حوارات مع د عبد الهادي الحلحولي.. زمن الكورونا

كورونا ومسرحية الألم والعلاج (1)

دينبريس
حوارات
دينبريس21 سبتمبر 2021آخر تحديث : الثلاثاء 21 سبتمبر 2021 - 8:13 مساءً
حوارات مع د عبد الهادي الحلحولي.. زمن الكورونا

نقلها أسامة البحري
قبل عرض المداخلة التي تقدم بها د عبد الهادي الحلحولي 1 حول موضوع كورونا و مسرحية الالم و العلاج، ارتأيت في البداية ان اقدم اجابة جد مهمة تقدم بها الدكتور في نهاية اللقاء ، وستكون هذه الاجابة، بمثابة توطئة نظرية ابستيمية سنفتح من خلالها أفق النقاش الاثنو-طبي الذي سيتقدم به الدكتور عبد الهادي الحلحولي للتحليل والمناقشة في مداخلته، و قد كان السؤال المطروح على الشكل الآتي:

لماذا هناك دائما صراع بين الطب العصري والطب الشعبي ، في حين أن المرضى لا يرون ذلك ؟

جواب د عبد الهادي الحلحولي: الصراع لا يظهر للعيان بين مكونين للعلاج ، بل هو صراع ابستيمولوجي ، من حيث النظرة الى الجسد و النظرة الى أسبابه و مظاهره و مسبباته، بل و هو كذلك صراع على مستوى ما يسمى باستراتيجيات العلاج، لذلك فهو صراع خفي (ابستيميا). لفهم هذه المسألة يكفي الرجوع الى كل ما انتجته التصورات الاثنو طبية في هذا الصدد.

مداخلة د عبد الهادي الحلحولي:
تتأسس هذه المداخلة التي أقترحها عليكم الآن ، على فكرة أساسية ، سوف اقوم باستعارة ما سماه ارفين غوفمان ، مسرحية الحياة اليومية للافراد و ذلك لقرب و وجاهة هذا المفهوم في قراءة و بناء اثنوغرافيا طبية بالعالم العربي و بالمغرب خاصة، زمن كورونا .

لقد خلقت لنا جائحة كورونا في ارتباط مع هذا المفهوم واقعا اجتماعيا ، اي لعبة مسرحية ، لها أدوارها الاجتماعية و فاعلوها و انتظارات الاخرين من هاته الادوار ، لقد انخرط الكل في اللعبة المسرحية و انتهو جميعهم بتملك المشهد المسرحي كمقابل للفظة المشهد المسرحي La scéne و لم يكن من الممكن ان ينفلت اللاعبون من مستلزمات الوضعيات الحقيقية التي يصطدمون بها كل يوم و كل لحظة في حياتهم اليومية ، زمن كورونا و لبسط محاور هاته المداخلة سوف أعرج على بعض الملاحظات الاثنوغرافية التي قمت بتجميعها ما بين الفترة الممتدة ، لحظة اكتشاف اول حالة وباء كورونا ،إلى غاية انتهاء المرحلة الاولى من الحجر الصحي ، و هذه الملاحظات هي على الشكل التالي ، اولا ما سجلناه في هذه المرحلة ، هو ولادة طقوس خاصة للكشف عن المصابين المحتملين بالفيروس ، و طقوس خاصة كذلك لنقل المصابين سواء من المختبرات الطبية أو من منازلهم الى المصالح الطبية التي حدد لهذا الغرض ، ماذا نسجل على المستوى الاثنوغرافي؟

نسجل.. حذر زائد للمهنيين ، توجس ، تجمهر الناس حول منزل المصاب ، أسئلة حول مصيرهم الى غير ذلك ، كما نسجل ايضا على المستوى الاثنوغرافي داخل كل مصلحة طبية أعدت لهذا الغرض ، عدم الاقتراب من المصاب من قبل الاطباء ، و من قبل الممرضين او التحدث معه ، بل ان التحدث معه كان خلف الستار و أحيانا الغذاء كان يوضع امام غرفة الاستشفاء ، كما يتم استقبال المرضى و التعامل معهم عن طريق منصة او قاعة جهزت بالكاميرات و مراقبة المرضى عن بعد و بلباس احيانا للعزل و الوقاية او لباس جراحي .

الملاحظة الاثنوغرافية الثانية: و هي تهم ما يسمى بضبابية العلاج و عودة الطب التقليدي في المجتمعات العربية ، المجتمع المغربي تحديدا ، نسجل هذه العودة من خلال إنتشار وصفات على اليوتيب و على الويب بشكل عام من خلال تقديم نصائح لاستعمال و لضرورة استعمال مجموعة من الاعشاب الطبية من قبيل القرنفل ، الشيح ، العسل المغربي ..
الملاحظة الاثنوغرافية الثالثة ، تهم تدبير لحظة الوفاة بكورونا ، و هنا أسجل و نسجل جميعا داخل المجتمعات العربية ، ولادة ادوار جديدة و لعبة جديدة و طقوس جنائزية خاصة بالمستشفى ، سوف اعود لها بالتفصيل لاحقا.

الملاحظة الاثنوغرافية الرابعة: تهم لحظة اعلان الشفاء من كورونا و هي لعبة جديدة لها مراسم احتفالها الخاصة، بحيث نسجل مرور المتماثل الى الشفاء ، بين صفوف العاميلن في المستشفى حاملين الورود و تحت تصفيقات العاملين ، بل يتم حمل ارتساماته أمام باب المستشفى ، كما كان يستقبل الذي تعافى من كورونا بالدف و الزغاريد بمحل سكناه و يتم تقديم التهاني من طرف الأهل ، اذن لمقاربة هذه النماذج الاربع من الملاحظة الاثنوغرافية الطبية سوف أقدم و أقترح الاشتغال و تحليل هاته النماذج الأربع ، من خلال براديغمات نظرية ثلاث .

اولا نحن الآن في زمن كورونا في ضرورة العودة الى ما انتجته الانثربولوجيا الطبية خاصة مع مارك اوجيه و ثانيا في ضرورة تأسيس انثربولوجيا طبية ، و قد اعادت كورونا براديغم الاثنو ميدسين او الاثنو طبي ، و اخيرا البراديغم الثالث هو الخاص بالانثربولوجيا المطبقة في المجال الطبي الاستشفائي ، سوف اقدم مدى وجاهة كل براديغم على حدة ، في ارتباط مع الملاحظات الاثنوغرافية سالفة الذكر .

فيما يخص البراديغم الاول: تكمن اهمية اطروحة مارك اوجيه ، في ان الالم و المرض يشتغلان كدال إجتماعي يقتضي تأويلا جماعيا لا فرديا و لا تقنيا ، كما يشتغل داخل نسبية ثقافية بمعنى الألم و المرض، فالعلاقة مع الألم المترتب عن الكورونا يجب أن يفسر بناء على النسبية الثقافية و ليس على الكلية الثقافية ، أما التصور النظري الثاني فيشمل كل المونوغرافيات التي اهتمت بالممارسات الطبية سواء في المجتمعات الصناعية أو غيرها ، أذكر على سبيل المثال بعض المونوغرافيات ، كالخاصة بفوريستكريسون ثم لاكركنيش من خلال عمله الجاد الطب، السحر الدين ، الذي خلص هذا الأخير ، و انا اعتبر هذه الخلاصة ذات وجاهة في قراءة كل هذه الملاحظات الاثنوغرافية ، و المتمثلة في أن الطقوس العلاجية التي أحدثها كورونا ظلت و هي دائما تحضر بصورة دراماتيكية بالمعنى المسرحي للكلمة، و ترتب وفق مختلف التمظهرات الثقافية و الدينية المحلية ، دون ذلك لا يمكن فهمها ، أما المقاربة بالاثنوميدسين فهي تمكننا بالإلمام من جديد داخل المجتمعات العربية ” المغرب نموذجا” بحدة النقاش منذ ظهور الوباء عن الممارسات العلاجية الخاصة بالطب التقليدي ، و يمكن هنا الاشتغال على الفيديوهات التي تقدم وصفات الطب التقليدي لكورونا .

إن عودة هذا النقاش و السجال بين الطب الاكلينيكي الحديث و فعالية الطب التقليدي ،ينم عن قطبية معيارية داخل المجتمع المغربي تولدت نتاج إنتشار وباء كورونا و هي قطبية انتجت لفهم الوباء و كيفية اشتغاله و وصفه و تفسيره و كذا كيفية الوقاية منه ،بل لقد وصل الحد الى صراع بين المعايير الممكنة من النجاة من الاصابة من الفيروس ، و كذا الشفاء منه و الحيلولة دون الوفاة و هو صراع تقليدي تبرزه الاثنوطبية بين ما يعرف بين الطبيعانية الطبية و العلاج التقليدي ، و نحن اليوم في امس الحاجة الى اعادة التفكير في كل ما انتجته كورونا من صراع حول الخطاب المتمثل في كيفية الشفاء و الحيلولة دون الوفاة عبر هذه القطبية الاثنوطبية، في تفس السياق تبرز لنا الاثنوغرافيا الطبية بالمجتمع المغربي عن عودة نسق من المعتقدات الطبية الخاصة بالنظر الى المرض و الوباء كمرض فوق طبيعي مقابل أمراض طبيعية ، فالاول لا يمكن فهمه و خطورته تتجاوز الطب الحديث و أن العلاج لن يكون مصدره الا من السماء ، اما البراديغم الاخير لقراءة الملاحظة الرابعة فهو يشمل الانثربولوجيا الطبية المطبقة في المجال الاستشفائي في زمن كوفيد، فمن خلال تتبع كل الفيديوهات و الخطاب الذي انتج على علاقة الفاعلين الطبيين و الممرضين في علاقتهم بكورونا ، نسجل مجموعة من المداخل الكبرى لبناء اثنوغرافيا طبية محلية خاصة سياق كوفيد بالمجتمع المغربي ، و هو اننا سجلنا وجود احترازات ، اجنحة طبية خاصة بالمصابين ، لا يسمح بالاقتراب منهم ، بل حتى انه خصص ممر لسيارة الاسعاف .
ثانيا: نسجل في حالة وفاة أحد المصابين بكوفيد 19 اننا امام طقوس خاصة لتدبير جثة الفقيدة ، و اخرى خاصة بإجراءات الدفن ، التي امتدت الى منع اسرة الفقيد من الاقتراب اليه و تقبيله و توديعه كما انه حذفت طقوس غسل الفقيد .
كل هذه الملاحظات تبين اننا امام وعي بالموت ووعي بالالم امام تدبير جديد للوفاة ، إن هذا التغير الذي لحق طقوس الموت داخل المؤسسة الطبية ، قد اثر الى حد ما على أهم مكون داخلها ألا و هو ما يعرف بتدبير تجارب الحياة داخل المستشفيات ، كما اثر و يؤثر الى حدود اليوم على نفوس العاملين من اطباء و ممرضين ، في هذا الصدد نرى انه تكمن اهمية الانثربولوجيا الطبية ، في احياء التساؤل حول هذا المكون الثقافي الخاص بتدبير الوفاة و الطقوس المرافق لها ، اصبح الفاعل الطبي في ظل كورونا يغمره التوجس و الخوف من الاصابة ، فقد اقصى التدبير الجديد للجثة كل حضور رمزي للاسرة في تقديم تحية الوداع .
لقد تغيرت اذن طقوس توديع الشخص المقبل على الوفاة ، قبل كورونا كان الفاعل الطبي يقدم له الماء و يتحدث معخ ، في ظل كورونا لم يبقى كل شيء من هذه الطقوس ذات البعد الرمزي في علاقتها بالجسد و الذات و الانسان ،اذن نحن امام ممارسة اجتماعية لم تعد قائمة بالمؤسسة الطبية بالمجتمع المغربي و عوضت طقوس اخرى سميت بطقوس كورونا

صفوة القول: عبر ممارسة اثنوغرافية طبية بالمجتمع المغربي ، نستطيع مجددا مساءلة العلاقة بين المقدس و المرض و العلاج، و لقد اعادت كورونا النقاش من جديد بين التفسير العلمي والتقليدي للمرض ، واخيرا لقد اعادت كورونا أهمية النظرية الفيبيرية حول النظرة الى الكون ” انسان – علاقة -طبيعة -ثقافة..

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.