صدر للباحث المغربي المهدي مستقيم الجزء الثاني من مشروع “ثلاثية الاعتقاد”، بعنوان “فلسفة الاعتقاد الديني”، عن منشورات دار استفهام ببيروت اللبنانية.
ويعد هذا الكتاب دراسة فلسفية معمقة تسعى إلى تفكيك مفهوم الاعتقاد الديني من خلال مقاربة متعددة الأبعاد تجمع بين الفلسفة، والأنثروبولوجيا، والسيكولوجيا، والنقد الثقافي.
ويقدم الكتاب قراءة نقدية لمسار تشكل مفهوم الاعتقاد في الفلسفة الغربية، حيث يتتبع تطوره من الفكر الإغريقي إلى الفلسفات الحديثة والمعاصرة، مع التركيز على المنعطف الحاسم الذي أحدثه الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم، حينما أزاح الاعتقاد من دائرة المعرفة النظرية إلى مجال التجربة الفردية والطبيعة البشرية.
ويستعرض المساهمة النقدية لكل من كانط وهيغل وفيورباخ ونيتشه وفرويد في إعادة تشكيل فهم الاعتقاد الديني، من خلال تحليل أبعاده الأخلاقية والميتافيزيقية والسيكولوجية.
ويتألف الكتاب من سبعة فصول، يتناول كل منها زاوية مختلفة من الإشكالية: يبدأ بتحديد مفهوم الاعتقاد الديني، ثم يناقش الإنسان بوصفه كائنا معتقدا عند هيوم، ويبحث في العلاقة بين الاعتقاد الديني والفعل الأخلاقي وفقا لكانط، ثم يستعرض مسألة المصالحة بين الاعتقاد الديني والعالم عند هيغل، ويتناول فيورباخ نقد الاعتقاد الديني باعتباره إسقاطا إنسانيا، بينما يحلل نيتشه أمراض الاعتقاد الديني، قبل أن يختم فرويد بطرح رؤية سيكولوجية حول دور الاعتقاد في تشكيل البنية النفسية للإنسان.
ويؤكد الباحث أن الاعتقاد الديني لم يعد مسألة فردية، بل تحول إلى ظاهرة اجتماعية تحدد الهويات الجماعية وتؤثر في المجال العمومي، مما يعكس تعقيدات العلاقة بين الدين والمجتمع، ويناقش كيف أسهمت الفلسفة الحديثة في إعادة التفكير في الاعتقاد كظاهرة خاضعة للنقد والتحليل.
ويشير الكتاب أيضا إلى الحاجة إلى تطوير أنظمة قانونية تكفل حرية الضمير في المجتمعات الحديثة، بحيث تضمن حق الأفراد في الاعتقاد أو الامتناع عنه، بما يسهم في تعزيز التعددية الفكرية وتجنب الصراعات العقائدية.
وبهذا الطرح الفلسفي العميق، يقدم “فلسفة الاعتقاد الديني” إضافة نوعية في حقل فلسفة الدين، إذ يوسع دائرة النقاش حول الاعتقاد، متجاوزا المقاربات التقليدية ليطرح رؤية تحليلية نقدية تستند إلى تراث فلسفي يمتد من أفلاطون إلى فرويد.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23785