ياسمين الشاوي
لا يوجد لغة أجمل من لغة، ولا لهجة أجمل من لهجة. كل عرق بشري يحب لغته ولهجته.. ويراها جميلة. اللغات واللهجات تشبه البنات والنساء: الجمال فيهن نسبي، ولا يمكن أن يكون موضع اتفاق وإجماع.
فكما لا يمكن الجزم بأن البيضاء أجمل من السمراء، أو الطويلة أجمل من القصيرة ، أو الرشيقة أجمل من الممتلئة، كذلك لا يمكن الجزم بأن لهجة ما أجمل من أخرى. فالأذواق تتفاوت، ولا يحق لأحد أن يصادر ذوق غيره. وينطبق هذا الأمر على الرجال كما النساء.
وكما لا توجد امرأة تعجب كل الرجال، ولا رجل يعجب كل النساء، كذلك تماما اللغات واللهجات : لا يوجد لغة جميلة ولا لهجة جميلة فمثلا: الألفاظ باللغة العربية يسمعها غير العربي (ثقيلة) على أذنيه، (مزعجة) لها.
وما يقال في اللغات – على اختلاف القوميات والشعوب والأعراق – يقال مثله تماما على اللهجات على مستوى ( اللغة الواحدة ).
فالشخص من الشمال من أو من الداخل أو من الأمازيغ أو الريف، قد يضحك عندما يسمع تعبيرات من لهجات أخرى ، مثل: “نتينا العايل” وغيرها من العبارات التي قد تبدو طريفة أو غريبة له. وهكذا هو الحال في سائر اللغات واللهجات حول العالم.
من السذاجة، بل ربما من العنصرية، أن يظن أحدهم أن لغته أو لهجته أجمل من غيرها.
فالأوصاف مثل: “أجمل”، “أرق”، “أعذب” ليست أوصافًا علمية ، بل تعبيرات عن ذوق شخصي يختلف من فرد لآخر ، تمامًا كما تختلف الأذواق في النظر إلى جمال الأشخاص أو الشعر أو الفن.
*******************
يقول العلم إن الجمال نسبي، لكنني أرفض هذا القول، وأؤمن بأن جميع البشر جميلون، وأن الجمال يتجاوز التقييمات السطحية ليصل إلى رؤية أعمق. كل إنسان يحمل جماله الخاص، في خلقه، في نفسه، وفي اختلافه.
هل الجمال نسبي؟ نظرة علمية في مفهوم الجمال البشري:
لطالما كان الجمال موضوعًا جدليًا وشخصيًا، سواء في الفنون أو في الحكم على الأشخاص. ويطرح السؤال الشهير: هل الجمال نسبي؟ أم أن هناك معايير موضوعية يمكن القياس عليها؟ من منظور علمي متكامل، تشير الأدلة إلى أن الجمال بالفعل مفهوم نسبي بدرجة كبيرة، رغم وجود بعض الميل نحو أنماط معينة.
أولًا: الجمال نسبي ثقافيًا
وفقًا لعلم النفس الاجتماعي، تختلف معايير الجمال من مجتمع لآخر. فما يعتبر جذابًا في ثقافة معينة قد لا يعد كذلك في ثقافة أخرى. ففي بعض الثقافات الأفريقية، تفضل البشرة الداكنة والملامح الممتلئة كرمز للصحة والخصوبة. بينما تفضل في بعض المجتمعات الآسيوية البشرة الفاتحة والنحافة. وفي العصور القديمة، كانت النساء الممتلئات أكثر جاذبية في أوروبا لأنهن رمز للثروة والغذاء الكافي، بينما تفضيلات العصر الحديث تغيّرت.
ثانيًا: الجمال نسبي فرديًا
حتى ضمن نفس المجتمع، تختلف الأذواق الفردية: رجل يحب الشعر الطويل، وآخر يفضله قصيرًا؛ أحدهم ينجذب للعيون الكبيرة، وآخر للملامح الناعمة. وبعض الأشخاص يفضلون البساطة، وآخرون ينبهرون بالتصنع أو المكياج القوي. وواضح أن هذا التنوع في التفضيلات يفسر لماذا لا توجد امرأة أو رجل يُعجب بالجميع، ولماذا تختلف آراء الناس في الجمال اختلافًا كبيرًا.
ثالثًا: هل هناك معايير عالمية للجمال؟
يقدم علم النفس التطوري بعض الأدلة على وجود ميل عام لدى البشر تجاه صفات معينة، لأنها تشير إلى الصحة والخصوبة، مثل: تماثل الوجه [Facial symmetry] ينظر إليه على أنه مؤشر على الاستقرار الجيني؛ صفاء البشرة وخلوها من العيوب، حيث إن نسبا معينة بين الخصر والورك (مثل 0.7 للنساء)، تشير إلى الخصوبة البيولوجية. لكن العلماء يؤكدون أن هذه المعايير لا تفسر الجاذبية بشكل كامل، وأن السياق الثقافي والنفسي يظل له دور حاسم.
رابعًا: رأي علم الجمال [Aesthetics]
في الفلسفة وعلم الجمال، ينظر إلى الجمال على أنه تجربة ذاتية، تتأثر بالذوق والتجربة والخلفية الثقافية والعاطفية للفرد. وهذا يعزز الفكرة بأن الجمال لا يمكن تحديده بمقاييس علمية صارمة، بل هو تجربة شعورية تختلف من شخص لآخر.
الجمال نسبي في جوهره، سواء من منظور ثقافي أو فردي. ورغم وجود بعض التوجهات العامة في تفضيلات البشر، فإن الاختلاف في الأذواق يجعل الجمال تجربة شخصية ومعقدة، لا يمكن اختزالها في معايير ثابتة. ولهذا السبب، فإن القول بأن “فلانة أجمل من فلانة” أو “هذا الشكل هو الأجمل” لا يحمل قيمة علمية، بل يعكس فقط رأيًا شخصيًا لا أكثر.
سيقول قائل: أليس هذا الكلام يتعارض مع قول الله: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”؟
أولاً: الآية الكريمة في سورة التين (آية 4): “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”، وفي بعض الأحاديث ورد أن الله خلق آدم في “أحسن صورة”.
التفسير الإسلامي:
المقصود أن الله خلق الإنسان – ذكرًا وأنثى – في أجمل هيئة بين الكائنات: منتصب القامة، بديع الخِلقة، ناطق عاقل، متوازن الشكل. وهذا لا يعني أن كل إنسان أجمل من غيره على وجه الخصوص، بل أن الإنسان من حيث النوع خلق في هيئة مكرّمة جميلة، مقارنة بسائر المخلوقات.
ثانيًا: هل هذا يتعارض مع القول بأن “الجمال نسبي”؟
لا، لا يوجد تعارض حقيقي، لأن النص الديني يتحدث عن جمال الخِلقة الأصلية للإنسان، وتكريمه وتمام صورته بين المخلوقات. أما القول بأن “الجمال نسبي” فهو يتحدث عن اختلاف أذواق الناس في تفضيل ملامح معينة دون غيرها بين البشر، وليس إنكارًا لأن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم.
مثال توضيحي: الله خلق الناس في أحسن صورة من حيث التكوين العام، لكن هذا لا يمنع أن تختلف أذواق الناس فيمن يرونه “أجمل”، سواء في الوجه، أو القامة، أو الصوت.
خلاصة التوفيق بين العلم والدين:
الإسلام يقرر أن الإنسان مخلوق في صورة حسنة، ومكرّم. والعلم يلاحظ أن تفضيل الصفات الجمالية بين الناس متغير ونسبي. ولا يوجد أي تعارض، بل هما منهجان يصفان جانبين مختلفين: الأول من منظور الخلقة الإلهية، والثاني من منظور الأذواق البشرية.