سوابق في تخوف المغاربة من المساس بالدين

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس8 يناير 2025آخر تحديث : الأربعاء 8 يناير 2025 - 5:02 مساءً
سوابق في تخوف المغاربة من المساس بالدين

عبد الحي السملالي ـ باحث مغربي يقيم في فرنسا
الكثير من المغاربة خائفون من ظاهرة المروق عن الدين التي اشتد ضغطها على المجلس العلمي الأعلى منذ بداية الإصلاح الأول للمدونة إصلاح 2004، ولقد عرف تاريخ الدولة في المغرب عدة محاولات قام بها دعاة المروق عن الدين لنسف الدولة المغربية المبنية على التشريع الإسلامي، وفي كل مرة يهب الدين والرجوع إليه لنجدة الدولة. نأخذ على سبيل المثال لا الحصر ما عرفه المغرب قبل نشوء دولة المرابطين وكذلك التصحيح الذي جاءت به دولة الموحدين لتصحيح المسار عند أفول دولة عبد الله بن ياسين.

أما بالنسبة للمروق عن الدين، فدعوة بعض المتطرفين تمزيغيين كانوا أم غيرهم، على سبيل المثال، ليس فيها جديد، فقد سبقهم إليها طريف بن شمعون في مستهل القرن الخامس الهجري، والذي كان أكثر جرأة من هؤلاء، فادعى النبوة لأن ربما ذلك كان ممكنا في ذلك الوقت ولم تتوفر ظروفه لأصحاب هذه الدعوات في راهننا. فدعواتهم هذه لا تختلف كثيرا عن دعوة بن شمعون، فكلا الطرفين صنع له خليطا من اليهودية والإسلام ومن عادات وتقاليد أمازيغية، ولم يأتِ معاصرونا بجديد حتى في انطلاقتهم قلدوا فيها طريف بن شمعون الذي انطلق من الساحل الغربي من قبيلة برغواطة وبعض أصحابنا من التمزيغيين انطلقوا من سوس وقلدوا ولا زالوا يقلدون بن شمعون في كل شيء، في تمسكه بالتراث الأمازيغي من عادات وتقاليد ولباس إلى درجة الهوس والتطرف. وكلا الطرفين يعتبر نموذج زمانه في التطرف الأمازيغي المعادي للدين وللرهوط الأخرى المكونة للمجتمع المغربي.

إن محاولات المارقين عن الدين لإضعاف الدولة المغربية ليست بالجديدة على تاريخ المغرب، ففي لحظة طريف بن شمعون كان محيط المغرب في الغرب الإسلامي يعج بالمذاهب والتيارات الفكرية المختلفة، التي كانت تشكل خطرا على الحكم المركزي في الوسط، أي ما كان يسمى بالمغرب الأقصى الذي كانت شرعية الحكم فيه في يد قبائل زناتة.

وكان هذا الخطر يتمثل أساسا في ثلاث طوائف تشكلت في شبه إمارات أو دويلات صغيرة، ففي الشمال شكل جزء كبير من قبيلة مصمودة دويلة مستقلة وأقصد هنا قبائل غمارة التي انحرفت عن الإسلام وظهر فيها متنبئون تبنوا تعاليم تناقض تعاليم الإسلام.

أما في الساحل الغربي في قبيلة برغواطة فتزعم المروق عن الدين، كما ذكرت، طريف بن شمعون، الذي ادعى النبوة وسمى نفسه بصالح المؤمنين وشرع لأتباعه نبوة جديدة بناها على التعصب للعرق والعادات الأمازيغية وعلى بعض تعاليم الإسلام واليهودية.

بخصوص منطقة الجنوب، فقد كانت فيه أقليات مبعثرة من الشيعة البجليين والوثنيين الذين كانوا يسكنون أعالي الجبال. وقد عرفت هذه الفترة كذلك ضعف الأندلس بعد سقوط العامريين وتشتت الوحدة فتعرّض الشمال، شمال الأندلس، إلى هجمات النصارى وتم تدمير عدد من القرى والمدن والسيطرة عليها من طرف الصليبيين.

وفي نفس الوقت الذي عرف فيه المغرب الأقصى حروبا طاحنة بين قبائل صنهاجة وزناتة وبين أبناء العمومة من أبناء بني حماد وبني زيري ومغراوة وبني يفرن، كان المغرب الكبير كله مشتعلا يتجه نحو فتنة كبيرة وحروب أهلية.

في خضم كل هذا ظهرت دعوة المرابطين في جنوب المغرب الأقصى لإصلاح الوضع ومحاربة المذاهب المخالفة للمذهب المالكي. كانت هذه الدعوة عبارة عن اتحاد بين قبائل صنهاجة الصحراوية وفقهاء المذهب المالكي بزعامة عبد الله بن ياسين الجزولي الذي كان ينسق مع يحيى بن إبراهيم الجدالي الذي كان يمثل الجانب السياسي للدعوة إياها.

هذا نموذج من النماذج التاريخية التي تحرك فيها المحور في المغرب لنجدة المركز الذي تمثله الدولة وإنقاذه من المارقين عن الدين.
ــــــــــــــــ
رابط صفحة الكاتب على فيسبوك:

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.