9 يونيو 2025 / 08:55

دراسة قرآنية معاصرة: التوقيفي والتوفيقي

محمد أومليل

من ضمن المواضيع التي تم الاختلاف حولها من قبل أهل العلم لدى السنة والشيعة على السواء؛ موضوع “التوقيفي والتوفيقي” في حق القرآن من حيث ترتيب الآيات، ضمن كل سورة على حدة، وترتيب السور، وأسماء السور، وتقسيم القرآن إلى أجزاء وأحزاب وأنصاف وأرباع وأثمان، وتقسيم الآيات بالأرقام، والرسم..، إلى غير ذلك مما يندرج ضمن تكوين المصحف.
كل ما تقدم ذكره وقع فيه اختلاف عند السنة والشيعة باستثناء ترتيب الآيات ضمن كل سورة على حدة؛ كان عليه شبه إجماع بين جميع طوائف المسلمين على أنه توقيفي؛ قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذلك ما ورد في مصادر السنة والشيعة باستثناء محمد حسين الطباطبائي، ومن تبعه في ذلك، يرى أن ذلك غير توقيفي؛ موقف شاذ، حسب رأي كمال الحيدري(1).
ورد في كتاب (الإتقان في علوم القرآن) ما يلي:
” الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي، لا شبهة في ذلك، وأما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في (البرهان)، وقال أبو جعفر بن الزبير في (مناسباته) وعبارته كالتالي: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره غير خلاف في هذا بين المسلمين “.
ما ذكره السيوطي، أعلاه، استدل به حرفيا السيد كمال الحيدري(2).
استدل السيوطي على رأيه بعدة النصوص، من ضمنها على سبيل المثال لا الحصر من حديث طويل اقتصرت منه على ما يلي:
” فقال عثمان: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعاه بعض من كان يكتب، فيقول: “ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا” “.
إلى غير ذلك من النصوص، التي تؤكد أن جمع الآيات لكل سورة على حدة أمر توقيفي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أغلبية أهل العلم لدى السنة والشيعة يقولون بذلك. لكن ما دونه فهو محل خلاف في ما يتعلق بترتيب السور وأسماء السور وتقسيم الآيات بالأرقام وتقسيم القرآن إلى أجزاء وأحزاب وأنصاف وأرباع وأثمان والرسم؛ كل ذلك محل خلاف.
مما يدعو إلى الاستغراب؛ جعل الرسم أمرا توقيفيا، لو كان الأمر كذلك لكان الرسم موحدا في جميع القراءات والمصاحف، لكن الأمر ليس كذلك، بل هناك اختلاف في الرسم في الكثير من الكلمات بين جميع القراءات بما في ذلك الشهيرتين؛ قراءة حفص عن عاصم وقراءة ورش عن نافع.
بل في المصحف الواحد، ضمن القراءتين، نجد اختلاف في رسم بعض الكلمات مثل “سنة” و”سنت”، و”امرأة” و”امرأت”، مثالا لا حصرا؛ ومع ذلك لديهم (القائلون بأن الرسم توقيفي) تبريرات وتخريجات كي يثبتون أن القرآن كله توقيفي بغية تأكيد مصداقيته حتى يقصون كل ما من شأنه أن يتسرب منه التشكيك في القرآن!
والصواب؛ القرآن “وحي رباني” تم جمعه وتدوينه من قبل “يد بشرية” لا تخلو من نقص وضعف كون الكمال لله وحده، لكن ذلك النقص والضعف لم يمس جوهر الوحي من حيث أصوله وأركانه وحرامه وحلاله ووصاياه العشر وقيمه الأخلاقية النبيلة وسننه الربانية الناظمة للآفاق والأنفس وتعاليمه الأساسية وقصصه المجملة والمفصلة.
الخطأ في ما يصدر عن البشر وارد، وذلك ما أقره عثمان بن عفان عند مراجعته للمصاحف التي تم نسخها بأمره وتحت إشرافه:
” إن فيها لحنا، لا تغيروها، فإن العرب ستغيرها وستعربها “.
وفي رواية أخرى بصيغة مغايرة مع الحفاظ على نفس المعنى:
” إني أجد فيه لحنا ستقومه العرب “.
نفس الموقف عند أم المؤمنين عائشة.
يحكي هشام بن عروة عن أبيه قال:
” سألت عائشة عن لحن القرآن في قوله تعالى: (إن هذان لساحران) وعن قوله: (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) وعن قوله: (إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئون)، قالت: يا بن أخي هذا عمل الكتاب أخطئوا في الكتاب “.
للتذكير، وردت في (سورة البقرة والحج) “الصابئين” وفي (سورة المائدة) “الصابئون” وفي نفس السياق!
بالإضافة إلى الكثير من الملاحظات من قبل بعض الصحابة مثل ابن عباس:
” (مثل نوره كمشكاة) هي خطأ الكاتب، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة، إنما هي (مثل نور المؤمن كمشكاة ) “.
لدى ابن عباس، وحده، عدة ملاحظات حول ما رصده من أخطاء الكتاب!
حسب رأي أهل العلم قديما وحديثا هناك مجموعة أخطاء من حيث اللغة والإملاء ينبغي تصحيحها، بل البعض يرى حتى التنقيط والتشكيل قابل للمراجعة والاستدراك كون “المصحف الإمام” في أصله تمت صياغته دون تنقيط أو تشكيل، فتم ذلك في العهد الأموي وما تلاه من قراءات اختلفت في التنقيط والتشكيل، مثالا لا حصرا “سورة الزخرف الآية 19” هناك اختلاف بين حفص وورش حول كلمة “عند” بالنسبة ل(ورش)، و”عباد” عند (حفص)!
ومع ذلك كله، القرآن محفوظ بحفظ الله من حيث جوهره وأصوله وأركانه وحرامه وحلاله..، وغير ذلك مما تقدم ذكره..
القرآن في مجمله هو محل إجماع من حيث عدد سوره وأسمائها ومضامينها، في جميع القراءات والمصاحف، من سورة الفاتحة إلى سورة الناس؛ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولله الحمد من قبل ومن بعد..
أول ما اشتغلت عليه (في عملية الاستدراك الذاتي التي بدأتها سنة 2005 ولم انته منها بعد) هو التحقق في مصداقية القرآن بناء على قراءة جل الانتقادات الموجهة ضد القرآن من قبل بعض المستشرقين واللادينين والعلمانيين والحداثيين..؛ فخلصت إلى أن القرآن “وحي رباني” صاغته “يد بشرية” في المصاحف مبادرة لا تخلو من نقص وضعف كون الكمال لله وحده، ومن ثم جعلته مرشدا لي ومقدما على غيره وحكما عليه.
المراجع:
-2،1، كمال الحيدري، هل ترتيب الآيات والسور في القرآن الكريم توقيفي؟ اليوتيوب.