المؤلف: منتصر حمادة
الناشر: مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث. الرباط.
عدد الصفحات: 203
تاريخ الإصدار: مارس 2023
صدر مؤخرا عن مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث كتاب جديد عنوانه “الإرث الصوفي التجاني الفصل في إثبات الأصل” للباحث المغربي منتصر حمادة، ويتضمن الكتاب قراءات في أحد مميزات الثقافة الإسلامية في المغرب والمنطقة العربية والعالم الإسلامي، أي التدين الصوفي، وإن كان مؤشر حضور هذا التديّن في المغرب الأقصى أكبر مقارنة مع باقي دول المنطقة من قبيل الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا.
وكان موضوع الزاوية التجانية محور هذا الاشتغال الخاص بالتصوف في المغرب الأقصى ومنطقة المغرب العربي، حيث اعتبار المؤلف أن العمل الصوفي التجاني يحظى بإشعاع عالمي ولم يعد قائما في المحور المغربي ــ الإفريقي وحسب، وأنه لا يمكن حصر أو اختزال أي قراءة له في الشق الديني والتربوي، وإنما نجد لها امتدادات ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية وحتى استراتيجية، كما يمكن مقاربة الموضوع من مختلف هذه الجوانب، وأكد أن كتابه هذا لا يتطرق إلى القراءات الفقهية للعمل الصوفي، خاصة أن القراءات الدينية تحيل على قضايا وسجالات عقدية ومذهبية وسلوكية قديمة وتتجدد بين الفينة والأخرى، وتكاد تصبح في عدة محطات أقرب إلى الترف الفكري.
بخصوص طبيعة مقاربة الموضوع، ولأن الخوض في الإرث الراهن للعمل الصوفي التجاني يتطلب الخوض في عدة مجالات وفتح عدة قضايا في آن، إضافة إلى الحسم في طبيعة مقاربة الموضوع، كأن تكون مقاربة دينية أو سياسية أو غيرها، واقتصادية وغيرها، فقد ارتأى الكاتب تسليط الضوء على بعض المحددات أو النقاط المفصلية التي يعتقد أنه حري أخذها بعين الاعتبار في حال الاشتغال على راهن التدين الصوفي في المغرب وإفريقيا من جهة، وراهن التصوف التجاني بالتحديد، وذلك انطلاقا من أرضية ثقافية واجتماعية وصوفية، خاصة أن الأمر يهم ظاهرة مجتمعية مركبة وتتطلب مقاربة مركبة أو تبني “فكر مركب” بتعبير المفكر الفرنسي إدغار موران.
واعتبر الباحث محمد التهامي الحراق في تقديمه للكتاب أن خصوصية موضوع الكتاب تزداد حين ندركُ أن للتصوف كبير اعتبار في منظومة الثوابت الدينية المغربية، وأن هذا الكتاب يباشر بالدراسة والتحليل المشرب الصوفي التجاني، بوصفه أحدَ أهمِّ المشارب السلوكية الصوفية في شمالِ وغربِ افريقيا، وتحديدا في جنوب الساحل؛ مشربٍ تعداد مريديه اليوم بالملايين، وله امتدادٌ استراتيجي في مختلِف المجالات الروحية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسيةِ، في عدد من الدول الافريقية بشكل خاص.
وأضاف التقديم أيضا أن الكتاب تضمن حسما علميا وتاريخيا في التفاعلات المغربية الجزائرية حول الإرث التجاني، ولعلَّ هذا ما يُشكِّلُ لُبّ الكتابِ وبيتَ قصيده؛ إذ “يَفْصِلُ في إثباتِ الأصل”، كما ورد في عنوان الكتاب. فقد طرح وبشكل تاريخي مُفصَّل موقفَ السياسات الجزائرية من التصوف، وأبرز ما اتسم به هذا الموقف من الاعتراض والرفض والارتياب، مثلما أبرزَ المؤلفُ ظروفَ وملابساتِ العودة الجزائرية المتأخّرة للتصوف، مجلِّيًّا بعض “المقدمات المرَكَّبة لعلاقة العمل الصوفي التجاني بالمغرب”، مثل التراكم التاريخي للتصوف المغربي، وتميُّز وريادة التجربة المغربية في تدبير الشأن الديني، والمحورية التاريخية والشرعية والروحية والسياسة لمؤسسة إمارة المومنين في هذه التجربة، وكذا تولُّد المشرب الصوفي التجاني في السياق الروحي المغربي؛ فضلا عن الوزن العلمي الكبير لأعلام التجانية في المغرب وتآليفهم التأسيسية في الطريقة، وأهمية مشيختِها ومراكزِها وزواياها ومراقدِ شيوخها في المغرب، وفي صدارة هذه المواقدِ ضريح مؤسس الطريقةِ التجانية العارف سيدي أحمد التجاني دفينِ مدينة فاس. إن هذه العناصر، التي فصَّلها المؤلفُ، قد “فَصَلَ” بها في ما سماه “التفاعلات المغربية الجزائرية حول الإرث التجاني”، “مُثْبِتا” بها الأصلَ المغربي لتاريخ المدد الروحاني للمشرب التجاني، ومفسرا بها ولاءَ أتباع الزاوية التجانية عبر العالمِ للمغرب؛ بل مستحضرا أن الإسلام في أصل التديّن قد دخل إلى شمال إفريقيا عبر بوابَة العمل الصوفي المغربي.
وتوزع مضامين الكتاب على ثلاثة فصول، جاء الأول موزعا على محورين، حيث خُصّص الأول للتوقف عند معالم الإرث الصوفي في شمال إفريقيا، من خلال التركيز على النموذج الصوفي التجاني، بما تطلب التوقف عند ماضي وحاضر التصوف إجمالاً، ومسار مؤسس الزاوية التجانية، الشيخ أحمد التجاني، ومعه مسار أهم أعلام الزاوية التي ساهم عملها محليا وإقليميا في وصول الزاوية المعنية إلى هذا الإشعاع الإقليمي والدولي، والحديث عن مجموعة أعلام من قبيل الشيخ محمد الحافظ والشيخ سيدي مولود والشيخ عمر الفوتي والشيخ مالك سي وأخيرا الشيخ إبراهيم انياس؛ بينما خُصّص المحور الثاني لمعالم الإرث التجاني في محور الرباط ــ داكار، عبر استعراض أهم المحددات التي أفضت إلى ظهوره، بما أفضى كذلك إلى ظهور “قوة دينية ناعمة للزاوية التجانية”، موازاة مع التحديات التي تواجهه، قبل الاشتغال على عرض مقترحات في سياق تأهيل التدبير المغربي السنغالي المشترك للإرث التجاني.
أما الفصل الثاني، فكان مخصّصا لاستعراض أهم معالم الاشتغال البحثي في المنطقة والخارج على التصوف التجاني، ولذلك جاء موزعا على محورين، حيث تطرق الأول لمعالم ذلك الاشتغال في المنطقة المغاربية وإفريقيا، وخاصة في المغرب والجزائر والسنغال؛ بينما خُصّص الثاني لمعالم الاشتغال نفسه في القارتين الأوربية والأمريكية، ولو أن الأمر تطلب استعراض الاشتغال البحثي في مجموعة من الدول الأوربية، وخاصة في الساحة الفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية موازاة مع السائد في الساحة البحثية الأمريكية، وبحكم تشعب هذه الأعمال، فقد اختتم مضامين هذا الفصل بمادة جامعة تتضمن مجموعة من الخلاصات. وميزة هذا الفصل أنه يقدم للقارئ فكرة أولية أو حتى إشارات حول أغلب الأعمال البحثية التي صدرت في المنطقة والخارج حول العمل الصوفي التجاني، ونزعم أن يكون أرضية مؤسسة في مرحلة قادمة للاشتغال البحثي على تحرير دليل خاص بالأبحاث والدراسات الصوفية التي تهم الزاوية التجانية.
وأخيرا، جاء الفصل الثالث للتوقف عند تفاعل المغرب والجزائر مع الإرث الجزائري، بما تطلب التدقيق في الفوارق الدينية والسياسية والثقافية التي نعانيها في هذا التفاعل، وخاصة الفوارق في التعامل مع التصوف بين الأمس واليوم في البلدين، وقد خُصّص المحور الأول للتوقف عند تبعات السياسات الجزائرية بخصوص القطيعة مع العمل الصوفي في حقبة ماضية قبل معاينة عودة نسبة ومتأخرة للدفاع عن التصوف نفسه؛ بينما خُصّص المحور الثاني لاستعراض مجموعة من العوامل التي نعتقد أنها تساعد القارئ في تفسير ولاء أتباع الزاوية التجانية في المنطقة للمغرب، وقد أحصى المؤلف منها خمسة عوامل على الأقل، تتداخل فيها محددات تاريخية ودينية وعلمية وسياسية.
صحيح أن عنوان الكتاب يتحدث عن الفصل في إثبات الأصل بخصوص هذا الإرث التجاني الذي نعاين عودة الأضواء البحثية والإعلامية حوله خلال العقد الماضي على الخصوص، لكن الأمر يتعلق بمساهمة بحثية قابلة للتقييم والتنقيح، لأن الموضوع مفتوح على عدة قراءات ومقاربات، فالأحرى تعرض الظاهرة نفسها، سواء تعلق الأمر بالتصوف إجمالاً أو التصوف التجاني بالتحديد، لعدة تطورات وتحديات.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20011