على هامش تصريحات وزير الأوقاف.. هل يمكن الحديث عن نموذج علماني مغربي؟

دينبريس
2024-11-28T16:16:33+01:00
آراء ومواقف
دينبريسمنذ 5 ساعاتآخر تحديث : الخميس 28 نوفمبر 2024 - 4:16 مساءً
على هامش تصريحات وزير الأوقاف.. هل يمكن الحديث عن نموذج علماني مغربي؟

دين بريس

أثار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، أحمد التوفيق، جدلًا واسعًا عندما أشار إلى أن “المغاربة علمانيون” خلال حديثه مع وزير الداخلية الفرنسي على هامش الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” للمغرب.

كما أثار التصريح تساؤلات عميقة حول العلاقة بين الدين والدولة في المغرب، وأعاد فتح نقاش حول مفاهيم العلمانية والدين والهوية المغربية، وجاء ذلك في سياق نقاش مع وزير الداخلية الفرنسي حول الإسلام في فرنسا وخصوصية “الإسلام المغربي”.

وردًا على تعليق الوزير الفرنسي حول “استغراب المغاربة من العلمانية الفرنسية”، أشار التوفيق إلى أن المغاربة يعيشون حرية التدين وفق مبدأ “لا إكراه في الدين”، دون قوانين تفصل بين الدين والدولة كما في فرنسا، مؤكدا أن نظام إمارة المؤمنين يمثل عقدًا اجتماعيًا يحمي الدين ويلبي احتياجات المواطنين الروحية.

واضطر التوفيق إلى تقديم توضيحات إضافية خلال جلسة بمجلس النواب وعبر تصريحات إعلامية، موضحا أن حديثه عن العلمانية كان يشير إلى حرية التدين، وأن النموذج المغربي يختلف عن النموذج الفرنسي.

كما بيّن أن “إمارة المؤمنين” تؤدي دورًا يجمع بين حماية الدين وضمان حرية التدين، ما يجعل المغرب نموذجًا فريدًا في التعامل مع العلاقة بين الدين والدولة.

وأبرز التوفيق في تصريحاته أن المغرب يوازن بين العقل والدين، مشيرًا إلى أن النقاشات العقلية في الإسلام، مثل ما قدمه المعتزلة، تُثبت أن الدين والعقل ليسا متناقضين، غير أنه انتقد ما أسماه “الأصولية العلمانية” التي ترفض الدين وتتناقض مع مفهوم الحرية.

جدل
تعرض التوفيق لهجوم من شخصيات ذات خلفية إسلامية، مثل الدكتور رشيد بنكيران (أستاذ متخصص في الفقه وعلوم الشريعة محسوب على السلفية)، الذي اعتبر تصريحاته “اختراقًا لثوابت الأمة وتعارضًا مع هوية المغرب كدولة إسلامية وفقًا للدستور”.

واعتبر بنكيران أن وجود وزير “علماني” على رأس وزارة الأوقاف يُعد مساسًا بالقيم الدينية.

وذهبت تصريحات عديدة إلى أن ما قاله التوفيق بأن “المغاربة علمانيون” يعتبر دليلًا على محاولة علمنة المغرب، وربطوا ذلك بسياسات وزارته التي تُقيد حرية العلماء والوعاظ وتفرض خطبًا موحدة.

وفي المقابل، رأى محللون مثل الباحث “محمد شقير” ( باحث وأكاديمي مغربي) أن تصريح التوفيق يعكس خصوصية النموذج المغربي، الذي يمزج بين الحرية الدينية واحترام التعددية، مشيرا إلى أن الجدل حول تصريحاته يعكس حساسيات سياسية واستغلالًا من قِبل الإسلاميين.

كما أن باحثين آخرين كان لهم موقف اخر مثل عبد الله بوشطارت (ناشط أمازيغي) الذي يعتقد أن العلمانية في المغرب ليست مستوردة، بل متجذرة في الثقافة الأمازيغية، التي تفصل بين الشأن الديني والشأن السياسي.

ويرى الناشط الأمازيغي أن النموذج المغربي يمثل “إسلامًا أمازيغيًا” يقوم على التسامح والانفتاح.

علمانية مغربية:

يشار إلى أن العلمانية الفرنسية تقوم على فصل صارم بين الدين والدولة، كما هو وارد في قانون 1905 الذي يمنع تدخل الدين في الشأن العام، وهي تواجه في الوقت الراهن انتقادات واسعة بأنها أصبحت “علمانية أصولية”، ترفض الدين علنًا، وتقوم بالتضييق على الحريات أو الممارسات الدينية.

وفي المقابل يمكن الحديث عن نموذج علماني مغربي، ربما أشار الوزير الأوقاف إلى بعض تمثلاته، وهي خصوصية علمانية تضمن حرية التدين، وتحافظ على الدين كعنصر مركزي في هوية الدولة.

بالإضافة إلى كونها تحترم التعددية الدينية وتتيح ممارسة الشعائر بحرية لجميع الأديان، على أساس أن ملك المغرب هو أمير المومنين بالنسبة لليهود والمسيحيين والمسلمين على جحد سواء.

وهي ثوابت دينية مغربية تختلف عن مفهوم العلمانية الفرنسية، هذا ما جعل وزير الأوقاف المغربي أحمد التوفيق يضطر إلى تبيان هذه الفروقات في أكثر من مناسبة.

مع التأكيد أن مصطلح العلمانية يثير خلطًا في الفهم العام، حيث يُعتبر ملتبسًا بالنسبة لمجتمع يتبنى الهوية الإسلامية، ومع ذلك، يبدو أن الوزير قصد الإشارة إلى التسامح الديني وحرية المعتقد، وليس الفصل التام بين الدين والدولة.

فتصريحات التوفيق ربما تعكس أيضًا استراتيجية المغرب في تقديم “الإسلام المغربي” كنموذج وسطي ومعتدل لمواجهة التطرف، أي “نموذج علماني” يراد تسويقه في سياق تزايد الضغوط على الجاليات المسلمة في أوروبا.

وليس مستبعدا أن يكون تصريح الوزير هو محاولة أيضا لطمأنة الجانب الفرنسي حول التزام المغرب بحرية التدين والانفتاح، في ظل التعاون المتزايد بين البلدين في الشأن الديني.

في الختام، يمكن القول إن الجدل الذي أثارته هذه التصريحات يعكس الاختلاف في فهم العلاقة بين الدين والدولة، ويبرز الحاجة إلى نقاش عميق حول مستقبل السياسة الدينية في المغرب.

وفي جميع الاحوال يبقى النموذج المغربي تجربة فريدة تجمع بين الحرية الدينية واحترام التعددية، لكنه يحتاج إلى وضوح أكبر في الخطاب الرسمي لتجنب الالتباسات والتأويلات.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.