18 يونيو 2025 / 10:19

عندما يصبح الخلل عادياً، من يوقف هذا الانحدار؟

كريمة العزيز

كيف يمكن لمجتمع أن يتقدم إذا أصبحت اختلالاته جزءًا من العادة؟ كيف لنا أن نؤسس لمستقبل أفضل إذا كنا نتواطأ بصمت أو لا مبالاة مع سلوكيات تُسيء للجميع لكننا نرفض تسميتها بما هي عليه، خلل؟ نتطور، والتكنولوجيا قد انتشرت، لكن الإنسان في سلوكياته اليومية بدا وكأنه يسير عكس الاتجاه، ليس الأمر فقط في الطرقات أو في الفضاءات العامة، بل في القبول الجماعي بالصمت أمام الخلل، وكأنه قدر لا يُناقش أو واقع لا يجب أن يُحرّك فيه ساكن.

لماذا نصمت؟ لماذا نقول هكذا هم الناس أو لقد اعتدنا على هذا أو الأسوأ، هذا أمر عادي؟ هل صار الخلل الطبيعي هو السلوك المنطقي الوحيد؟ هل صار الاحترام والانضباط والمطالبة بالحق تصرفات مثالية زائدة لا تناسب الواقع؟ وهل كل من يشير إلى الخطأ يصبح غريباً أو يعيش في عالم آخر؟

خذ مثلاً بسيطاً ومؤلماً في آن، قيادة السيارات، حين تسوق سيارتك في المغرب تشعر أنك في ميدان حرب، لا أحد يحترم السرعة ولا أحقية المرور ولا سلامة الآخر، لا قوانين مرورية تُحترم، بل قانون واحد هو، كلٌّ يفعل ما يشاء. أين يكمن الخلل؟ أهو في غياب العقوبات؟ في ضعف القوانين؟ في التربية؟ أم في التواطؤ الجماعي مع ثقافة اللامسؤولية؟ لماذا لا نتحرك كمواطنين لنطالب بأبسط حقوقنا في العيش بأمان وكرامة؟ لماذا لا نطلب مثلاً أن تُمنع الدراجات النارية من السير فوق أرصفة الراجلين؟ أهو مطلب تعجيزي؟ أم أننا فقدنا القدرة على الحلم بالأفضل؟ ثم لماذا لا نبذل نفس الحماسة التي نُبديها في قضايا خارجية بعيدة في قضايانا القريبة؟ لماذا نغضب من الظلم في بلاد الآخرين لكن لا نحرك ساكناً تجاه الظلم السلوكي واللاعدالة المجتمعية التي نعيشها يوميًا؟ هل هو الخوف من الخروج عن القطيع؟ أم أن الاعتياد قتل فينا الرغبة في التغيير؟ من السهل أن نقول هذا ليس من شأني، لكن الحقيقة أن كل شيء من شأننا، لأن المجتمع هو نحن، والخطأ الذي نراه ولا نندد به هو خطؤنا أيضاً.

ربما حان الوقت لأن نتساءل، لماذا نعتبر السلوكيات غير الحضارية جزءًا من ثقافتنا؟ لماذا نرفض النقد الذاتي ونخشى التغيير؟ هل فقدنا الثقة في إمكانية الإصلاح؟ هل نحن بحاجة إلى قوانين صارمة تفرض الغرامات كما في دول أخرى لكي نُربى من جديد؟

ما هو أكيد هو أن قوة أي مجتمع لا تُقاس فقط بالمباني أو التكنولوجيا، بل ببنيانه البشري، وعيه، أخلاقه، قدرته على إصلاح ذاته، فإذا لم نبنِ هذا البنيان سنبقى نُشيّد في الخارج وننهار في الداخل.