3 أكتوبر 2025 / 18:10

عبد الكريم الخطابي في المنفى: قراءة روائية في الذاكرة المغربية

تحرير: وداد وهبي

يأتي العمل الروائي الجديد للأنثروبولوجي المغربي محمد المعزوز، “أول النسيان”، ليقدم مقاربة مختلفة لمسار أحد أبرز وجوه التاريخ المغربي، الأمير عبد الكريم الخطابي. فبدل التركيز على معارك المقاومة، ينقل النص القارئ إلى سنوات المنفى في جزيرة لارينيون، حيث تتجلى صورة إنسانية وفكرية أعمق لقائد شكل علامة فارقة في تاريخ المغرب.
الرواية، الصادرة عن المركز الثقافي للكتاب سنة 2025 في 303 صفحات، ترافق الخطابي في رحلة الترحال القسري من أجدير حتى المنفى البعيد، مرورا بمحطات مغربية مثل فاس والدار البيضاء. ومنذ الصفحات الأولى، يتضح أن النص لا يسعى إلى مجرد استعادة وقائع الماضي، بل إلى إعادة بناء تجربة تاريخية بأدوات أدبية تستند إلى الأنثروبولوجيا

والتصوف والرؤية النقدية للذاكرة الاستعمارية.
ومن أبرز المشاهد التي يوثقها السرد لحظة مواجهة إنسانية بين الخطابي وامرأة فرنسية فقدت خطيبها في الحرب، حيث تحول الغضب والاتهام إلى حوار صادق تذوبه الدموع المشتركة. كما يطل الخطابي في مشاهد أخرى بملامح إنسانية مؤثرة، مثل وداعه لحصانه “مسعود”، في صورة تطبع الرواية بنبرة رثائية قوية.

وتكشف الرواية أيضا عن انتقال الخطابي من موقع القيادة إلى حياة المنفى، حيث حاول إعالة أسرته عبر متجر بسيط في سان دوني، قبل أن تنهكه الأزمات الاقتصادية. لكن شخصيته لم تفقد إشعاعها، إذ تحول إلى مرجع أخلاقي وروحي يجتمع حوله سكان الجزيرة من مختلف الديانات والثقافات، بعضهم تأثر بسلوكه فاعتنق الإسلام.

كما يفتح هذا البعد الروحي النص على تراث التصوف المغربي، باستحضار أسماء مثل ابن عربي والنفري، ويقدم الخطابي في صورة المتأمل والحكيم، لا كزعيم سياسي فقط. وفي الخلفية تحضر الذاكرة الاستعمارية بما خلفته من ندوب غائرة في المغرب، خاصة آثار الغازات السامة التي ما زالت تلقي بظلالها على الأجيال.

وفي النهاية، تبدو رواية “أول النسيان” نصا يتجاوز حدود السرد الأدبي ليشكل جسرا بين التاريخ والأنثروبولوجيا والدراسات ما بعد الاستعمار. فهي لا تستعيد فقط صورة قائد مغربي في المنفى، بل تطرح أسئلة عن معنى المقاومة والانكسار، وعن قدرة التجربة المغربية على تحويل المحن إلى دروس إنسانية عميقة.