كشفت دراسة أكاديمية حديثة منشورة في مجلة Nature Communications أن ظاهرة تراجع التدين عبر الأجيال تتخذ مسارا متشابها في مختلف المجتمعات، رغم اختلاف السياقات الدينية والثقافية.
الدراسة، التي أنجزها فريق من جامعتي لوزان وأكسفورد ومركز “بيو” للأبحاث، حللت بيانات من 111 دولة وإقليما، واقترحت نموذجا تفسيريا يقوم على ثلاث مراحل متتابعة للانحدار الديني.
ويقوم هذا النموذج، المسمى بـ “المشاركة – الأهمية – الانتماء (P-I-B)”، على أن الأجيال تتخلى أولا عن الممارسات الدينية العامة التي تتطلب وقتا وجهدا، مثل حضور الطقوس الجماعية، ثم يتراجع إدراك الدين كعنصر جوهري في الحياة الفردية، قبل أن يصل الأمر في مراحل لاحقة إلى فقدان الانتماء الديني كهوية.
وأكدت الدراسة أن هذا التسلسل لا يحدث داخل حياة الفرد الواحد، بل يتبلور عبر أجيال متعاقبة قد تمتد لقرنين من الزمن.
كما أبرزت أن الدول الأوروبية بلغت مراحل متقدمة من هذا التحول، حيث يظهر التراجع أساسا في الهوية الدينية، بينما لا تزال إفريقيا في بدايات المسار، إذ تقتصر الفوارق الجيلية هناك على المشاركة في الطقوس، في حين يحتفظ الدين بأهمية مركزية في حياة الأفراد وبقوة الانتماء.
يشير الباحثون إلى أن هذا المسار يعكس تأثير التحديث وتطور المؤسسات المدنية التي توفر حلولا بديلة عن الأدوار التقليدية للدين، مثل خدمات الطب الحديث وأنظمة الحماية الاجتماعية.
ويسهم ذلك في تقليص الوظائف الاجتماعية والرمزية للدين على المدى الطويل، مع الإقرار بوجود سياقات خاصة، مثل بلدان ما بعد الاتحاد السوفييتي، حيث يرتبط الدين بالهوية القومية أو السياسية، مما يؤدي إلى استثناءات مرحلية من هذا الاتجاه العام.