عرض لكتاب “آمن: لماذا يجب أن يكون الجميع متدينين؟”

دينبريس
كتاب الأسبوع
دينبريسمنذ 6 ساعاتآخر تحديث : الأربعاء 5 فبراير 2025 - 6:54 صباحًا
عرض لكتاب “آمن: لماذا يجب أن يكون الجميع متدينين؟”

دين بريس
يقدم “روس دوثات”، الكاتب والناقد الثقافي في صحيفة نيويورك تايمز في كتابه الجديد “آمن: لماذا يجب أن يكون الجميع متدينين”، حجة قوية لصالح الإيمان الديني في عصر يتسم بالتشكيك والنزعة العلمانية المتزايدة.

وينطلق الكاتب من فرضية أن الدين خيار ثقافي أو اجتماعي، وأيضا ضرورة فكرية وأخلاقية لمواجهة العدمية والسلبية السائدة في الفكر الحديث.

ويستهل “دوثات” كتابه بمناقشة التراجع في الاعتقاد بالإلحاد الجديد، الذي كان يروج له شخصيات مثل “ريتشارد دوكينز” و”سام هاريس” و”كريستوفر هيتشنز” في بداية الألفية، ذلك أن تضاؤل نفوذ هذه الحركة، يبرز ما يسميه الكاتب بـ “الربوبية الجديدة”، وهو اعتراف متزايد بإمكانية وجود إله أو بعد روحي للوجود، حتى بين أولئك الذين كانوا يعتبرون أنفسهم ملحدين أو لاأدريين.

ويهدف الكتاب إلى مساعدة هؤلاء الذين لديهم فضول ديني ولكنهم يجدون صعوبة في التوفيق بين إيمانهم والافتراضات الحديثة حول العالم والحياة البشرية.

ويقدم “دوثات” أطروحة تتمحور مفادها أن الاعتقاد الديني استجابة عاطفية أو اجتماعية، وأيضا استنتاج منطقي يستند إلى العقل والتاريخ والمنطق الأساسي، فهو يرفض الفكرة التي يروج لها بعض “الداروينيين” و”الملحدين” بأن الحياة البشرية مجرد حادث كوني عشوائي، وبدلا من ذلك، يجادل بأن الكون يحمل علامات واضحة على النظام والمعنى، مما يجعل الإيمان الديني أكثر منطقية من الإلحاد.

ويشير مؤلف كتاب “آمن” إلى أن المجتمع الحديث قد غرق في نوع من “الخواء الفكري”، حيث ينظر إلى التشكيك في المعنى كعلامة على الذكاء، لكن هذا التوجه لم يؤد إلى زيادة السعادة البشرية، بل على العكس، أدى إلى انتشار مشاعر العزلة والضياع، لذا، فهو يقترح أن العودة إلى الدين يمكن أن توفر خريطة توجيهية تساعد الأفراد على التنقل في الحياة والتعامل مع تعقيداتها.

ومن الحجج القوية التي يطرحها الكاتب هي أن “العقلانية الحديثة”، كما تروج لها النخبة الأكاديمية والإعلامية، تتجاهل التجارب الروحية والميتافيزيقية التي لا يمكن تفسيرها علميا ولكنها مع ذلك حقيقية بالنسبة لمن يعيشها، ويلفت الانتباه إلى أن العديد من الأشخاص لا يزالون يمارسون أشكالا من التدين، مثل حضور القداسات، قراءة الأبراج، أو الانجذاب إلى العوالم الخيالية التي تخلقها الروايات والسينما، رغم أنهم يتبنون نظريا رؤية علمانية للعالم.

ويستكشف دوثات أيضا كيف أن الثورة الجنسية في الستينيات شجعت على رفض الأخلاق الدينية التقليدية باعتبارها قيدا على الحرية الشخصية، وهو يرى أن هذا الرفض لم يكن مقصورا على القيم المسيحية، بل شمل أيضا القيم الأخلاقية التي تتبناها معظم التقاليد الدينية الكبرى، مما أدى إلى قطيعة بين الأفراد وموروثاتهم الدينية.

وما يميز كتاب “دوثات” هو أنه لا يتبنى نغمة انتصارية أو موقفا متعاليا في عرضه لحججه، فهو يدرك أن العديد من القراء قد لا يقتنعون بسهولة، لكنه يسعى إلى تحفيز الفضول لديهم ودفعهم للتفكير في القضايا الدينية بطريقة أكثر انفتاحا، بل إنه يوجه تساؤلات قوية للملحدين واللاأدريين حول مدى صلابة مواقفهم، داعيا إياهم إلى إعادة النظر في افتراضاتهم حول عدم وجود معنى في العالم.

ويختتم كتابه بتأكيد أهمية اتخاذ موقف استباقي تجاه الإيمان، وأن الإيمان ليس مجرد فكرة نظرية، بل تجربة تتطلب الانخراط الفعلي والالتزام، ويشبه الدين بممارسة رياضة جماعية، حيث يمكن للفرد أن يتدرب بمفرده، لكن الانضمام إلى فريق يجعل التجربة أكثر جدوى، وبهذا، يدعو القارئ إلى عدم الاكتفاء بالسير في طريق روحي فردي، بل الانضمام إلى تقليد ديني راسخ يمكنه تقديم التوجيه والدعم.

ويقدم “آمن” رؤية متماسكة للإيمان الديني كإجابة منطقية ومقنعة للتحديات الفكرية والروحية للعصر الحديث، إنه كتاب مصمم لجعل الدين مفهوما لأولئك الذين يتشككون فيه، ولإقناع الباحثين عن الحقيقة بأن هناك بالفعل أسبابا وجيهة للإيمان.

قد يُؤخذ على الكاتب تحيزه الواضح للمسيحية عند تناوله لمسألة الإيمان، حيث يركز بشكل خاص على فكرة “التجسد الإلهي” في شخص المسيح باعتباره الإجابة الأكثر إقناعا على مشكلة الشر والمعاناة الإنسانية.

ويعكس هذا الطرح رؤية دينية خاصة دون تقديم مبررات عقلانية موضوعية تتيح مقارنة عادلة مع التصورات اللاهوتية والفلسفية الأخرى، كما أن اختزال الحل في قصة تتجلى فيها المعاناة والفداء يجعل الطرح أقرب إلى الإيمان الذاتي منه إلى التحليل العقلاني الشامل.

وكان من الأجدر بالكاتب أن يعرض نظرات متعددة لمشكلة الشر من منظور ديانات وفلسفات مختلفة، مما كان سيثري الطرح ويجعل الكتاب أكثر شمولية وانفتاحا على القراءات المتنوعة، بل الديانات السماوية الأخرى لأن مصدرها واحد..

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.