دين بريس ـ سعيد الزياني
رحل أخيرا الشيخ الدكتور لحسن بن أحمد وجاج، أحد الوجوه البارزة في المشهد الديني التقليدي بالمغرب، عن عمر يناهز 95 عاما، بعد مسيرة علمية ودعوية امتدت لأكثر من سبعين عاما.
ويُطوى برحيله فصل من فصول العلم والدعوة في المغرب، بعدما كرّس حياته للتدريس والتأليف والتوجيه الروحي في محيط ظلّ وفيا لقيم التدين السني التقليدي.
ولد الشيخ وجاج سنة 1930 بدوار الزاويت بجماعة أكلو في إقليم تيزنيت، ونشأ في كنف الزاوية العلمية العتيقة سيدي وكاك، حيث تلقى تعليمه الأولي على يد كبار فقهاء سوس.
وتابع دراسته لاحقا في مناطق حاحة وإمنتانوت، قبل أن يلتحق بجامعة ابن يوسف بمراكش مطلع خمسينيات القرن الماضي، حيث تتلمذ على أيدي نخبة من العلماء، من ضمنهم الكيكي وبجيج والدكالي، إلى أن نال الشهادة العالمية سنة 1959، ثم دبلوم الدراسات العليا سنة 1977، فدكتوراه الدولة في العلوم الإسلامية سنة 1986.
عرف عن الشيخ الراحل التزامه بالمنهج السلفي في مقاربته للتدين، ودعوته المتواصلة إلى التوحيد ونبذ البدع، ما جعله صوتا مؤثرا في الوسط الديني، خاصة في مناطق سوس ومراكش والجنوب المغربي.
وجمع بين الخطاب الوعظي التقليدي والنزعة التعليمية الأكاديمية، ودرّس في مختلف مستويات التعليم، بدء من المدارس الابتدائية وصولا إلى التعليم الجامعي، خاصة في كلية اللغة العربية بمراكش، كما عمل أستاذا معارا في جامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية، ثم في المعهد السعودي بموريتانيا.
وخارج القاعات الأكاديمية، ترك وجاج بصمته في الساحة الدعوية عبر دروسه وخطبه المسجلة التي انتشرت على نطاق واسع في المساجد والأسواق المحلية، مستخدما اللغة العربية والدارجة والسوسية، ما عزز تواصله مع مختلف شرائح المجتمع.
ولم يكن منخرطا في العمل السياسي أو المؤسسي، لكنه حافظ على حضور دائم في الندوات والمحاضرات ذات الطابع الديني والتربوي.
ألف الشيخ وجاج عددا من المؤلفات العلمية، أبرزها تحقيقه لكتاب “تقييد وقف القرآن الكريم للهبطي”، و”منبهة الإمام الداني”، وهما عملان أكاديميان اعتمدهما في أطروحاته الجامعية، إلى جانب مقالات ودروس غير منشورة لا تزال حبيسة التسجيلات أو محفوظة في أرشيفات المؤسسات العلمية التي احتضنته.
وقد لقي نبأ وفاته تفاعلا واسعا في أوساط العلماء والدعاة، حيث نعاه إمام مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، الشيخ عمر القزابري، واصفا إياه بالعالم الرباني الذي قضى عمره في خدمة العلم وأهله، مشيدا بتواضعه وحرصه على السنة.
كما رثاه سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية الأسبق، مؤكدا في تدوينة له أن الفقيد كان منافحا عن الأخلاق والفضيلة، وصوتا معتدلا في زمن التوترات.
وتوالت رسائل العزاء من باحثين وطلاب علم ومؤسسات دينية، اعتبرت أن فقدانه يمثل خسارة لقامة علمية حملت على عاتقها مسؤولية التعليم والإصلاح بعيدا عن الأضواء.
وقد عرف الراحل بدعوته الصريحة إلى التوحيد، وتمسكه بالسنة النبوية، وحرصه الشديد على محاربة الخرافات والممارسات التي رآها دخيلة على الدين، مما جعله يُصنَّف ضمن المدرسة السلفية التقليدية ذات الطابع العلمي والتربوي.
وبالرغم من هذا التوجه السلفي في العقيدة والمنهج، لم يكن الشيخ وجاج محسوبا على التيارات السلفية الحركية أو السياسية، بل سلك مسارا خاصا اتسم بالزهد والتواضع، بعيدا عن أضواء الإعلام والتموقعات الدعوية الصدامية.
وقد اختار أن يكون تأثيره من خلال التدريس، وتأليف الكتب، وإلقاء الدروس والمواعظ بلغات متعددة تشمل العربية والدارجة والسوسية، وهو ما قرّبه من شرائح واسعة من المجتمع، لا سيما في منطقة سوس والمناطق الأمازيغية المجاورة.