دراسة جديدة ترصد ملامح التحول الديني في بريطانيا
أصدر معهد تأثير الإيمان في الحياة (IIFL) تقريرا جديدا يكشف عن تحولات عميقة في الخريطة الدينية ببريطانيا، مؤكدا أن التراجع المسجل في الانتماء المسيحي وفق إحصاء 2021 لا يعكس اختفاء للدين، بل يعبر عن انتقال نحو أشكال جديدة من الإيمان الروحي والشخصي.
ويستند التقرير إلى دراسة شملت 2774 شخصا صرحوا بتغير في معتقداتهم، ما أتاح بناء صورة دقيقة عن اتجاهات الحركة بين الأديان والروحانيات واللادينية في المجتمع البريطاني.
تشير المعطيات إلى أن الخروج من الدين يبقى الوجهة الأكثر شيوعا، إذ انتقل 39% من المشاركين إلى الإلحاد أو اللاأدرية، غير أن نصف المستجوبين تقريبا تحولوا نحو معتقدات أخرى أو هويات روحية جديدة، ما يؤكد أن الدين لا يختفي بل يعاد تشكيله خارج الأطر الكنسية التقليدية.
وتبرز المسيحية بوصفها الممر الأكثر دينامية، فهي تسجل أكبر عدد من المغادرين بنسبة 55%، لكنها في الوقت نفسه تستقطب 36% من الداخلين أو من الذين عززوا إيمانهم. والأهم أن 42% من المنضمين الجدد يختارون فئة “مسيحي – آخر”، بما يعكس تراجع الانتماء الطائفي مقابل الإيمان القائم على التجربة الشخصية والتواصل الفردي مع الإله.
أما الإسلام فيسجل صافي زيادة محدودة، إذ بلغ عدد المنضمين إليه 2%، ومعظمهم قدم من خلفيات مسيحية.
وتكشف الأجوبة أن الدافع الأكثر حضورا هو البحث عن هدف ومعنى، ثم الإحساس بالمجتمع والعدالة، إضافة إلى تأثير الأحداث العالمية مثل النزاعات والحروب، والتي قال 20% إنها لعبت دورا في تحولهم. كما أن الخروج من الإسلام نادر جدا في العينة، ما يعكس استقرارا نسبيا مقارنة بالديانات الأخرى.
وتشهد التقاليد البوذية، توسعا هادئا يعكس التوجه نحو الممارسات التي تمنح توازنا نفسيًا وتكاملا شخصيا، فقد مثّلت البوذية 73% من التحولات داخل هذه المجموعة، وكانت الدوافع الأساسية هي البحث عن معنى والحاجة إلى التحول والشفاء، وهو ما يظهر في كون 58% من المنضمين سجّلوا تحسنا ملحوظا في صحتهم العاطفية بعد التحول.
في المقابل، يتسع نطاق الهويات الروحانية غير المؤسسية، حيث تبنى 8% من المشاركين توجهات روحية مثل “روحي”، “وثني”، أو “ويكا”، وغالبا ما يأتي هذا الاتجاه من نساء تجاوزن 35 عاما ومن أشخاص غادروا المسيحية بسبب خلافات عقائدية أو قيمية، باحثين عن ممارسات تمنحهم معنى ومرونة دون ارتباط مؤسسي.
أما الإلحاد، فعلى الرغم من كونه الوجهة الأكثر استقطابا، إلا أنه الأقل تأثيرا في تحسين الرفاه النفسي، فقد ذكر 71% من الملحدين الجدد أنهم لم يحققوا أي مكاسب ملموسة بعد التحول، على عكس من انضموا إلى أديان أو تقاليد روحية أخرى، الذين أبلغ معظمهم عن تحسن في الشعور بالهدف والصحة النفسية والعلاقات والانتماء.
ويخلص التقرير إلى أن بريطانيا لا تسير نحو العلمنة الكاملة بقدر ما تعيش إعادة تركيب واسعة للمعتقدات، ينتقل فيها الدين من صيغة الانتماء الجماعي والمؤسسات الطائفية إلى مساحة شخصية تُستعاد فيها الروحانية بوصفها مصدرا للمعنى والنفسية المتوازنة.
وبهذه القراءة، لا ينحسر الدين بل يعيد تشكيل نفسه وفق احتياجات الفرد في زمن تتسارع فيه التحولات الثقافية والاجتماعية.
التعليقات