عبد الله حمودي: نحو تجديد العلوم الاجتماعية برؤية مغربية وعربية شاملة

دينبريس
2024-12-12T20:23:23+01:00
دراسات وبحوث
دينبريس12 ديسمبر 2024آخر تحديث : الخميس 12 ديسمبر 2024 - 8:23 مساءً
عبد الله حمودي: نحو تجديد العلوم الاجتماعية برؤية مغربية وعربية شاملة

استضافت مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة يوم الجمعة، السادس من ديسمبر، في مدينة الرباط، عالم الإناسة والاجتماع المغربي البروفيسور عبد الله حمودي لتقديم الدرس الافتتاحي ضمن التكوين السنوي لموسم 2024-2025. تناول الدرس موضوعا فكريا عميقا بعنوان: “العلوم الاجتماعية التي نريدها اليوم: معالم نظرية ومنهجية.”

البروفيسور حمودي، أحد أعلام الفكر الأنثروبولوجي والسوسيولوجي في المغرب والعالم العربي، له مسار علمي وفكري متميز، عمل على نقد مفاهيم الاستشراق منذ السبعينيات، معتبرا أن كثيرا منها يشحن بمضامين ترتبط بالإرث الاستعماري الذي يسعى لفصل ثقافات الشرق عن جذورها.

حمودي هو أستاذ بجامعة برينستون الأمريكية وله خبرة أكاديمية واسعة تشمل جامعات غربية وعربية، يتميز مشروعه الفكري بتركيزه على العلاقة بين الثقافة، السلطة، والمجتمع، ساعيا لتطوير العلوم الاجتماعية بصرامة منهجية تجمع بين التجربة الميدانية والتنظير العميق.

وفي محاضرته، أكد البروفيسور حمودي أن مشروعه المعرفي يستند إلى الالتزام بنقد وتحليل المجتمع المغربي والعربي انطلاقا من مقاربات نقدية تُثري المعرفة وتمنح النقد بعدا إيجابيا. وأوضح أن العلوم الاجتماعية تواجه أزمة عميقة، لكنها في الوقت ذاته توفر فرصة للإبداع والتجديد، حيث تعيد الأزمات تشكيل المفاهيم وتفتح آفاقا جديدة، متحدثا عن ضرورة توظيف الأزمة كمحفز للابتكار بدلًا من اعتبارها عائقًا. ويرى أن العلوم الاجتماعية بحاجة إلى تطوير أدواتها بما يعكس خصوصيات السياقات الثقافية والاجتماعية.

ويرى حمودي أن بناء علوم اجتماعية عربية يتطلب التفاعل مع الإرث المعرفي الغربي، لكن مع إعادة صياغته ليناسب الواقع العربي، واستشهد بتجربته الشخصية في ورزازات، حيث بدأ التفكير في تأسيس علم اجتماع مغربي يُدمج الإرث الكولونيالي، لكن بأسلوب نقدي يتيح هضمه وإعادة بنائه.

وفي إطار رؤيته للعلوم الاجتماعية، شدد حمودي على أهمية تطوير علم اجتماع وأنثروبولوجيا عربية تستند إلى اللغة العربية دون إقصاء اللغات الأخرى، وأشار إلى أن اللغة العربية كانت تاريخيا وسيلة للعلم والتفكير النقدي، وهي قادرة على استيعاب المفاهيم الاجتماعية الحديثة، وتحدث عن ضرورة “توطين المعرفة”، أي بناء خطاب علمي يعكس الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للمجتمعات العربية، مع التركيز على مفهوم “العمران” الذي قدمه ابن خلدون باعتباره أداة لفهم المجتمعات بشكل شامل وديناميكي.

وأوضح حمودي أن استلهام الإرث العربي لا يعني الانغلاق، بل الانفتاح على التجارب الأخرى واستيعابها من خلال ما وصفه بـ”حك المعرفة”، أي المزاوجة بين الرصيد العربي وغير العربي لإنتاج مفاهيم جديدة تتجاوز القوالب الجاهزة.

وطرح البروفيسور حمودي مفهوما جديدا للمجتمع يتجاوز النظرة التقليدية التي فرضتها الدراسات الغربية. وأكد أن التغيرات العالمية تدفع لإعادة التفكير في ماهية المجتمع وكيفية تنظيمه، ودعا إلى الاستفادة من المفاهيم التاريخية مثل “العمران” لابتكار نظريات جديدة تعكس التحولات الاجتماعية الراهنة، كما نبه إلى أن العلوم الاجتماعية الغربية تعاني أزمة إبستمولوجية، ما يفتح المجال لإسهامات جديدة من العالم العربي.

ولم يكن بإمكان حمودي تجاهل العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي اعتبره حدثا يبدل المفاهيم التقليدية للحياة والموت، مشيرا إلى أن هذا العدوان يكشف عن تراجيديا جديدة حيث يتم إلغاء إنسانية الفلسطينيين حتى في الموت. وانتقد استخدام إسرائيل للتكنولوجيا العسكرية لفرض إفناء جماعي، مؤكدا أن هذا الشكل الجديد من الموت يتطلب إعادة النظر في مفاهيم العلوم الاجتماعية، لكنه أشار أيضا إلى صمود الشعب الفلسطيني وقدرته على إعطاء معنى جديد للحياة والموت رغم القسوة.

اختتم البروفيسور حمودي محاضرته بالدعوة إلى تجاوز هيمنة المفاهيم الغربية على العلوم الاجتماعية، مؤكدا أن بناء خطاب معرفي عربي مستقل لا يعني رفض الآخر، بل الاستفادة من التجارب المختلفة لتطوير مفاهيم تتماشى مع خصوصيات المجتمعات العربية، وقدم رؤيته لعلوم اجتماعية تتجاوز الاقتباس إلى الإبداع، وتعيد تعريف الذات العربية ضمن سياق عالمي متغير.
ــــــــــــــــــــــــ
المصدر: مقال للكاتبة العامة لمؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة بعنوان “عالم الإناسة والاجتماع البروفسور عبد الله حمودي يدعو لتوطين المعرفة وتأسيس علوم اجتماعية عربية ويبين كيف غير عدوان غزة المفاهيم” منشور بموقع “رأي اليوم

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.