15 يوليو 2025 / 20:19

صدور الترجمة العربية لكتاب “ابن الهيثم: انبثاق الحداثة الكلاسيكية”

إعداد: رشيد المباركي

صدر مؤخرا للمفكر المصري رشدي راشد، عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتابه “ابن الهيثم: انبثاق الحداثة الكلاسيكية”، مترجما إلى العربية نقلا عن الفرنسية، وقام بالترجمة يوسف بن عثمان، مع مراجعة أشرف عليها علي عيسى.

مؤلف الكتاب هو أستاذ الفلسفة وتاريخ العلوم العربية والرياضيات، وفیلسوف ومؤرخ للعلوم الغربية والعربية مصري مقيم بباريس. وقد اشتهر بغزارة أعماله من مؤلفات وترجمات وتحقيقات ودراسات في حقل العلوم العربية الشاسع بما يشمله من رياضيات وعلم المناظر وعلم الفلك وفلسفة الرياضيات وغيرها. كما دافع منذ ستينيات القرن الماضي في مجمل أعماله عن فكرة عقلانية علمية متعددة وثورات علمية في أزمنة تاريخية مختلفة وفي حقول علمية غير متزامنة، يعد العمدة في تاريخ وكتابة تاريخ العلوم العربية وهو أشهر دارس لفكر ابن الهيثم ومحقق لأعماله ومترجم لها.

هذا الكتاب هو عصارة بحوث ودراسات وترجمات وتحقيقات امتدت على نحو ما يزيد على أربعة عقود قدّم فيها المؤلف المؤرخ للعلوم، وللعلوم العربية أساسا، خلاصات لفتوحات علمية متميزة ووجوها الثورات علمية في اختصاصات بعينها في مسائل دقيقة.

يتضمن الكتاب أربعة أقسام هي في الرياضيات والمناظر والفلك وفلسفة الرياضيات وتكشف كلها، في مقاربات تحليلية للنصوص، ومباشرة نقدية لتأويلاتها وسردياتها، عن وجوه حداثة الفكر العلمي الهيثمي على نحو يجعله أوّل المحدثين بلا منازع، بل رائدهم وليس آخر القدامى ولا الوسيطتين كما يعن لبعض مؤرخي العلوم تنزيله ضمن سردية وكتابة لتاريخ العلوم قلّما تنصفان العلوم العربية وتقدر مساهمة العلماء العرب حق قدرها.

عرّف مؤرخو العلوم والفلاسفة وغيرهم من المثقفين بداية الحداثة الكلاسيكية بما قدمه كوبرنيكوس وكبلر في الفلك، وجاليليو في الميكانيكا، وديكارت وفرما في الرياضيات، وهوجنز في المناظر، وغيرهم من علماء وفلاسفة القرن السادس عشر والسابع عشر في أوربا الغربية.

وقام كثير من الفلاسفة منذ القرن الثامن عشر وما يليه من أمثال فوتنل وكوندورسيه بعده في فرنسا، ووليم وتون في إنجلترا، وكانت في ألمانيا وغيرهم وهم كثر، ببناء نظرتهم حول الحداثة العلمية على هذا الأساس الذي لم يكن للعلم العربي ولا للفلسفة الإسلامية فيه نصيب، وهذا رغم وجود الكثير من الترجمات اللاتينية من العربية في هذين الحقلين.

بيّن العديد من الأبحاث المعاصرة في تاريخ الرياضيات والعلوم، أن سبق هذه البداية للحداثة الكلاسيكية بداية أخرى لا يمكن فهم ما تمّ في القرنين السادس عشر والسابع عشر دونها. وساهم الكثير من علماء الرياضيات والعلوم والفلاسفة في هذه البداية المبكرة.

وكان من بين كبار هؤلاء العلماء من القرن الحادي عشر، الحسن بن الحسن بن الهيثم، المتوفي بعد سنة 1040 ميلادية، وذلك بما نقل من مؤلفاته في علم المناظر إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر، والتي درسها العلماء اللاتين منذ القرن الثالث عشر، من أمثال بيكون وفتلو وغيرهم، وكذلك كبلر وديكارت وفرما وهوجنز فيما بعد.

كتب ونشر بعض المؤرخين عن ما أتى به ابن الهيثم في علم المناظر، وعن الثورة المعرفية التي قام بها، وذلك بالعربية والألمانية والإنجليزية والفرنسية. لكن ليس هناك إلى يومنا هذا أي كتاب يضمن مؤلفه فيه ما أتى به ابن الهيثم في الرياضيات وعلم الهيئة وعلم المناظر والفلسفة العلمية. لم يكن هذا في المتناول قبل التحقيق العلمي والنقدي لهذه الأعمال، وقبل تصحيح الأخطاء والشوائب التي لحقت بصورة ابن الهيثم.

تمّ في العقود الأخيرة تحقيق الكثير من مؤلفات ابن الهيثم في الرياضيات والهيئة والمناظر ونقلها إلى الفرنسية والانجليزية مع الشروح الرياضية والعلمية، ولهذا أصبح من الممكن تأليف كتاب جامع لما أتى به ابن الهيثم في كل هذه الحقول وبيان مساهمته في أولى بدايات الحداثة الكلاسيكية.

بخصوص مترجم الكتاب، الأستاذ يوسف بن عثمان، فهو أستاذ تاريخ الفلسفة والعلوم الحديثة بجامعة تونس المنار، نائب رئيس الجامعة سابقا، يشغل حاليا منصب مدير عام مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية بتونس. دارس للعقلانية العلمية في تشكلاتها وتحولاتها التاريخية الغربية والعربية مهتم بتاريخ العلوم العربية دراسة وترجمة وكذلك بتاريخ الفكر العلمي الغربي ومترجم لأهم أعمال كوبريه في تاريخ العلوم وفلسفتها: دراسات غاليلية، دراسات نيوتنية: الثورة الفلكية من العالم المغلق إلى الكون اللامتناهي.