أسامة البحري
لا يسعنا في هذا التقديم ، إلا أن نشير من جهة إلى الفرق الذي يكمن بين علم النفس / التحليل النفسي و علم النفس الإجتماعي ، و أن نقف من زاوية أخرى على أهم افكار لوبون ، لهذا فإن علم النفس و التحليل النفسي معروفان بتركيزهما على العلاقة التي تتأسس بين الفردو ذاته ، فالأول “علم النفس ” يشتغل على دراسة النفسية و مشاكلها في الطفولة و المراهقة.
أما “التحليل النفسي ” : الذي تأسس على أيدي سيغموند فرويد ، فهمه المحوري هو إستنباط الذات الفردية لا الجماعية ، و على ضوء هذا الإهتمام بالنفسية الفردانية ، تمخض علم النفس الإجتماعي الذي يشتغل بمصطلحات سيكولوجية و لكن بطريقة إجتماعية ، فمن بين مؤسسيه الأوائل ، نجد “غوستاف لوبون ” ، ولهذا فإن علم النفس الإجتماعي يدرس مدى إنسجام الفرد إجتماعيا (أي مدى إنصهاره في المجتمع) و مدى شذوذه عن خط المجتمع ، بالإضافة إلى دراسة الصراع الناشب بين الفرد و المجتمع ، ثم دراسة سلوكات المجموعات في المجتمع (الفئات الإجتماعية ، الطبقات ، الأقليات ، الطوائف الدينية الخ ..)، و طبعا هذا لا يعني لنا أن علم النفس الإجتماعي يقتصر على دراسة الجماعة فقط ، ” فمن الصعب ، إن لم يكن من المستحيل ، عزل السلوك الفردي عن الوسط الإجتماعي – الثقافي المحيط به (1)”.
و مما لا ريب فيه أن لعلم النفس الإجتماعي جذور ، تعود بنا إلى أقدم الفلاسفة و العصور ، كأفلاطون مثلا حينما نظر للمدينة الفاضلة بعمله “جمهورية أفلاطون ” : الحاكم = العقل / فيلسوف – الحارس = القلب /العصبية – التجار و الشعب يمثلون البطن أي الشهوات، زد على ذلك تلميذه أرسطو الذي وضع كتابا غاية في الأهمية و هو السياسة ، “ينقسم إلى ثمان مقالات : الأولى تتكلم عن تدبير المنزل ، و هي مقدمة لدراسة الدولة ، الثانية تتكلم عن الحكومات المقترحة على أنها مثلى و في أكثر الدساتير اعتبارا ، الثالثة : في الدولة و المواطن و في تصنيف الدساتير ، الرابعة و الخامسة و السادسة : في الدساتير الوضعية ، المقالتان السابعة والثامنة : في الدولة المثلى (2)”.
ومن تاريخ الفلسفة اليونانية ، ننتقل إلى فلسفة القرون الوسطى وبذلك نجد أن العديد من المفكرين بتاريخ الفلسفة الأوروبية قد عالجوا موضوع علم النفس الإجتماعي كالقديس أوغسطين و توما الأكويني ، ففي هذه الفترة بالذات نجد أن الفكر العربي أيضا عالج موضوع سيكولوجية الجماهير ، و لكي نجمع بين الفكر الغربي و العربي ، الى جانب ابن رشد الذي تأثر بارسطو في الفكر اليوناني ، نجد بالقرون الوسطى تداخلا بين ” ابن خلدون و ميكيافيلي (3)”، ففي هذا الصدد يرى ابن خلدون في “مقدمته” أن الدولة اصلها الدين ، إما من نبوة او دعوة حق ، و أن هذه الدعوة الدينية لا تقوم إلا بالعصبية بين أهل الأنساب و أهل البدو ، غير أهل الحضر ، لأن هؤلاء حسب ابن خلدون عدوان بعضهم على بعض و لا تجتمع كلمتهم ، أما البدو فيدافعون عن بعضهم بالعصبية و يدافع عنهم مشايخهم وكبراؤهم بما قام في نفوس الكافة لهم من الوقار ، و في هذا الصدد نجد أن ميكيافيلي يسلم من زاوية أخرى أن المشايخ ليس هم الذين يجب أن يقودوا الرعية ، بل يجب على الأمير هو من يحكم جيشه بكل قسوة ، لأنه بمعزل عنها لن يستطيع أن يحافظ على توازن جيشه و شعبه ، ففي هذا الصدد يقول ميكيافيلي في عمله “الأمير” : ينبغي على الأمير الذي يريد أن يحفظ عرشه أن يتعلم كيف يقلل من طيبته و كيف يستعمل الخير أو ضده في الأوقات و الأحوال المناسبة ” من أجل الحفاظ على توازن المجتمع.
وطبعا كانت هذه الأعمال ، مهادا لظهور عدة مفكرين بالقرن 16 و 17 كـ توماس هوبز الذي يرى بالجزء الأول من عمله “التنين” أن الحالة الطبيعية اتسمت بحرب الكل ضد الكل ، فقد كان الكل خائفا عن فقدان بقائه ، و في هذا الصدد يقول هوبز إن “أصحاب السلطة العليا في يقظة تامة ، شاهرين أسلحتهم مصوبة اتجاه بعضهم البعض و أعينهم مركزة على بعضهم ، كما أن أعين الجواسيس مركزة في استمرار على جيرانيهم ” ، و بهذا فإن الخوف الذي كان مزمنا بين الأفراد ، دفعهم إلى الإمتثال لطاعة أوامر صاحب السيادة ، و تبقى القوة حسب توماس هوبز هي محرك الشعور الذي يجمع بين أفراد الجماعة ، فإذا ما هزم صاحب السيادة، صاحب سيادة آخر فإن الشعب المحكوم من طرف صاحب السيادة الثاني ينتقل الى الأول بدافع القوة.
والى جانب هذا الطرح نجد ايضا دافيد هيوم الذي أسس فكرا سيكولوجيا / إجتماعيا بعمله ” رسالة في الطبيعة البشرية ” قد نظر إلى السلوكات بأنها ناتجة عن مبدأين أساسين هم اللذة و الألم ، فمنهما يتمخض نسق من الإنفعالات و العواطف ، تلتحم لتشكل أفكارا تنعكس إلى سلوكات ، و يكون الذهن في هذا السياق هو ذلك المحرك المكون من الأفكار ، التي توجه السلوكات حسب نوعية الأفكار المكتسبة ، فالأفكار التي تقابل أو ستقابل الجسد بألم تعنون داخل الدماغ بأفكار خاطئة او محرمة الخ ، و من عادت أو ستعود على الجسد باللذة تعنون بالأفكار الجيدة او التي تحمل بركة الخ ، فكل تسلسل من الأفكار حسب هيوم ناتج لتوجيه إجتماعي محض.
ومما لا شك فيه أن غوستاف لوبون قد تأثر بمفكري القرن السادس عشر و السابع عشر ، لأنه حينما نتصفح مثلا ، عمله ” الآراء والمعتقدات – الفصل الأول “، نجده يستشهد بفلاسفة ، كديكارت ، باسكال ، وفي الباب الثاني نجده يستشهد بأفلاطون و شوبنهاور اسبينوزا ، فهذا يعبر بقوة على تأثره بفلاسفة عصر النهضة وعصر الأنوار. ولهذا فإذا انتقلنا مع غوستاف لوبون إلى عمله “روح الإجتماع ” سنجده يضع لنا مدخلا أساسيا لفهم أسس فكره ، فقد إنطلق في عمله هذا من تقسيم الجماعات الى قسمين : الجماعات ذات المعنى المتعارف عليه ، و التي تتمحور على فكرة التأطير العام أو اللفيف الذي يلف حول أفراد جماعة معينة، ثم تفسير الجماعة الذي يخص علم النفس كما يسلم لوبون ، المتحور على فكرة : إنصهار و ذوبان الفرد في الجماعة ، أي “إختفاء الذوات الشاعرة و توجهها نحو صوب واحد و هذا ما يؤدي إلى تولد روح عامة…
لم أجد لتسميتها كلمة أليق من لفظ الجماعة المنظمة أو الجماعة النفسية (5)” ، و لهذا فلوبون يرى بأنه لا يوجد لفيف يستدير حول الأفراد كما كان ينظر من قبل ، بل إن الأفراد هم من ينصهرون مع بعضهم البعض مشكلين بذلك جسدا واحدا، و يمكن للجماعة النفسية أن تتأسس بين عشرة أفراد تجاذبوا فيما بينهم لاشعوريا ، ولن تتأسسس بين آلاف من الأفراد إجتمعوا فيما بينهم إتفاقا ، و من خلال كل ما صرح به لوبون ، سيضيف قائلا :”إن أهم ما تمتاز به الجماعة وجود روح عامة تجعل جميع أفرادها يشعرون و يفكرون و يعملون بكيفية تخالف تمام الاختلاف ، الكيفية التي يشعر و يفكر و يعمل بها كل واحد منهم على إنفراده ، وذلك كيفما كان أولائك الأفراد ()” ، فكل فرد إذن حسب لوبون منصهر لاشعوريا في الروح الجماعية ، و يتمظهر ذلك عبر العديد من السلوكات : كالدفاع عن المعتقدات ، ومراقبة الآخرين على عدم تخطي إطار المعتقدات و حدود الأنظمة الثقافية “التاريخانية” ، فالفرد إذن حسب لوبون يشبه الآخر داخل إطار الجماعة في نظام الشهوات و المشاعر و الوجدانات.
وبذلك فإن هذه الصفات العامة (اللاشعورية ) هي من تحرك الجماعة و في هذا الصدد قسم لوبون الأسباب التي تولد صفات روح الإجتماع إلى ثلاث : ففي البداية ، يكتسب الإنسان داخل الجماعة ، قوة تؤدي بها أو به إلى الاسترسال في تضخيم اللاشعور الجماعي ، ثانيا : العدوى : و تعني حسب لوبون ، برمجة تكرارية للأفكار المركزية التي تتأسس ثقافة المجتمع عليها ، ثالثا : القابلية للتأثر ، ففي هذا الصدد استشهد لوبون باهم أفكاره ، و هي تقابل الجسد المنوم ميغناطيسيا بالفرد داخل الجماعة ، فالدماغ حسبه تتعطل وظيفته أمام رمزية و مادية المنوم “المجتمع”، و هذا ما يؤدي إلى غياب الذات الشاعرة ، فتصبح بذلك حركات مجموعه العصبي يسيرها الشخص (المجتمع ) الذي نومه بالتنويم الميغناطيسي ، فهو من يتحكم في الإرادة و هو من يسير السلوكات الجسدية بأكملها ، فهنا “تتعطل الإرادة الإنسانية و يغيب التمييز و تتجه جميع المشاعر و الأفكار نحو الغرض الذي رسمه المنوم 1” ، و يعتبر هذا التصور الذي طابق فيه لوبون المنوم بمجموع القواعد التي يتكون منها المجتمع و التي تحافظ عليها السلطة من أهم الركائز الأساسية بحقل علم النفس الإجتماعي ، و بهذا سينتقل بنا لوبون من محطة روح التجاذب الإجتماعي إلى سيكولوجية التجمع ، فكيف نظر إذن ، غوستاف لوبون إلى الجماعة في عمله سيكولوجية الجماهير ؟
1: سيكولوجية الجماهير – الجزء الأول
في ما مضى كانت السياسة التقليدية للدول و المنافسة بين الحكام هي التي تشكل العوامل الأساسية التي تحرك الأحداث ، ولم يكن لرأي الشعوب في الغالب الأعم قيمة ، و لكن بدخول الطبقات الشعبية في الحياة الساسية و تحولها بالتدريج إلى طبقات قوية قائدة أصبح صوتها راجعا و غالبا بل قادرا على قلب الموازين ، تلك القوة استمدت عن طريق نشر بعض الأفكار التي زرعت في النفوس ثم رويدا رويدا ، بواسطة تجمع و احتكاك و تكتل الأفراد من خلال الروابط و الجمعيات تجسدت مفاهيم التي كانت مجرد نظرية ، فأصبحت المطالب واضحة أكثر فأكثر و تميل الى قلب و تدمير المجتمع الحالي ، فالعقائد الجديدة سوف تكتسب قريبا نفس قوة العقائد القديمة ، لذلك يكفي القيام بتمعن شديد و فاحص للأحداث التي تمخضت عنها التحولات العظمى ، ليتضح ان السبب الحقيقي الكامن وراء ما يبدو كأسباب ضاهرية هو في الحقيقة تغير عميق يصيب الشعب ، فصح القول إذن “انما تتناقله كتب التاريخ ليس سوى آثار مرئية لمتغريات لا مرئية يصيب عواطف البشر “.
و في نهاية القرن التاسع عشر تزايد عدد الجماهير على سطح المسرح الاوروبي ، و راحت اعمالهم المباغتة ، فبدأ الباحثون والمفكرون الفرنسيون الايطاليون ، يتحدثون عن ظاهرة الجماهير المجرمة ، المجرمون الجماعيون الذين يهددون امن الدولة ، النظام الاجتماعي القائم و طمأنينة اىمواطنين و شلامتهم ، هكذا أصبحت الدراسة العلمية للجماهير تمر من خلال علم القانون الجماهيري ، و كان سيكهبل اول من بلور هذه النظرية و خلع مفهوم تقنيا عن الجماهير ، و حسبه هي كل الحركات الإجتماعية ، والمجموعات السياسية من الفوضوية إلى الإشتراكية ، زد على ذلك العمال في حالة الاضراب ، علاوة على ذلك التجمعات الحاصلة في الشوارع ، فتبلورت بذلك ثلاث أجوبة : 1 : جماهير ضد المؤسسات القائمة : أشخاص شاذون عن المجتمع فصار الجمهور = رعاع / اوباش ، 2 : جماهير مجنونة بطبيعتها : ان تعلقت او احبت شيئا او شخصا تبعته و تابعته حتى الموت ، 3: جماهير مجرمة = بما أنها مؤلفة من رعاعو أوغاذ (الحاقدين) فذلك معناه : عنف – سب – شتم – عصيان – جنوح عن القانون ، لكن لوبون و هو يراكم تجربته التي دمج فيها كل النظريات البيولوجية / الانثربولوجية / السيكولوجية ، راح شيئا فشيئا يبلور نظريته المعلقة بسيكولوجياالشعوب / نفسية الشعوب و الأعراق البشرية ، فاثناء دراسته لقضايا علم النفس ، اصطدم بظاهرة الجماهير (الحركات الشعبية و الارهاب ، فكان ذكيا في طريقة تناوله لهذا الموضوع من وجهة نظر لم تكن سائدة ، فبنى نظرية متكاملة و متماسكة بدأ بتشخيص أوضاع الديموقراطية البرلمانية التي تولدت عن الثورة الفرنسية، لم يقل بأن الحل في الرجوع الى الماضي و لا الى الاشتراكية و انما اصلاح النظام البرلماني بشكل يناسب اوضاع الجمهور المستجدة.
ثم اكد ان قوى الحاكم و الحكم تؤدي الى استقرار النظام الاجتماعي و انعدام القوة تؤدي الى الفوضى و الى احتلال الاوضاع ، فمنهجيته التحليلة لم يجدها في التاريخ و الاقتصاد ، بل في “علم النفس ” فحسب و في هذا الصدد يقول “علم النفس يعلمنا ان هناك روحا للجماهير ” ، روح مكونة من الانفعالات البدائية و مكرسة بواسطة العقائد الايمانية القوية و البعيدة عن التفكير العقلاني و المنطقي فكرته الاساسية بسيطة جدا : كل الكوارث الماضوية التي بليت بها فرنسا و كل هزائمها تع الى هجوم الجماهير على مسرح التاريخ ، فضعف النظام البرلماني الديمقراطي اذن راجع الى الجهل بقوانين علم النفس و طرائق تسيير الجماهير ، و بين عشية و ضحاها اصبح لوبون الاستاذ الفكري لمرحلة كاملة باسرها و حافظ عليها حتى نهاية حياتخ “المديدة” ومادمنا نتناوله بالتحليل في هذه الاثناء فاكيد ان كتابه منح لصاحبه خلودا فكريا ، فكان بذلك بنثابة المانيفيست الذي دشن علم النفس الاجتماعي و الجماعي كما قال “موسكوفيتشي” ، بهذا نال غوستاف لوبون : شهرة واسعة و مكانة رفيعة ، فصار كتابه هذا المرجع الوحيد الذي قررته الجامعة في برامجها حول علم النفس الاجتماعي.
و من خلال ما سلف ، يتضح ان : معرفة نفسية الجماهير تشكل المصدر الاساسي لرجل الدولة الذي لا يريد ان يحلم كليا من قبلها، زد على ذلك ان نفسية الجماهير تبين مدى ضعف تأثير القوانين و المؤسسات على طبيعتها الغرائزية ، و بهذا فقد تطرق لوبون في فصله الاول من عمله سيكولوجية الجماهير ، لكلمة الجمهور ، فهي تعني في المعنى العادي تجمعا لمجموعة من الافراد ايا كانت هيوتهم القومية / مهنتهم ، لكن من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي ” جمهور ” يصبح له معنى اخر ، ففي ظروف معينة يمكن لتكتل ما من البشر ان يمتلك خصائص جديدة مختلفة تماما عت خصاىص كل فرد يشكله ، انذاك تنطمس الشخصية الواعية للفرد و تصبح عواطف / افكار الوحدات الصغرى المشكلة للجمهور في نفس الاتجاه ، فتتشكل روح جماعية مؤقتة . بدون شك لكنها تنفتح بخصائص متبلورة تماما عندئذ ستصبح هذه الجماعة : جمهورا حسب لوبون منظما / جمهورا نفسيا ، فتتشكل بذلك “كينونة واحدة ” و تصبح خاضعة “لقانون الوحدة العقلية للجماهير ” ، فأي تجمع عن طريق الصدفة لا تخلع عليهم خصائص الجمهور المنظم ، فألف فرد مجتمعون بالمصادفة على الساحة العمومية بدون هدف محدد لايشكلون إطلاقا جمهورا نفسيا ، لكن هذا لا يتطلب بالضرورة الحضور المتزامن للعديد من الأفراد في نقطة واحدة / شعب بأكمله قد يصبح جمهورا نفسيا بدون تجمع مرئي ، فما أن يتكون الجمهور النفسي حتى يكتسب خصائص عامة و مؤقتة و قابلة للفرز فتنضاف خصائص متغيرة خاصة بحسب العناصر التي يتألف منها و التي يمكن أن تعدل بنية العقلية ، و هذا يدل أن الجماهير قابلة للتصنيف، هذا الأخير سيبين لنا أن هناك خصائص مشتركة بين الجماهير المتجانسة و الغير متجانسة و الأكيد أن هناك إلى جانب ما هو مشترك هناك ، خصوصيات تتيح لنا إقامة التمايز بينهاة، و لهذا فليس من السهل دراسة روح الجماهير ، ذلك لأن تركيبتها تختلف ليس فقط بحسب : العرق البشري / تشكيلة الجماعات ، و إنما بحسب : العرق البشري / تشكيلة الجماعات ، و إنما بحسب طبيعة المحرضات و درجة قوتها
1 : سيكولوجية الجماهير ـ الجزء الثاني
يرى لوبون في بداية الكتاب الثاني من عمله سيكولوجية الجماهير أن هناك عاملين أساسين يؤثران في الجماعة ، عامل بعيد : ويعني المؤثرات الخارجية ، كما نجد في علاقة الثورة الفرنسية بأعمال المفكرين و الفلاسفة ، ثم عوامل مباشرة : التي تعني تكدس كل المؤثرات الخارجية في قبضة واحدة مما يدفع بالجماهير الى إحداث عامل مباشر و هو الثورة (فصل الدين عن الساسية مثلا)، و من بين العوامل البعيدة ، نجد : التقاليد الموروثة ” العرق / الزمن / المؤسسات / التربية / التعليم ، فالعرق حسب لوبون هو عبارة عن سلسلة تاريخية تلتبس البيئة الحاضراتية (تقسيم العمل داخل المنازل مثلا : المطبخ و السرير للانثى – المنزل باكمله للذكر ، التقاليد المورزثة : يعرفها غوستاف لوبون ، بانها ” الافكار و الحاجيات و العواطف الخاصة بالماضي فهي تمثل خلاصة العرق و تضغط بكل ثقل علينا (9)” فما تفعله هذه الاجزاء الماضوية حسب لوبون ، هو تكوينها لكائن عضوي يسيطرعلى المخيال الإجتماعي,
ففي هذا الصدد يقول ” نرى ان الشعب هو عبارة عن كائن عضوي مخلوق من قبل الماضي ” ، فهذه الاجزاء الماضوية حسبه، تكون شبكة من التقاليد ، تطبع كل الافراد بما تحمله داخلها من افكار و مفاهيم : كحشومة – عيب الخ .. و يرىلوبون أه بدون هذه التقاليد لا يمكن ان توجد حضارة و بدون اصلاح هذه التقاليد بالمنطق يستحيل أن يكون هناك تقدم ، الزمن ، فالبعد التاريخي / المفتوح الأمد يفتح عوالم التلاشي و التطور حينما يحضر الوعي ، فالحضارة أمام الوعي تتغير بتغير محتويات الماضي ، فإنها تتطور لتفتح عوالم التلاشي و التطور مرة أخرى ، و محور هذا التطور هي العلاقة التجاذبية التي يحققها الوعي بين الرأي والمعتقد، و بهذا يقول لوبون :” ان التوكيد لا يلبث بعد ان يكرر تكرارا كافيا أن يحدث رأيا ثم معتقدا (10) ” ،و بهذا يكون الرأي هو المحدد للسلوك الفردي والإجتماعي ، عن طريق تكراره بكل مواضع الجسد الإجتماعي مما يجعله معتقدا doxa ، يحافظ على مشروعية بقائه عبر جل المؤسسات الإجتماعية و السياسية، و في هذا الصدد يعرفها لوبون بأنها ” بنت الافكار و العواطف والأخلاق و الطبائع التاريخية المكونة للثقافة ” لأنه بفعل ترسخها في الذهن ، بها ينظر الفرد إلى الوجود ، و بفعلها يجيب الفرد عن كل مثير يثيرلجسد بالواقع الإجتماعي ، و في هذا الصدد يرى لوبون ان التعليم دخل في دوامة الادلجة عبر فكرة التلقين التي غزت المخيال التدريسي ، و ” هكذا نجد ان الشابة او الشاب ما ينفكون منذ السنة الاولى ابتدائية و حتى الدكتوراه او شهادة التبريز ، ييتلع مضمون الكتب بدون ان يشغل عقله أو رأيه الشخصي ، فالتعليم بالنسبة له يتمثل في الحفظ و الطباعة (11)
ففي هذا الصدد يقول لوبون “الانسان المدجن و المتزوج و المستسلم يدور في حلقة مفرغة الى ما لا نهاية ، فهو منغلق داخل وظيفته الضيقة (13)” ، و من خلال هذه الاحاطة بعلاقة الذات مع محيطها ، سينتقل بنا لوبون الى العوامل المباشرة في الفصل الثاني من الكتاب الثاني ، و بهذا فقد تكلم لوبون في بداية هذا الفصل ، عن دور الكلمة في اخضاع العقول ، فالكلمة حسب لوبون تشكل صورة في الذهن ، و تتشكل في صورة بالمجتمع ، كالرسومات على المدارس (امرأة تضع الخمار ، رجل يلبس اللباس التقليدي …. )، فهذه الصور حسب لوبون تعزز وجود الصورة الذهنية التي تمخضت عن جملة او كلمة ترسخت في المخيال بالتكرار ، و عندما تشعر الجماهير بنفور عميق من الصور التي تثيرها بعض الكلمات و” ذلك على أثر الانقلابات السياسية و المتغيرات التي اصابت العقائد ، فإن الواجب الأول لرجل الدولة الحقيقي هو تغيير هذه الكلمات (14)” ، ” و لهذا فيكفي على القادة أن يعرفوا اختيار الكلمات لكي يجعلوا الجماهير تقبل ابشع انواع الأشياء (15)” ، علاوة على ذلك الاوهام : فمن بين العوامل التي تخذر الاذهان حسب لوبون هي الوهم ، فقد ظهر لاول مرة بالمعابد ، ثم استخدمت الأصنام للتلاعب بالعقول ، ثم انتقل الى الدين ثم الى الفلسفة ثم الى الجسد الاجتماعي باكمله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 : غوستاف لوبون – سيكولوجية الجماهير – ترجمة هاشم صالح – ص : 6 – دار الساقي
2 : يوسف كرم – تاريخ الفلسفة اليونانية – ص : 311 – العوادي
3 : محمد لطفي جمعة – تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق و الغرب – ص 243 -دار العلم و المعرفة
: نيكولو ميكيافيلي – الأمير – ص 140
5 : غوستاف لوبون – روح الإجتماع – ترجمة : أحمد فتحي زغلول ص : 27 – فروس
6 : المرجع ذاته – الصفحة : 30
7: غوستاف لوبون – روح الإجتماع – ص : 33
8: غوستاف لوبون – سيكولوجية الجماهير – ص : 101
9: المرجع ذاته – الصفحة ذاته
10:غوستاف لوبون – الآراء و المعتقدات – ص : 199
11: غوستاف لوبون – سيكولوجية الجماهير – ص : 105
12: المرجع ذاته – ص : 108
13: المرجع ذاته – ص : 111 : غوستاف لوبون – سيكولوجية الجماهير – ص : 112
14: المرجع ذاته – ص : 119
15: المرجع ذاته – الصفحة ذاتها
المصدر : https://dinpresse.net/?p=8007