“رَوْحانِيات”.. بين الوهّابية السّلفية والوهّابية الحَداثية

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس10 مارس 2025آخر تحديث : الإثنين 10 مارس 2025 - 6:16 مساءً
“رَوْحانِيات”.. بين الوهّابية السّلفية والوهّابية الحَداثية

د. سمير عزو
ما إن أعْلن محمّد عبد الوهّاب رفيقي عن برنامجِه “رَوْحانيات”، الذي سيُبثّ في القناة الأولى المغربية، حتى ٱنْهالت موجةٌ من التّنديد و الإمْتعاض، على وسائل التّواصل الإجتماعي، إصْطفّ أصحابُها في خنْدق “الحِفاظ على نظام إمارة المؤمنين و التّصدّي لإثارة الفوْضى الدّينية و ٱستغلال قنوات القُطب الإعلامي للطّعن في الثّوابت”.

كذلك الأمر في قناة (إمْ بي سي) السّعودية، لمَا قرّرت عرْض مسلسل الصّحابي معاوية بن أبي سفيان، الذي وُضِّفت لإنتاجِه ما يزيد عن المائة مليون دولار، الشّيء الذي أثار حفيضة الأزهر بمصر و المعارضين لهذه الشخصية في آنٍ واحد.

فما مرَدُّ هذه المواقف اتّجاه برامج تلفزية ؟ و هل المجتمع المغربي و معه المُسلم يُقدّس فكرة النّمط الواحد ؟ أليس الإختلاف رحْمةً كما يقولون ؟ ألا يوحي هذا التّخوّف من الأفكار، بِهشاشة بَيْضة دِينِ هؤلاء المُتخوِّفين ؟

لَطالما حذّر الكاتب الياباني نوبوأكي نوتوهارا، الذي عاش في بلاد العرب قُرابة أربعين عامًا، من أحداث ما يسمى “الربيع العربي” أو بالأحرى الدّيموقراطي، حلّل فيها الشّخصية العربية من خلال كِتابه “العرب من وُجْهة نظر يابانية”، و تسائل عمّا يسمّيه محمد عابد الجابري “العقل الفقْهي”.

لماذا لا يسْتمِدّ النّاس أفكارَهم من الواقع الذي يعيشونه ؟ لماذا يكتفي المسلمون بٱجْتِرار الماضي ؟ لماذا يعْتقد العقل المسلم أنّ الحقائق كلّها موجودة في القرآن الكريم ؟ و أخيرا لماذا ينْشغل المجتمع العربي بفكرة النّمط الواحد؟

بالنّسبة لنوتوهارا فإنّ المجتمعات المُسلمة، ُتعاني من غياب العدالة الإجتماعية و عدم المساواة أمام القانون، الشّيء الذي يُغيّب الحِسّ بالمسؤولية، و بالتالي يؤدّي إلى توحيد الأشْكال و الآراء، و كنتيجة حتْمية يغيب مفهوم المُواطن الفرد، مُقابل فكرة الجماعة المُتشابهة.

و حيث أنّ الدّين حسب الكاتب، هو “أهمّ مسألة تهتمّ بها هذه المجتمعات، و هو ينهى عن الفساد، إلاّ أنّهم أكثر فسادا”. و لذلك نشْهد في البلدان التي سقطت أنظمتها، كما في ليبيا و سوريا مثلا، توجُّها لحماية القيم الاجتماعية الإسلامية، حيث تقوم حكوماتها بتكثيف الجهود لردّ “التّأثير الأوروبي”، و ذلك بتفْعيل “شرطة الآداب”، التي فرضت لوائح صارمة بشأن زيِّ النّساء في الأماكن العامّة، و إلزام الفتيات بٱرتداء الحِجاب بدءًا من سنّ 9 سنوات، كما لا يُسمح للنّساء بالسّفر بدون مَحْرَم، فضلا عن حظْر “السّلوك غير اللاّئِق” بين النّساء و الرّجال في الأماكن العامّة.

كما طرحت حكومة الإنقاذ التّابعة لهيئة تحرير الشّام بسوريا، قانونًا للآداب العامّة ينصّ في المادة 1 منه على تعريفه، و هو “مجموعة القواعد و الأحكام المتعلّقة بالنّظام الأخلاقي و السّلوكي لأفراد المجتمع”، بموجبه أنشأت شرطة الآداب، التي ستتولى مهمّة تطبيق بنود القانون، منها “فرْض الحجاب على الفتيات فوق 12 عامًا، و منْع الإختلاط بين الجِنسَين في العمل، و منْع تشْغيل الأغاني في الأسواق و المقاهي و صالات الأعراس”.

ومن مهامّ هذه الشّرطة أيضا؛ “الرّقابة على وسائل الإعلام الطّرقية، و وسائل التّسْلية و التْرْويح، و المؤسّسات التّجارية و الصّناعية و الخدمية و الطّرق و المرافق العامّة، و منْع مخالفات الآداب و الذّوق العامّ فيها، كما للشّرطة أيضًا صلاحية القبْض على المخالفين، أو إغْلاق المحالّ المخالِفة”.

لاشكّ أنّ مَخاوِف تيّار الوهّابية التّقليدية؛ مِن زعْزعة العقيدة الصّحيحة للنّاس و إثارة الفتنة، هو أمْرٌ غيرُ مُبرَّر؛ ما دام هؤلاء المعنيّونَ راشِدون، و ما دام خالقُ الكون و ما فيه، نفْسُه تحاوَر مع الشّيطان و أوْرَد رُدودَه في القرآن الكريم، لأنّ الحُجّة تُقْرع بالحُجّة و لا وِصايةَ على النّاس ما داموا أحْرارا.

قد يُثير الفصل 490 (التي تجرّم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج) و 222 (الذي يجرّم الإفطار العلني نهار رمضان) من القانون الجنائي المغربي، نقاشاً بين المواطنين و المواطنات، و قد تختلف المرجعيات في فهم النّصّ الواحد، لكن يبقى الحقّ واحدا و إن كان النّصّ “حمّالاً لٱوْجُه”، لأنّه لا يمكن تحديد ثبوت النّص القطعي من خلال آليات أُنْتِجت في القرن الرّابع.

مِن محمّد بن عبد الوهّاب التّميمي في نَجْد، إلى محمّد عبد الوهّاب رفيقي، يطمح هذا الأخير رُفْقة الوزير وهْبي و ثُلّة من المحْسوبين على تيار الحداثيين، ربّما إلى فَكِّ الأغْلال المضْروبة على العقل المسلم، الذي أقلّ ما يقال عنه أنّه “فقهي” كما وصفه محمّد عابد الجابري، “مُقدِّسٌ للجهل المُركّب” بِنَعْت محمّد أركون.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.