سوريا، أرض الحضارات المتعاقبة، تتميز بتنوعها الديني والعرقي الفريد الذي شكل نسيجها الاجتماعي عبر القرون. منذ العصور القديمة، كانت هذه المنطقة ملتقى للشعوب والديانات والثقافات المختلفة، مما ساهم في صياغة هوية وطنية فريدة متعددة الطبقات.
في هذا المقال، نسلط الضوء على المكونات الدينية والعرقية للمجتمع السوري، متتبعين أصولها وأدوارها في بناء تاريخ سوريا المعاصر.
المكونات الدينية في سوريا
المسلمون السُنّة
يشكل السُنّة الأغلبية في سوريا، وتقدر نسبتهم بحوالي 74% من السكان، ودخل الإسلام البلاد عام 636م على يد الصحابة خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح، ومنذ ذلك الحين، أصبحت سوريا مركزا حضاريا للإسلام، فاعتنقت المدن الكبرى الإسلام سريعا، بينما ظلت الأرياف على دياناتها القديمة حتى القرن العاشر.
تاريخيا، لعب السُنّة دورا بارزا في تطور سوريا ثقافيا وسياسيا، حيث أصبحت دمشق عاصمة الخلافة الأموية، وشهدت ازدهارا عمرانيا وفكريا كبيرا.
العلويون
يشكل العلويون حوالي 10-15% من السكان، وتعود جذورهم إلى القرن الثالث الهجري. استقروا تاريخيا في الساحل السوري، حيث أصبحوا قوة اجتماعية وسياسية مميزة، وشهد القرن العشرين تحولا كبيرا في وضعهم السياسي، خاصة مع وصول حافظ الأسد إلى الحكم عام 1970. وتحت قيادته، أصبحت الطائفة العلوية جزء أساسيا من مؤسسات الدولة.
الإسماعيليون
يمثل الإسماعيليون حوالي 1% من السكان، ويتواجدون بشكل أساسي في مدينة سلمية وريف حماة. وتميزت هذه الطائفة بإسهاماتها الفكرية والثقافية، خاصة خلال الحكم الفاطمي الذي أسس مكتبات وجامعات كان لها تأثير كبير في العالم الإسلامي.
الدروز
يمثل الدروز نحو 3% من السكان، وتتمركز غالبيتهم في جبل العرب بمحافظة السويداء. تاريخيا، اشتهر الدروز بمقاومتهم للاستعمار الفرنسي، حيث قاد سلطان باشا الأطرش ثورة سوريا الكبرى عام 1925. وبالرغم من صغر عددهم، فإن لهم تأثيرا سياسيا واجتماعيا مميزا.
المسيحيون
تعد سوريا مهدا للمسيحية، ويُعتقد أن سكانها كانوا من أوائل من اعتنق هذه الديانة. وتتنوع الطوائف المسيحية بين الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت، وتتوزع في مدن مثل دمشق وحلب واللاذقية. وخلال العقود الأخيرة، تقلصت أعداد المسيحيين بسبب الهجرة والنزاعات، لكنهم ما زالوا يحتفظون بدور ثقافي وفكري بارز.
اليهود
بالرغم من تضاؤل أعدادهم بشكل كبير، إلا أن وجود اليهود في سوريا يعود إلى العصور القديمة. واستقروا في دمشق وحلب والقامشلي، لكن معظمهم هاجروا بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، ولم يبقَ منهم اليوم سوى أعداد قليلة.
الإيزيديون
يتواجد الإيزيديون في مناطق شمال شرق سوريا مثل الحسكة وعفرين. وتعود ديانتهم إلى العصور القديمة، وتتميز بطابعها الروحي المرتبط بالطبيعة. وبالرغم من قلة أعدادهم، فإنهم يحتفظون بتقاليدهم وعاداتهم الخاصة.
المكونات العرقية في سوريا
العرب
يشكل العرب الأغلبية الساحقة في سوريا، بنسبة تتجاوز 80% من السكان. يرتبط تاريخهم الوثيق بالمنطقة منذ العصور القديمة، ولغتهم العربية هي اللغة الرسمية في البلاد. وساهم العرب في تشكيل الهوية الثقافية لسوريا، وكانوا محورا في تطور الأدب والسياسة على مر العصور.
الأكراد
يمثل الأكراد ثاني أكبر مجموعة عرقية في سوريا، حيث يقدر عددهم بحوالي 8-15% من السكان، يتواجدون في الحسكة والقامشلي وعين العرب (كوباني)، ويتميزون بثقافتهم ولغتهم الكردية. وعانى الأكراد تاريخيا من التهميش والقمع، لكنهم أسسوا مناطق حكم ذاتي في الشمال الشرقي خلال السنوات الأخيرة.
التركمان
يعود أصل التركمان إلى موجات هجرة تركية قديمة. يعيشون في مدن مثل حلب وحمص وريف اللاذقية، ويتحدث بعضهم اللغة التركمانية. يحاولون الاندماج مع المجتمع السوري، لكنهم يحتفظون بهويتهم الثقافية.
الشركس
هاجر الشركس من القوقاز إلى سوريا في القرن التاسع عشر بسبب الاضطهاد الروسي. استقروا في دمشق والقنيطرة وبعض المناطق الريفية، وما زالوا يحافظون على لغتهم وعاداتهم التقليدية.
الأرمن
هاجر الأرمن إلى سوريا هربا من الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها على يد العثمانيين عام 1915. ويعيشون في حلب ودمشق واللاذقية، ويلعبون دورا ثقافيا واجتماعيا بارزا، خاصة في مجال التعليم والفنون.
الآشوريون
ينحدر الآشوريون من حضارات قديمة، ويعتنق أغلبهم المسيحية. يعيشون في شمال شرق سوريا، خاصة في القامشلي والحسكة. هناك تراجع في أعدادهم بسبب النزاعات، لكنهم ما زالوا يحتفظون بلغتهم السريانية وتراثهم الثقافي.
خلاصة:
يشكل هذا التنوع الديني والعرقي مصدر قوة وغنى للمجتمع السوري، حيث ساهمت كل مجموعة في صياغة الهوية الوطنية. ومع ذلك، فإن العقود الأخيرة شهدت تحديات كبيرة، خاصة مع اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، التي عمّقت الانقسامات وأدت إلى تغييرات ديموغرافية كبيرة.
وتعد سوريا نموذجا فريدا للتعايش الديني والعرقي، على الرغم من التحديات السياسية والاجتماعية، وهكذا فإن فهم تاريخ هذه المكونات يعزز من أهمية التنوع كمصدر قوة ووحدة، خاصة في ظل مساعي إعادة بناء سوريا المستقبل، هذا ان كانت هناك إرادة دولية حقيقية لإنقاذ سوريا من صراع العقائد والأعراق الذي يهدد وجودها.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22134