22 سبتمبر 2025 / 16:33

عبد الجبار الرفاعي وهاجس تجديد علم الكلام

يسار عارف

مشروع عبد الجبار رفاعي في تجديد علم الكلام هو أحد المشاريع الفكرية التي تسعى إلى إعادة قراءة هذا العلم الإسلامي القديم، وتحديثه بما يتناسب مع متطلبات العصر الحديث. علم الكلام الذي نشأ في القرون الأولى للإسلام كان له دور مهم في ترسيخ العقيدة والدفاع عنها في مواجهة التحديات الفكرية المختلفة. لكنه مع مرور الزمن تركز بشكل كبير على النزاعات العقائدية التفصيلية، واحتدم فيه الجدل بين الفرق الإسلامية، مما أدى إلى نوع من الجمود الفكري وضعف القدرة على مواكبة التطورات العلمية والفكرية التي طرأت على المجتمعات الإسلامية.

عبد الجبار رفاعي يرى ضرورة إجراء تجديد شامل لعلم الكلام لكي يتمكن من مواجهة تحديات العصر الجديد، التي تشمل التطور العلمي والتكنولوجي، والتغيرات الاجتماعية، وقضايا حقوق الإنسان، والحريات، وقضايا العقل والتعددية الفكرية. ويرى أن هذا التجديد لا يعني رفض التراث الكلامي أو إنكاره، بل هو إعادة قراءة نقدية واعية لهذا التراث من منظور عقلاني موضوعي يراعي السياق التاريخي والثقافي للنصوص الكلامية، ويركز على الجوهر العقدي الأساسي بدلًا من النزاعات الثانوية التي أرهقت هذا العلم وجعلته أقل قدرة على التأثير والإفادة.

يركز مشروع رفاعي على ترسيخ خطاب عقلاني متجدد يكون قادراً على بناء جسور الحوار بين المذاهب الإسلامية المختلفة وبين الفكر الإسلامي والعلم الحديث، وكذلك مع الثقافات والأديان الأخرى. فالتجديد الذي يطرحه يعيد الاعتبار للعقل ويجعله أداة مركزية في البحث والتفكير، مع الحفاظ على الثوابت الأساسية للعقيدة الإسلامية. كما يدعو إلى الانفتاح على العلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة، والاستفادة من المنهجيات البحثية في الفلسفة والمنطق والعلوم الاجتماعية لتعزيز الخطاب الكلامي وتطويره.

من خلال هذا المنظور، يسعى رفاعي إلى تأسيس علم كلام يكون قادرًا على التعامل مع القضايا الكبرى التي تواجه المسلمين اليوم، مثل مفاهيم الحرية، والعدالة، والكرامة الإنسانية، والعيش المشترك في ظل التعددية، والحقوق والحريات الأساسية، بدلاً من الانشغال بالخلافات التفصيلية التي لم تعد ذات جدوى في السياق المعاصر. ويهدف بذلك إلى جعل علم الكلام أداة فكرية بناءة تساعد المسلمين على فهم دينهم بطريقة تواكب العصر، وتؤهلهم للمشاركة في الحوار الفكري العالمي، وتواجه التيارات الفكرية المختلفة بمنهجية عقلانية وهادفة.

في المجمل، يمثل مشروع عبد الجبار رفاعي محاولة جادة لتجديد علم الكلام من الداخل، عبر منهجية عقلانية نقدية تأخذ بالاعتبار كل من التراث والواقع المعاصر، وتسعى إلى بناء خطاب ديني يكون أداة للحوار والتفاهم والتعايش، بدلًا من أن يكون سببًا للخلاف والتشتت. وهذا المشروع ليس مجرد تجديد فكري، بل هو خطوة ضرورية لمواكبة التطورات المعرفية والثقافية في العالم الإسلامي، وضمان بقاء هذا العلم في صدارة العلوم الإسلامية، ووسيلة فعالة لخدمة العقيدة والمجتمع.