11 أغسطس 2025 / 19:00

رأي: تحولات روحية بالجملة لدى “جيل زِد”

إيمان شفيق

تشهد الأوساط البحثية والاجتماعية منذ سنوات تزايد الاهتمام بدراسة العلاقة المعقدة بين “جيل زِد”، وهي علاقة باتت تتسم بقدر كبير من التغير وإعادة التشكل.

معلوم أن هذا الجيل المولود تقريبا بين منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة، نشأ في سياق عالمي يتسم بالتواصل الرقمي الكثيف، والانفتاح على تعددية ثقافية غير مسبوقة، والوعي الحاد بالقضايا الاجتماعية والبيئية. ووفقا لأحدث استطلاع صدر عن مركز بيو للأبحاث، فإن نسبة الشباب الغربي، ممن يعرفون أنفسهم بأنهم “بلا انتماء ديني” بلغت مستويات قياسية مقارنة بالأجيال السابقة، وهو ما يعكس تراجعا ملحوظا في الثقة بالمؤسسات الدينية التقليدية، سواء من حيث بنيتها الهرمية أو من حيث خطابها الذي غالبا ما يُنظر إليه باعتباره غير مواكب للتحولات الفكرية والاجتماعية المعاصرة.

على أن هذا التراجع في الانتماء المؤسسي لا يعني بالضرورة انحسار الاهتمام بالروحانية. فبحسب دراسات مجموعة “بارنا”، يظل عدد كبير من أفراد “جيل زِد” منفتحين على التجارب الروحية العميقة، لكنهم يميلون إلى البحث عنها خارج الأطر التقليدية، مفضلين ممارسات ذات طابع شخصي ومرن، تدمج بين البُعد الروحي وقضايا حياتهم اليومية، مثل العدالة الاجتماعية، الصحة النفسية، والمساواة بين الجنسين. هذه المقاربة الجديدة للدين تتجاوز الطقوس الثابتة، لتصبح الروحانية تجربة فردية تفاعلية قابلة للتكيف مع احتياجات الشخص وتطلعاته.

تدعم بيانات إحدى المؤسسة البحثية هذا التوجه، حيث تبيّن أن “جيل زِد” يشارك بنشاط في مساحات بديلة للتجربة الروحية، تشمل مجموعات نقاش عبر الإنترنت، وورش عمل تأملية، وأنشطة ذات طابع إنساني وخيري، مما يخلق بيئة أكثر شمولا وتقبلا للتنوع العقائدي والثقافي. وفي هذا السياق، تبرز ملاحظة تحليلية لمنصة “فوكس” مفادها أن مواقف المؤسسات الدينية من قضايا التنوع الجنسي والمساواة الاجتماعية تمثل عاملا حاسما في جذب أو نفور الشباب، حيث يفضل كثيرون الانتماء إلى أماكن عبادة تُقر بتعدد الهويات وتسمح بمساحات للحوار الحر حول المسائل الجدلية التي تمس حياتهم مباشرة.

في ظل هذا الواقع، تواجه المؤسسات الدينية التقليدية تحديا وجوديا ومعرفيا في آن واحد: كيف تحافظ على حضورها وتأثيرها في مجتمع يتغير بسرعة، وكيف تعيد صياغة خطابها وآلياتها لتكون أكثر استجابة لتطلعات جيل يرفض الجمود، ويبحث عن إيمان نابض بالحياة، متجدد في مضمونه، وشامل في رؤيته؟

لا شك أن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي من هذه المؤسسات عدة قراءات ومراجعات، بما في ذلك إعادة النظر في دورها كمساحة للانفتاح والحوار، لا كمجرد إطار للتلقين والتوجيه.