1 مايو 2025 / 11:05

عن قطيعة العروي مع التراث

أشرف الحزمري
أظن أن مفهوم “القطيعة” هو النطاق المركزي لكل أفكار عبد الله العروي وآرائه، ومن أكثر مفاهيمه المحورية التباسا، ويرجع في رأيي هذا الالتباس للتداخل بين الفعلي والمعياري، أو الاشتباه بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، ولا يمكن الادعاء أن الفصل بينهما يسير، ودائما ما تتم إدانة العروي من خصومه التراثيين على أساس أن ذلك قرار فكري نتج عن اختياره أو إرادته الخاصة.
في نقاش مع صديق متخصص في أصول الفقه، ذكر لي أنه يرفض فكر العروي جملة وتفصيلا لأنه يدعو إلى القطيعة مع التراث، فلما أصغيت لرأيه وحججه لمست هذا التداخل، وبالرغم من أن العروي ما فتئ يؤكد أن القطيعة حاصلة، إلا أن حشره في ركن المعيارية له أسبابه في الخصومة والجدل والإيديولوجيا. وحتى أوضح لصاحبي فكرتي قدمت له تخصصه نموذجا تفسيريا لفهمي لمعنى القطيعة.
إذا ما قمنا بمقارنة بين وضعية أصول الفقه في التراث ثم وضعيته في سياق ما بعد القطيعة، سنلمس أن الفقه كان إطارا مرجعيا يحتكم إليه الناس في تدبير منازعاتهم، فكان حقلا نظريا يعكس سلوكات ملموسة، نظريات الأصول تنشط في الذهن انطلاقا مما يجري في واقع الناس، فمجال تدخّل حكم الفقه واسع جدا، فاختيارات “الحاكم على أفعال الناس” وتفلسفه النظري في تعليل هذه الاختيارات تجد مرجع مناقشتها في هذا الحقل.
لكن بعد أن فرضت الحداثة الغربية نفسها بالقوة عبر جملة من المسالك من بينها الاستعمار، ترتب على ذلك مزاحمة حكمها لحكم الفقه، فامتدادها نتج عنه مؤسسات مرجعية حديثة يحتكم إليها الناس، فلم يعد لهذا الحقل من جدوى أو أثر حقيقي على الفضاء العمومي، فالقاضي في سياقنا لا ينتظر شخصا مثل الشافعي أو الجويني أو الغزالي كي يمده بالمشروعية الحجاجية أو بأسس تعليل ما يقوم به، فالعروي ينبهنا هنا أن واقعنا الحديث أحدث القطيعة مع أصول الفقه، لهذا إذا ما تأملت وتمعّنتَ في الإشكالات التي يطرحها حقل الأصول في سياقنا الأكاديمي ستجد أنها تنتهي في الدعوة إلى تجديد أصول الفقه، وهو عين ما يدعم قطيعة العروي.
لم يقتنع صاحبي، وتفهّمت ذلك، لأنه يستند على ما ينبغي أن يكون، أي ينبغي للفقيه أن يسترجع سلطته، وهذا لا علاقة له بنظرية قطيعة العروي.
المصدر: صفحة الكاتب على منصة فيسبوك: https://www.facebook.com/elhozmari