفردانية بالولايات المتحدة الامريكية خلال القرن التاسع عشر حيث صاغ ذلك كالتالي” اذا سنحت لنا الفرصة بالتقاء شخصية متقذة الذكاء فينبغي ان نسألها أي كتب قرأت”.
وما اشد تشابه تعبير الكاتب والصحفي الأمريكي باتريك جايك أ.رورك عن القراءة بحديث نبوي شريف عن أهمية الغرس، كما لا يخفى التشابه بين غرس النبات وغرس الأفكار، فكلاهما ينتج الثمار، فهذا الرسول الاكرم صلى الله عليه و سلم يدعو الى الغرس ولو في آخر رمق حيث روي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا ) ، و هذا باتريك جايك أ.رورك يعبر عن أهمية القراءة لآخر لحظة بقوله”اقرأ دوما شيءا يجعلك تبدو جيدا وانت لم تتممه بعد”.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7573