أحمد المهداوي، كاتب صحفي
في كلمته، خلال الشهر المنصرم بالمركب الإداري والثقافي محمد السادس للأوقاف ـ باب إغلي بمراكش، تحدث أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، عن الخطبة الموحدة في إطار خطة تسديد التبليغ الأخيرة التي وصفها بـ”الفتح الجديد” للعلماء مشدداً على ضرورة التحاق كل من هو “مقتنع بالأمة وبالخير وبالسعي؛ كل من هو محسن ظنه في الله وفي الناس، وكل من يراجع نفسه فلا يبيعها للشيطان”، مُفسحاً المجال أمام كل من له القدرة والعزيمة على الانخراط الجاد والفاعل في تنزيل خطة تسديد التبليغ التي هي في أصلها، وحسب الدليل المرجعي الصادر عن المجلس العلمي الأعلى، “مشروع تسعى من خلاله مؤسسة العلماء، برعاية مولانا أمير المؤمنين حفظه الله، على النهوض بأمانات العلماء في واجب تبليغ الدين من أجل تحقيق مقومات الحياة الطيبة في المعيش اليومي للناس”.
ولئن كانت خطة التبليغ كمشروع له ثقله وراهنيته تسعى إلى تجاوز التبليغ الشكلي نحو تفعيل دور الدين وقيمه وأخلاقه في حياة الناس بغية تحقيق سعادتهم الدنيوية وفلاحهم الأخروي، والإسهام في حفظ ثوابت الأمة وتنمية الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره، فإن هذه الخطة تحتاج لتحقيق هذا الغرض المنشود إلى مجموعة من الشركاء والفاعلين الحيويين ممن يمكنهم توسيع نطاق تطبيقها داخل المجتمع وذلك بقصد تحقيق محاورها الكبرى وتنزيلها.
والحديث عن الشركاء لا ينفصل عن الحديث عن المجتمع المدني، بوصفه يلعب دوراً هاما وحيوياً في التأطير والمساهمة في التنمية، وإشراكه في خطة التبليغ إنما هو بقصد توسيع تأثير هذه الخطة للوصول إلى كل الشرائح والأفراد داخل المجتمع، ولأجل معالجة القضايا المجتمعية الملحة والآنية، وحيث تتقاطع، حسب الدليل نفسه، “خطة التبليغ في عملها، مع كل الجهود المخلصة الهادفة إلى تحسين أحوال الناس وإصلاحها” فإن المجتمع المدني من خلال الجمعيات المهتمة بالتأطير والتعبئة يستطيع لعب دور حيوي في هذه الخطة، وذلك من خلال الجهود التعبوية والأدوار التربوية والتأطيرية التي يلعبها في سبيل إشاعة ثوابت الأمة في المجتمع، وتعزيز التشبث بالهوية الدينية والوطنية والروحية للشباب، وكذا ترسيخ الوسطية والاعتدال بين أفراد المجتمع، كما من شأنه تقريب وجهات النظر بين المؤسسات الرسمية، وخاصة المجالس العلمية، وأفراد المجتمع، وخاصة الشباب.
ومن هنا فإن انفتاح المؤسسات العلمية على جمعيات المجتمع المدني وإشراك هذه الأخيرة، كطرف محوري في إطار تنسيق الجهود وتبادل الخبرات، في إشاعة وترسيخ الهوية الدينية المغربية الأصيلة والمتفردة، بما يتماشى وخطة تسديد التبليغ، من شأنه أن يشكل فارقاً مهما في مسار هذه الجمعيات، التي ولا غرو ستستشعر عظم الأمانة وثقل المسؤولية، ومن ثم فإنها ستتعاطى بشكل إيجابي مع هذا المشروع الهام من أجل تحقيق مقاصده وغاياته.
كما أنها ستضطلع لزاماً، من خلال الدور التوعوي والتأطيري الذي تلعبه، إلى الإسهام في التعريف بثوابت الأمة ومقومات الشخصية الوطنية الأصيلة بتعدد وتنوع روافدها، وترسيخ قيم الانضباط والوعي في صفوف الشباب، وتحفيزهم إلى الانخراط الواعي في قضايا الأمة من خلال تبني خطة تسديد التبليغ، تحت إشراف المؤسسات الرسمية.
وختاماً فإن خطة تسديد التبليغ لا يجب أن يُعتقد أنها محصورة على علماء الأمة وأئمتها وخطبائها وحسب، وإنما هي هم جماعي يلزم على الجماعة الانخراط الجاد والفعلي في تنزيله وإيصاله إلى كل فرد؛ وجمعيات المجتمع المدني إنما هي جزء من هذه الجماعة؛ وعليه فإنها مطالبة ـ لا من باب الترف بل من باب الواجب تجاه الأمة ـ بالتعاون مع العلماء والمؤسسات الرسمية العلمية، التي بدورها مطالبة بالانتفاح على الجمعيات، من أجل تأطير وتأهيل الطاقات الشابة للنهوض بسلوك وانضباط الفرد والجماعة، وتعزيز شعورهم الوطني وتقوية مناعتهم الروحية، وِفق خطاب ديني مستلهم للعمق الروحي الذي يميز التدين المغربي ومدرك للواقع وتحدياته، كما من شأن الشراكة الفاعلة بين الجمعيات والمجالس العلمية تحصين أفراد المجتمع، وخاصة الأجيال الشابة الصاعدة، من التلوث الفكري المؤدي إلى تبني خطاب التكفير والتطرف والتشدد ما من شأنه تدعيم وإرساء الأمن والاستقرار والوحدة في ظل مجتمع متماسك، يتبنى الإسلام الوسطي المعتدل، تحت ظل إمارة المؤمنين.