الأستاذ حسن حلحول ـ عضو المجلس بهيئة الرباط
يعتبر قانون 08/28 المنظم لمهنة المحامين، نموذجيا على الإطلاق بالمقارنة مع القوانين المنظمة للمهن الحرة الاخرى، وهذا الطابع الفريد المتميز والسيمة الخاصة الذي يتميز بها هذا القانون عن غيره، لم يأت من الفراغ، أوكان قانونا ممنوحا منذ البدء، بل جاء ثمرة نضال نقبائنا وكفاح عظماء هذه المهنة النبيلة. وتضحيات شرفائها، فرحم الله من مات منهم وأطال الله عمر من بقي منهم على قيد الحياة بركة ونبراسا نستمد منهم قوتنا، ذلك أن الحقب التاريخية المتعاقبة في الزمان، الحافلة بالعبر والدروس ، سجلت بريشة من الذهب، تكونت منها مدرسة النضال والصمود والتصدي والعزائم القوية التي لقنوها وأورثوها للأجيال الصاعدة من المحامين جيل بعد جيل،فتخرج منها حماة المهنة، فهم يناضلون من أجل الكرامة والاستقلالية.
طبعا إنه تاريخ نضالي مستمر وجميل ونادر ومليء بالمعارك القانونية والسياسية والفكرية والتشريعية، من أجل تثبيت وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان الذي جبل بها المحامون، بحيث ان للمحامين دورا حيويا في إعلاء معايير المهنة وآدابها وأخلاقها وأعرافها وتقاليدها، ويندرج فيها حماية المحامين من الملاحقة القضائية والقيود أثناء القيام بمهامه المهنية، وبمقتضى ذلك العمل على فرض احترام المبادئ الأساسية، وشأن المحامي داخل المجتمع من خلال الأمانة والرسالة الملقاة على عاتقه.
وهذه الأمانة التى أبينا كل المهن أن يحملها، وحمل همها المحام، وصار وصيا ووكيلا على الجميع للرقي والرفع بهم، بما في ذلك الجهاز القضائي، عندما كان دستوريا يسمى بباب القضاء حاف، وتم السمو به إلى باب السلطة القضائية. وتم إقرار المسند والمسند اليه، أي إسناد السلطة المستقلة إلى القضاء، والمسند اليه القضاء إلى السلطة، فهذه هي الأمانة التي حملها المحام على عاتقه، دون كلل ودون أن يتخلى عن مبادئه الكونية التي يؤمن بها والتي تقرها الامم المتحدة في مجال حقوق الإنسان وخاصة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
إن التطور الذي يعيشه العالم على جميع المستويات عامة، والسرعة المهولة الذي أحدثته ثورة الانترنيت على مستوى التواصل الاجتماعي خاصة، جعلت مجاليس الهيئات، تعيش أزمة تنظيمية ومنهجية على مستوايي النظرية والممارسة. وهي مرحلة انتقالية يلزم أن نستوعبها.
لقد عرفت المشاكل الذاتية والموضوعية التي يتخبط فيها المحامون تطورا كبيرا، واكبت التطور التقني الذي تعيشه المجتمعات البشرية والمؤسسات المالية والاقتصادية التي تأثرت بها المهنة سلبا وايجابا، والتي ألقت بضلالها على هيئات المحامين، التي باغثها ولم يسعها الوقت لحلها وإيجاد مخرجات ناجعة لها، وتراكمت المشاكل تركما نوعا وكما، أثقلت كاهل النقيب وأعضاء المجلس، بسبب الأساليب التقليدانية التي تفتقد إلى ابسط المعايير العلمية الحداثية، فما هي الآليات التقليدية التي تشتغل بها مجالس الهيئات؟
آليات وأدوات تشغيل وتدبير المجالس
إن النمط الذي تسير بها المجالس الآن أمورها، لتقديم الخدمات للمحامين، إذا بقيت على حالها محافظة وتقليدية، ولم تجدد نفسها وتبتكر المكنزمات وتبتدع الآليات الحديثة تساير عصر المعرفة الجديدة، فإن ذلك سيؤدي الى بروز مشاكل جديدة من نوع آخر تواكب وتتماشى وعصرالتحديث الذي تعيشه الإدارة بصفة عامة والقضاء بصفة خاصة ، فستكون هذه المشاكل التي جدت بجدة العصر، عصية على النقيب والمجلس حلها، لأنها ستتجاوز الأسلوب التقليدي والكلاسيكي المعتمد من لدنها للقضاء أو التقليص او التخفيف من المشاكل المتخبط فيها.
أن مجالسنا مطالبة الآن أكثر من ذي قبل أن تعيد النظر فيما هو معتاد أو ما يعرف بجدول الأعمال الذي أكل عليه الدهر وشرب، بل يجب الاعتماد على الدراسات العلمية الناجعة والناجحة، غير مكلفة وليس فيه هدر الوقت وتمتاز بسرعة البت في المخالفات والاخطاء المهنية وفض االخلافات والنزاعات، وهلم جرا مما يعرض على المجلس.
إن المنهجية التي تشتغل بها مجالسنا لتدبير الشأن العام كلاسيكية، لم تحيّن ولم تعرف أي تغيير منذ ما يزيد عن قرن من الزمن، ورثناها من الفرنسيين وبقيت دار لقمان على حالها في الوقت الذي نجد نقابات المحامين في فرنسا تجاوزت العمل بها وطورت آليات الاشتغال داخل مجالسها وابتكار اساليب جديدة وحديثة تستجيب لمتطلبات العصرلا يسع التفصيل فيها.
وحتى أشارك معي جميع الزميلات والزملاء للمساهمة في النقاش واغنائه، يجب أن أعطي لكم لمحة وتصورا بسيط عن نمط ومنهجية اشتغال داخل المجلس، في البدء يقسم عن أعضاء المجلس ورقة جدول الأعمال، دائما بنفس الطريقة، تتضمن كل اسبوع الجانب المالي الذي يتلوه امين المال، وفي الغالب يختتم به اشغال المجلس، تعرض طالبات عامة للزملاء كاحداث المكاتب وتغيرها، ثم المختلفات من الكتابات التي ترفع من الزملاء الى المجلس، وكذا التي ترد من المنظمات الإقليمية والدولية سواء مهنية أو غير مهنية، والنقطة المحورية التي يتداول فيها المجلس وتأخذ الكثير من وقته، الملفات التأديبية التي يحضرها الزميلات والزملاء إلزاميا. يستفاد من خلال هذه اللمحة البسيطة ان المجلس بأكمله ينهك ويجهد نفسه في نقاشات بعض الأمور البسيطة التي لا تتطلب وقتا كبيرا ولا تستحق نقاشا مستفيضا، يكفي حلها على مستوى اللجن.
إن أول اجتماع يلتئم فيه اعضاء المجلس بعد انتخابهم يتم فيه توزيع المهام وهو تعين امين المال، وكاتب المجلس ونوابهما، ومسير الادارة، ثم يتم تشكيل اللجن، والمعضلة الكبيرة أن هذه اللجن دورها ثانوي وهامشي بالكاد يكون وجودها وعدمها سواء، لعدم اضطلاعها بأي دور رئيسي، لأنه يتم إحتوائها داخل المجلس.
فبدل من تنظيم العمل وتوزيعه بشكل محكم، وبحكمة متعالية وخالدة، بين الأعضاء في شكل نظام الغرف على غرار نظام الغرف المعمول به في محكمة النقض، أو الأخذ بمفهوم اللامركزية في الأداء الوظيفي داخل المجلس، وتكون كل غرفة مكونة من خمسة أعضاء يترأسها عضو ينتخب ينحصر دوره فقط في تسيير الجلسة ولا تأثير له على اتخاذ القرارات، فكل غرفة تختص للنظر في نوع معين من الملفات يحال عليها من قبل النقيب لتقرر فيها ثم يرفع ما تم تقريره إلى السيد النقيب الذي يعرض على أنظار المجلس وفق القانون للمصادقة عليه. وهو نفس الشيء بالنسبة للملفات التأديبية تختص كل غرفة نوعيا بالشكايات تحال عليها للنظر وللبت فيها مع إمكانية المشتكي أو المشتكى به أو من قبل رئيس الغرفة بالاتفاق ثلثي اعضاء رفع الطلب إلى السيد النقيب يرمي الى اجتماع غرفتين مجتمعين أو إحالته على المجلس برمته، للبت في بعض الشكايات العويصة، وهذه الغرف هي عبارة عن لجن ذات صلاحيات يفوضها المجلس لها ، وهي تشتغل داخل المجلس وليس خارجه وإلى جانب المجلس الذي هو صاحب القرار الاعلى والنهائي .
إن من شأن تقسيم وتوزيع العمل داخل المجلس على شكل الغرف سيخفف على السيد النقيب والسادة الأعضاء الأعباء، ويحسن من جودة القرارات وسرعة البت دونما الحاجة إلى ايلاء الملفات البسيطة والشكايات الفارغة كثير من الأهمية.
أما فيما يتعلق بالمجال المالي، فإنه يجب تفعيل اللجنة المالية، وذلك بمنحها الاختصاص النظر في المبلغ اقل من 5000 درهم واتخاذ القرار فيه دونما الرجوع الى المجلس، على أساس أن تقدم للمجلس تقريرا شهريا بالمصارف التى قررت فيه للاطلاع عليها ومراقبتها، ويمكن للمجلس قبل انتهاء الشهر ان يطلب من اللجنة عرض تقريرا لما تم صرفه من المبالغ، مع الإشارة ان بعض هذه المقترحات تصطدم بالنصوص القانون الذي يستوجب تغيرها وتعديلها إن استوجب الأمر ذلك.
إن هذه المحاولة هي محاولة وأرضية إلى إثارة الانتباه على أن منهجية العمل المتبعة داخل المجالس، لتسيير الشأن العام المهني جد تقليدية لا تواكب التطور الذي تعرفه المهنة، سواء من حيث العدد الكبير من الملفات التي تعرض عليهم أو من حيث تنوع القضايا والمشاكل الجديدة، التي تثقل كاهل مؤسسة النقيب وأعضاء المجلس لفتح نقاش جاد بين الزملاء وخاصة الذين خبروا تجربة المجالس.ليعطوا رأيهم ويقدموا مقتراحاتهم منتقدين أو معارضين.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=10632