سعيد الكحل
واضح ، مما سبق ، أن تنظيم الإخوان ، وإن تعددت فروعه في الدول العربية واختلفت مسمياتها ، يشتغل وفق إستراتيجية محكمة وخطط متدرجة للانتقال من مرحلة “الضعف والسلبية” إلى مرحلة “القوة” و”التمكين” . ومن تلك الخطط ، بالإضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه من قبل:
5 ــ التغلغل الاقتصادي الذي يأمر به المرشد العام لتنظيم الإخوان وذلك بـ “العمل على خلق كيانات اقتصادية قوية بالشراكة مع اقتصاديين ورجال أعمال قريبين من دوائر صنع القرار لحماية تلك الكيانات إذا ما هددها أي خطر .ويجب على هذه الكيانات أن توفر الدعم المالي لأنشطة التنظيم”. وتقصد هذه الخطة تشكيل دولة داخل دولة مستقلة بمواردها المالية التي تسمح لها بتمويل كافة أنشطتها (التأطير ، الاستقطاب ، الإعلام ، تأسيس الجمعيات ..).
وتكمن خطورة هذه الخطة في:
أ ــ اختراق فئة رجال الأعمال بهدف استقطاب أعداد منها لدعم وتمويل المشاريع الاقتصادية للإخوان وأتباعهم ، ومن خلالهم التأثير على القرار السياسي للدولة . فضلا عن توفير الدعم المالي للأحزاب الإسلامية والجمعيات المرتبطة بها .كما يمكن أن يشكل هذا الاختراق تهديدا للدولة سواء عبر تهريب العملة الصعبة أو الضغط بالتهديد بوقف الأنشطة الإنتاجية والاقتصادية.
ب ــ الاحتماء بذوي النفوذ الاقتصادي والمالي: إذ يكون الإسلاميون بحاجة إلى أصحاب النفوذ الاقتصادي والمالي لحمايتهم من أي إجراء تتخذه الدولة ضد الإسلاميين بسبب أنشطتهم السياسية والدعوية التي تمس بالأمن العام.
ج ــ خنق الاقتصاد والضغط على النظام في حالة وجود توتر بين الإسلاميين والدولة. أي يتحول الاقتصاد إلى سلاح نافذ تبتز به تنظيمات الإسلام السياسي الدولة ، إما لتحقيق مكاسب سياسية أو لرفع الضغط عن تنظيماتهم وتركها تمارس أنشطها بكل حرية.
6 ــ التغلغل السياسي والإعلامي بـ “استثمار الانتخابات للترويج لحتمية الحل الإسلامي .. وباستخدام المساجد والقنوات التلفزيونية والإذاعية على أوسع نطاق” . خطة انتهجها حزب العدالة والتنمية وأمعن في استغلال المساجد والقنوات الإعلامية (الجزيرة والقنوات التابعة للتنظيم الدولي للإخوان ) قصد التأثير على الناخبين واستمالتهم لفائدة مرشحيه في الانتخابات . وقد جند الحزب مئات الخطباء والأئمة للترويج لخطابه وإيهام المواطنين بشعار “الإسلام هو الحل”.
ذلك أن خطة اختراق الحقل الديني والتغلغل فيه صارت إستراتيجية ثابتة لحزب العدالة والتنمية استعمل فيها كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة ، حتى صارت نسبة مهمة من المساجد بمثابة مقرات ومرافق خارجية للحزب يتحكم في تسييرها واستغلال منابرها . وقد كشفت معركة “مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية” مدى تغلغل البيجيدي وحركته الدعوية في الحقل الديني والتحكم فيه خطابا وتأطيرا ؛ إذ جند الخطباء وهيآت العدول و”رابطة علماء المغرب” برئاسة الراحل إدريس الكتاني وكذا جمعية أساتذة التربية الإسلامية، فضلا عن خريجي المعاهد الدينية ، لمواجهة المشروع والضغط على الحكومة لسحبه.
والأدهى تواطؤ وزير الأوقاف الراحل عبد الكبير العلوي المدغري الذي ترك الحبل على الغارب للبيجيدي ليستغل المساجد ومنابرها في معركته ضد مشروع الخطة إلى أن تمت إقالته . ولازالت بيانات كل هذه الهيآت تشهد على خطورة التغلغل والهيمنة على الحقل الديني قبل الأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي 2003 التي كان لها الفضل في التنبيه إلى ضرورة تأميم المساجد وإعادة هيكلة الحقل الديني الذي استحوذ عليه الإسلاميون وتمكّنوا منه .
عشرات الآلاف من المساجد استغلها إسلاميو المغرب على مدى عقود في تكريس إستراتيجية الأسلمة ونشر إيديولوجيتهم الدينية المناهضة للحداثة والديمقراطية ولحقوق الإنسان وعلى رأسها حقوق المرأة والطفل. فما أن تحل مناسبة عالمية ( رأس السنة الميلادية ، اليوم العالمي للمرأة ..) إلا ويشحذ الخطباء ألسنتهم تنفيرا من هذه المناسبات وتكفيرا للمحتفلين بها.
لقد حوّلوا المساجد إلى منصات لنشر ثقافة الكراهية ضد مكونات المجتمع ، خاصة التيار الحداثي المطالب بالديمقراطية وإشاعة قيم التسامح والمساواة والتعايش ، وكذا المكوّن اليهودي الذي لا تخلو خطب الجمعة على امتداد التراب المغربي من الدعاء عليهم بكل أنواع الأمراض والأوبئة ومن نعتهم بأخس النعوت والأوصاف .
لهذا كانت أحداث 16 ماي الإرهابية صدمة قوية أيقظت الدولة من غفلتها وتغافلها عن التغلغل الإخواني في الحقل الديني ، فشرعت في تأميم المساجد ومنابر الجمعة ،وإعادة هيكلة “رابطة علماء المغرب” التي صارت تحمل اسم “الرابطة المحمدية لعلماء المغرب” بعد تغيير تشكيلتها ونظامها الداخلي تغييرا جذريا قطع مع هيمنة الإخوان.
نفس إعادة الهيكلة شملت المجالس العلمية . طبعا من أوجه استغلال البيجيدي للمساجد في الانتخابات تجنيد عدد من الخطباء لمهاجمة المرشحين المنافسين ما جعل الوزارة الوصية تتخذ في حقهم قرار العزل ، أو مهاجمة حقوق النساء وخروجهن إلى العمل (نموذج الخطيب بنشقرون ).
7 ــ تفريخ المدارس الخاصة ودور القرآن: إذ جاء أمر المرشد”عليكم التوسع في إنشاء المدارس الخاصة وجمعيات تحفيظ القرآن ومد نفوذكم إلى المدارس الدينية “العتيقة” وتوجيه الإخوة للعمل بالتدريس والعمل لاستقدام المدرسين من إخوانكم في مصر والسودان وموريتانيا والعراق للعمل في التعليم “.
هذه إستراتيجية أثبتت خطورتها على المجتمع والدولة معا من مستويات عدة أبرزها:
أ ــ المستوى التربوي: إذ تبين أن المناهج الدراسية والبرامج المقررة لم تكن تخضع لمراقبة وزارة التعليم ، وبالتالي كانت مضامين تلك البرامج تعمل على خلق أجيال تحمل ثقافة وقيما في تنافر مع ثقافة وقيم المجتمع المغربي . ثقافة تكفّر الديمقراطية وتحرض على الكراهية ضد فئات واسعة من المجتمع بسبب أفكارها وقناعاتها السياسية ( العلمانيين ، اليساريين ، الاشتراكيين ، الحداثيين ..).
ب ــ المستوى الاجتماعي: بحيث تسببت هذه المدارس في تمزيق النسيج المجتمعي ونشر ثقافة الكراهية بين مكوناته عبر تحريم عدد من الأعراف والعادات الاجتماعية وكذا التعبيرات الفنية الشعبية ؛ الأمر الذي يشكل تهديدا مباشرا للهوية الثقافية للشعب المغربي.
ج ــ مستوى الأمن الروحي والفكري: إذ يلتحق بهذه المدارس ودور القرآن عشرات الآلاف من الأطفال والنساء فيتم تلقينهم مضامين إيديولوجية تعزلهم عن المجتمع وتدخلهم في صراع وعداء معه ، بحيث يصير ما ليس “إسلاميا” مرفوضا .الأمر الذي يستغله البيجيدي في توسيع قاعدته الانتخابية والتنظيمية.
أيا كانت الاختلافات بين تنظيمات الإسلام السياسي ، فهي جميعها تسعى إلى “أسلمة” المجتمع والدولة وتوفير الشروط الفكرية والتنظيمية لمواجهة المشروع الحداثي والديمقراطي الذي يحمله النظام والتيار الحداثي بكل مكوناته . فتيار الإسلام السياسي يعمل على إقامة الدولة الدينية ، أي دولة “الخلافة” على أنقاض الدولة الدنية.
ولعل التجربة المصرية أثبتت أن أخطر تنظيمات الإسلام السياسي هي تلك التي تعتمد خطط التغلغل في الدولة والمجتمع فتنخرهما كما ينخر السرطان الجسد. انتهى.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14372