26 يونيو 2025 / 10:21

حين يصبح البحر حجابا، من يملك جسد المرأة؟

كريمة العزيز

في كل صيف، يتحول البحر من فضاء للحرية والانعتاق إلى مسرح لانعكاس صراع أعمق بكثير مما يبدو على السطح، ما عاد الجسد حرا في مياهه، وما عاد الضوء يلامس البشرة دون وصاية، شواطئنا التي كانت يوما مرآة لحيوية الإنسان وانفتاحه، تحولت تدريجيا إلى ساحة لهيمنة فكر دخيل تقنع بوجه الدين، وهو في جوهره منظومة سلطوية تهدف إلى السيطرة على العقول قبل الأجساد.

لن أتطرق هنا بالتفصيل إلى الأسباب السياسية والفكرية التي مهدت لهذا التحول، رغم أنها متعددة ومعقدة، وتعود إلى تراكم تأثيرات تيارات أيديولوجية وجدت تربة خصبة بعد تحولات كبرى عرفها العالم العربي، ويكفي أن أشير لمن أراد التوسع إلى كتاب “في نقد العقل السلفي، السلفية الوهابية في المغرب نموذجا”، وهو بحث معمق أنجزه الباحث المغربي المتخصص في الفكر الإسلامي منتصر حمادة، حيث يقدم تفكيكا دقيقا لمسارات هذا التيار وسياقاته في المغرب.
ما يهمني هنا فهو ما آلت إليه يومياتنا الجماعية، نساء يرتدين ملابس البحر أصبحن قلة محاصرات بنظرات الاتهام، وكأنهن يخالفن قانونا غير مكتوب، بينما السباحة بالملابس الثقيلة، بل حتى بالبرقع، أصبحت مشهدا مألوفا يفرض نفسه باسم التدين أو العفة أو الاحتشام، المقلق في الأمر ليس فقط سلوك المجتمع، بل صمت النساء اللواتي يخترن شكلا آخر من الحياة، هل هو خوف من الإقصاء؟ من النظرة الاجتماعية؟ أم فقدان للأمل في إمكانية استعادة حق طبيعي؟ أم أنهن اخترن التطبيع مع ظاهرة فرضت نفسها في ظل صمتهن؟ لماذا لم نسمع من يدافع عن فضاء خاص يضمن حرية هذا الشكل من الاستجمام؟ ألهذه الدرجة صارت الحرية تشعر أصحابها بالذنب؟
الأدهى أن النساء أنفسهن أصبحن يحملن خطابا ضد ذواتهن، يبررن انسحاب الجسد من الفضاء العام بالخوف من نظرات الرجال، وكأن المطلوب منهن الانسحاب لا أن يتغير المجتمع، إنها ذهنية ذكورية تغلغلت حتى في وعي الأنثى، فباتت تسجن جسدها باسم الفضيلة، بينما تتحرر الذكورة دون سؤال.
لم تعد القضية قضية لباس بل قضية حق في الوجود، في أن تكون المرأة شمسا لا ظلا، صوتا لا صدى، ليس الدين من يفرض هذا القمع بل الفكر الذي اختطفه وحوله إلى آلية تحكم وإخضاع، فمن يملك جسد المرأة إذن؟ أهي من تملكه؟ أم هو المجتمع؟ أم هو التطبيع مع ثقافات أخرى بعيدة؟ من يمنعها من شمسها وبحرها؟ لماذا تختزل الحرية دائما في لباسها، في جسدها، لا في فكرها، ولا في مساهمتها في بناء مجتمعها؟

البحر لنا جميعا، الشمس لنا جميعا، فلنعِد للحرية معناها قبل أن تصبح الاستكانة طقسا يوميا، والصمت دينا جديدا.