أجرى الحوار: عمر العمري
في هذا اللقاء، يستضيف موقع “دين بريس” الدكتور الحسين زايد، رئيس الهيئة المغربية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، والأستاذ السابق بالتعليم العالي بكلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط، بمناسبة انعقادالندوة الوطنية الرابعة يومي السبت والأحد بمدينة الرباط (22 و23 فبراير 2025). ويتناول الحوار دور الهيئة في دراسة أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وتعزيز البحث العلمي عبر الربط بين العلوم البحتة والتطبيقية والدراسات القرآنية والحديثية. تأسست الهيئة عام 2003 بمبادرة من مجموعة من الباحثين والمهتمين بالمجال العلمي، وتسعى إلى إرساء منهجية علمية لفهم الإعجاز العلمي، مستندة إلى الأبحاث الميدانية، بما يخدم المعرفة ويعزز الفهم الصحيح للنصوص الشرعية. وفي هذا اللقاء، يتحدث الدكتور “زايد” أيضا عن أبرز إنجازات الهيئة، والتحديات التي تواجه البحث في هذا المجال، إضافة إلى آفاق تطوير الدراسات العلمية المرتبطة بالإعجاز القرآني.
وفيما يلي نص الحوار:
بداية، هل ما زالت هناك أهمية في وقتنا الراهن للبحث في الإعجاز العلمي في ظل التطور العلمي والتكنولوجي السريع؟
سؤال مهم جدًّا! نعم، البحث في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة لا يزال ذا أهمية كبيرة في وقتنا الراهن، بل يمكن القول إنه يكتسب أهمية متزايدة في ظل التطور العلمي والتكنولوجي السريع. ومن بين الأسباب التي تجعل هذا المجال لا يزال حيويًّا ومهمًّا، كونه يعزز الإيمان واليقين في عصر يتسم بالشكوك والتحديات الفكرية، وهذا يعطي المسلم ثقة أكبر في أن القرآن هو كلام الله وقوله، وأنه لا يتعارض لا مع العقل ولا مع العلم.
كما أن هذا المجال يشجع على البحث العلمي، ويساهم في الحوار بين الحضارات في ظل العولمة وانتشار الأفكار المختلفة. فعندما يرى غير المسلمين أن القرآن قد سبق العلم الحديث في ذكر حقائق علمية، قد يدفعهم ذلك إلى التفكير بشكل أعمق في الإسلام.
ولا يفوتني أن أشير بأن الإعجاز القرآني وبالخصوص الإحكام العددي، فد يشكل مصدر إلهام للعلماء المسلمين لاستكشاف مجالات علمية جديدة. فعلى سبيل المثال، في ميدان العلوم، قد تكون بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن نشأة الكون أو مراحل خلق الجنين دافعًا لدراسات علمية متقدمة. أما بالنسبة للرقم والعدد، فالباب مفتوح على مصراعيه لأن الحقل خصب ولم يُكتشف من أسرار العدد إلا القليل…
نحن نعيش في عصر يحتاج فيه المسلمون إلى أدلة علمية تعزز إيمانهم وتثبت صدق رسالة الإسلام في ظل التطور التكنولوجي السريع، لأن البعض منا قد يشعر بوجود فجوة بين العلم والدين. فيأتي الإعجاز العلمي والإحكام العددي ليساعدا على سد هذه الفجوة، ويظهرا أن الإسلام يدعم العلم ويشجع عليه. لذلك، فإن البحث في الإعجاز العلمي ليس فقط مهمًّا، بل هو ضرورة في ظل التحديات المعاصرة.
وهل يمكن أن يكون وسيلة لتعزيز الإيمان لدى الشباب والمثقفين في إطار موجات الإلحاد المتصاعدة؟
بالفعل، الإعجاز العلمي يمكن أن يكون أداة قوية لتعزيز الإيمان لدى الشباب والمثقفين، خاصة في ظل موجة الإلحاد المتصاعدة وعصر الانفتاح المعلوماتي والتحديات الفكرية التي يواجهها الشباب اليوم عبر منصات التواصل الإجتماعي، إذ يتعرضون لكمّ هائل من الأفكار والشكوك تكاد تفصلهم عن هويتهم الإسلامية..
وبما أن الشباب اليوم يعشقون التكنولوجيا والعلوم الحديثة التي هي لغة هذا العصر، فالاهتمام بالأبحاث في الإعجاز العلمي يمكن أن يشكل وسيلة لجذب انتباههم من خلال ربط هذه التطورات بالقرآن والسنة. لذا ندعو الباحثين الشباب إلى الغوص في هذا المجال بجدية، والاستفادة من الأدوات العلمية الحديثة لاكتشاف المزيد من أوجه الإعجاز في القرآن الكريم، مما يسهم في إثراء المعرفة الإنسانية وتعزيز الإيمان. ففي عصر يتسم بانتشار الإلحاد والفلسفات المادية، يقدم الإعجاز العلمي أدلة عقلية وعلمية تدعم وجود الخالق وحقيقة الوحي.
ويحضرني هنا الكتاب الأخير “خلق الكون: قصة جديدة للكون” “La Création du Cosmos” الذي صدر من علماء فرنسيين Jean-Pierre Luminet et Pierre-André Dey والذي يستعرض آخر الاكتشافات في علم الكونيات، ونشوء الكون، وفكرة أن الكون كان له بداية. يناقش المؤلفون الأسئلة الفلسفية والعلمية، ويتناولون نظرية الانفجار العظيم، والكونيات الكمومية، وأصل الكون. كما يناقشون كيف أن بعض النتائج العلمية قد تُفسر على أنها تدعم فكرة “خلق” الكون، لكن دون التطرق إلى الأسئلة اللاهوتية المتعلقة بوجود خالق.
والجذير بالذكر هو أن إحدى النقاط الرئيسية في “خلق الكون” تكمن في كون بعض الثوابت الأساسية في الفيزياء (مثل الثابت الجذبوي، وثابت بلانك، وكتلة الجسيمات، إلخ) la (constante gravitationnelle, la constante de Planck, la masse des particules, etc.) تبدو موضوعة بشكل دقيق للسماح بوجود كون كما نعرفه.
في الواقع، يتناول الكتاب مفهوم “التعديل الدقيق”، الذي يشير إلى أن هذه الثوابت الفيزيائية إذا كانت مختلفة قليلاً، حتى في الأرقام بعد الفاصلة العشرية، لما كان بإمكان الكون كما نلاحظه (مع المادة، والنجوم، والحياة) أن يتكون.
إنهم لا يذهبون إلى حد القول بشكل صريح إن هذا يثبت “الخلق” بمعناه اللاهوتي، بل يرون أن هناك نوعًا من التناغم أو التعديل في القوانين الفيزيائية يستحق الاستكشاف. وهذا يساعد في مواجهة الأفكار التي تنكر الغيبيات أو ترفض الدين بشكل عام.
من الملاحظ أيضا أن كثيرا من الموجات الإلحادية تعتمد على فكرة أن العلم يتعارض مع الدين. والإعجاز العلمي يظهر أن العكس هو الصحيح: فالعلم يدعم الدين، والقرآن قد سبق العلم الحديث في ذكر حقائق علمية. فكون الإعجاز العلمي يقدم أدلة ملموسة على أن القرآن والسنة يتوافقان مع الحقائق العلمية، هذا يعزز الثقة في أن الإسلام ليس مجرد مجموعة من الطقوس، بل هو دين يقوم على الأدلة والبراهين. والأبحاث الجادة في ميدان الإعجاز العلمي توفر إجابات علمية على أسئلة مثل: “كيف نشأ الكون؟”، “كيف ستكون نهايته؟”، “ما هو أصل الحياة؟”، وغيرها مما يساعد في تبديد الشكوك وتعزيز الإيمان.
والآن هل ترون أن الإعجاز العلمي قادر على تقديم إجابات علمية مقنعة للإشكالات الفكرية المعاصرة، أم أنه يبقى ضمن إطار التدبر والتأمل؟
هذا سؤال عميق ومهم! والإجابة عليه تتطلب توازنًا بين فهم طبيعة الإعجاز العلمي وحدوده، وبين قدرته على تقديم إجابات مقنعة للإشكالات الفكرية المعاصرة. ولتوضيح ذلك، نقول بأن الإعجاز العلمي يمكن أن يكون مقنعًا: في كثير من الحالات، قد يقدم إجابات قوية على أسئلة مثل نشأة الكون، وأصل الحياة، أو حتى بعض الظواهر الطبيعية. هذه الإجابات يمكنها أن ترقى إلى درجة الإقناع، خاصة عندما تُظهر أن القرآن قد سبق العلم الحديث في ذكر حقائق لم تكن معروفة قبل قرون.
وأحسن مثال على ما أظن، هو الوصول إلى فهم بداية الكون، وأصله، وتوسّعه ثم نهايته، والجميل في الأمر هو أن كل هذه المعلومات وغيرها مخزنة بين دفتي كتاب الله منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، في الآيات التالية، تنتظر فقط من يتدبرها:
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ (الأنبياء : 30)
﴿ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ (فصلت : 11)
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ (الذاريات : 47)
﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ (الأنبياء : 104)
والمفردات التي استعملها القرآن مصطلحات في غاية الدقة: فالفتق ليس هو الانفجار، والطي ليس هو الانكماش، والدخان ليس هو الضباب أو الغبار والبناء ليس هو الفضاء وهكذا.
لهذا فإني أرى أنه في عصر يتسم بالشكوك والتساؤلات، يمكن أن يكون الإعجاز العلمي جسرًا بين الإيمان والعقل، خاصة للشباب والمثقفين الذين يبحثون عن أدلة منطقية. ومع ذلك، يجب أن يكون هذا الجسر مبنيًّا على فهم صحيح للقرآن وللعلم، دون إفراط أو تفريط.
ما الذي يميز الندوة الوطنية الرابعة للإعجاز العلمي مقارنة بالندوات السابقة؟
خلافا لما تعوّدنا عليه خلال النّدوات الوطنية السّابقة، حيث كانت الشّعارات التي اختيرت شعارات عامّة تهمُّ مختلف مجالات الإعجاز العلمي، إذ كان شعار الندوة الأولى ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ (ص: 88)، وشعار الثانية ﴿لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ (الأنعام:67) وشعار الثالثة ﴿وَفِي ٱلۡأَرۡضِ ءَايَٰتٞ لِّلۡمُوقِنِينَ وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ﴾(الذّاريات: 20-21)، تناولت هذه الندوة موضوعًا محوريًا يتمثل في أهمّية تعاقب الليل والنهار.
وهذا التعاقب يُعتبر ظاهرة طبيعية ناتجة عن دوران الأرض حول محورها، مما يؤدّي إلى تناوب فترات الإضاءة والظلام على سطح الكوكب، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الحياة بجميع أشكالها. وقد اتّخذت النّدوةُ الآية الكريمة التالية: ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ (يونس: 6) شعارًا لها، لتعكس مدى عمق هذه الظاهرة وأهمّيتها في فهمنا للكون والحياة.
ولأن تعاقب الليل والنهار ليس مُجرّد حدث فلكيّ عادي وعابر، بل له تأثيرات عميقة على الكائنات الحيّة والبيئة، فقد تمّت مقاربة الموضوع من زوايا متعدّدة شملت سبعة محاور رئيسية: علم الأحياء، وعلم النبات، وعلم الأدوية، وعلم البيئة، وعلم الأرض، وعلم الفلك، والطب وعلم النفس. وفي كل محور من هذه المحاور، ركّز الباحثون على إبراز مدى أهمّية اختلاف الليل والنهار وتأثيره على الحياة بجميع أشكالها، مما يجعل هذه الظاهرة واحدة من أعظم الآيات الكونية التي تدعو إلى التدبّر في كتاب الله وإلى التأمّل والتّفكر في خلق الله.
كيف يتعامل الباحثون في مجال الإعجاز العلمي مع الانتقادات التي ترى أن بعض التفسيرات العلمية للآيات قد تتغير مع تطور الاكتشافات العلمية؟
هذا سؤال في غاية الأهمية! والتعامل مع الانتقادات التي تُوجَّه إلى تفسيرات الإعجاز العلمي، خاصة في ظل تطور الاكتشافات العلمية، يتطلب من الباحثين منهجية دقيقة وتواضعًا علميًّا. إليك كيف يمكن للباحثين التعامل مع هذه الانتقادات بشكل فعّال:
• من المعلوم أن العلم في تطور دائم، والنظريات العلمية قد تتغير أو تتبدل. لذلك، يجب على الباحثين أن يكونوا متواضعين في تفسيراتهم، ويعترفوا بأن بعض التفسيرات قد تحتاج إلى مراجعة مع تقدم العلم. فبعض الانتقادات تأتي بسبب المبالغة في ربط الآيات بنظريات علمية لم ترق بعدُ إلى درجة الحقيقة الثابتة، قد لا تكون متوافقة تمامًا مع النص القرآني.
• لذا يحسن بالباحثين أن يتجنبوا التفسيرات القسرية، وأن يحرصوا على أن تكون التفسيرات العلمية منسجمة مع النص القرآني وليس العكس، لأن القرآن هو المطلق، والعلم يبقى نسبيا ومحدودا. لذلك، يجب أن يكون هناك توازن بين ما يمكن تفسيره علميًّا وما يبقى غيبيًّا.
• فالعلم له حدود، ولا يمكنه تفسير كل شيء. والباحث الجيد لا يحاول إخضاع القرآن للعلم، بل يستخدم العلم كأداة لفهم بعض جوانب القرآن ويكون على استعداد دائم لمراجعة تفسيراته في ضوء الاكتشافات العلمية الجديدة.
• فبدلًا من رفض الانتقادات بشكل مطلق، يمكن للباحثين أن يستخدموا هذه الانتقادات كفرصة لتحسين منهجيتهم وتفسيراتهم. والمفتاح هو أن يكون البحث في الإعجاز العلمي متوازنًا.
• هذا النهج يظهر أن البحث في الإعجاز العلمي يجب أن يكون عملية ديناميكية وغير جامدة، وعملية علمية وليست مجرد دفاع عن أفكار مسبقة.
وهل هناك مشاريع مستقبلية تستهدف المناهج الدراسية لتضمين مفاهيم الإعجاز العلمي بطريقة أكاديمية في الجامعات أو المدارس؟
في المغرب، لا توجد، حسب علمي، معلومات حديثة تشير إلى وجود مشاريع مستقبلية محددة تستهدف تضمين مفاهيم الإعجاز العلمي في المناهج الدراسية بالجامعات أو المدارس. ومع ذلك، هناك جهود ومبادرات من بعض الجمعيات والهيئات تهدف إلى نشر ثقافة الإعجاز العلمي وتعزيزها، وتنظيم دورات تكوينية وندوات وورشات ومعارض ذات صلة بهذا المجال. وفي بعض الجامعات المغربية، مثل جامعة محمد الخامس في الرباط، يتم طرح مواضيع تتعلق بالإعجاز العلمي في إطار محاضرات أو ندوات علمية، أو مؤتمرات أو ورشات، خاصة في كلية العلوم.
وعلى الرغم من هذه الجهود، تبقى هذه الأنشطة غير أكاديمية أو غير نظامية. والمطلوب في نظري هو العمل على إدراج هذه البرامج في المناهج التعليمية وإنشاء مراكز أبحاث حول الإعجاز العلمي والرقمي كما هو الشأن في دول إسلامية أخرى. ويمكن للمغرب الاستفادة من تجارب هذه الدول التي نجحت في تضمين الإعجاز العلمي في مناهجها.
بالمقابل، تعمل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على تقديم دروس ومحاضرات للمراحل التعليمية الأساسية تتناول موضوع الإعجاز العلمي، مثل درس “إعجاز القرآن الكريم” الموجه لتلاميذ السنة الثالثة إعدادي، فيتم خلالها تضمين بعض المفاهيم البسيطة المتعلقة بالإعجاز العلمي في مواد التربية الإسلامية أو العلوم.
وعموما، يمكن القول إن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح ولو بخطى بطيئة نحو تضمين مفاهيم الإعجاز العلمي في المناهج الدراسية، مما يسهم في بناء جيل واعٍ ومثقف، قادر على الجمع بين الإيمان والعلم، والمساهمة في تطوير المجتمع.
وعلى الرغم من أن الجهود الحالية في المغرب لا تزال محدودة، إلا أن هناك إمكانات كبيرة لتطوير هذا المجال، وأملنا أن تشهد الفترة القادمة إنشاء مراكز بحثية متخصصة في الإعجاز العلمي والإحكام العددي، بالتعاون بين الجامعات والمؤسسات الدينية.
غير أن التحديات تبقى كبيرة لأن هناك حاجة ماسة إلى تنسيق أكبر بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لضمان نجاح هذه الجهود. كما أن تطوير المناهج يتطلب موارد مالية وبشرية لا يستهان بها، وهو ما قد يشكل تحديًا في ظل الأولويات الأخرى.
ومن هنا أستغل الفرصة لاقتراح إنشاء لجنة مشتركة بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لتطوير مناهج تعليمية حول الإعجاز العلمي. ويمكن للهيئة المغربية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة من خلال تجربتها الطويلة في هذا المجال، أن تشارك في هذا العمل.
ما هي أبرز التحديات التي تواجه نشر أبحاث الإعجاز العلمي في العالم العربي؟
نشر أبحاث الإعجاز العلمي في العالم العربي يواجه عدة تحديات قد تعيق تطوره وانتشاره. هذه التحديات تتعلق بالمنهجية، والثقافة، والمؤسسات، وحتى التمويل. ومن أبرز هذه التحديات:
• ضعف المنهجية العلمية: فبعض الباحثين يحاولون إجبار النصوص القرآنية على التوافق مع نظريات علمية قد تكون غير مثبتة أو قابلة للتغيير، وهذا ما يعبر عنه بعض الناقدين ب “ليِّ عنق الآية” حتى تتماشى مع ما يصبو إليه الباحث، وهذا مرفوض عندنا ولا يخدم قضية الإعجاز العلمي بل يضعف مصداقيتها.
• عدم الدقة: أحيانًا تكون التفسيرات العلمية للآيات سطحية أو غير دقيقة، مما يعرضها للنقد من قبل أهل الاختصاص.
• وجود فجوة بين العلماء المتخصصين في العلوم الشرعية والعلماء المتخصصين في العلوم الطبيعية إذ تفتقر الفئة الأولى إلى الخلفية العلمية الدقيقة، بينما تفتقر الثانية إلى الفهم العميق للنصوص الشرعية. وهذا من شأنه أن يضعف جودة الأبحاث، لأنها تحتاج إلى تعاون بين التخصصين.
• وجود نقص في المراكز المتخصصة في دراسة الإعجاز العلمي، والتي يمكن أن تدعم الباحثين وتوفر لهم الموارد اللازمة.
• كما أن هناك ضعفا في التمويل، فالأبحاث العلمية الجادة تحتاج إلى تمويل كبير، وهذا غالبًا ما يكون غير متوفر في العالم العربي.
• موازاة مع هذا، تبالغ بعض الجهات أو الأفراد في تفسير الآيات لتتوافق مع نظريات علمية غير مثبتة، مما يضعف مصداقية الإعجاز العلمي ككل. وهذا قد يؤدي إلى تشكيك الناس في هذا المجال، واعتباره مجرد محاولات لفرض التفسيرات الدينية على العلم.
• كما أن هناك نظرة سلبية من طرف بعض المثقفين والعلماء الذين ينظرون إلى الإعجاز العلمي على أنه محاولة لتبرير الدين بالعلم، مما يضعف قبوله في الأوساط الأكاديمية.
• ولا ننسى أن بعض الباحثين يخشون النقد أو السخرية من ِقبل المجتمع العلمي إن هم اهتموا بمجال الإعجاز العلمي، مما يحد من إنتاجهم البحثي.
• كما لوحظ أن معظم أبحاث الإعجاز العلمي تُنشر باللغة العربية فقط، مما يحد من انتشارها عالميًّا.
• كما أن هناك حاجة ماسة إلى ترجمة هذه الأبحاث إلى لغات أخرى، خاصة الإنجليزية، لتصل إلى جمهور أوسع.
• لا توجد معايير موحدة لتقييم أبحاث الإعجاز العلمي، مما يجعل بعض الأبحاث تفتقر إلى الجودة العلمية المطلوبة، وهذا يضعف ثقة المجتمع العلمي في هذا المجال.
• وأخيرا، ينبغي الإشارة إلى سؤالين في غاية الخطورة ويتعلق الأمر أولا بانتشار المعلومات الخاطئة وغير الموثوقة عن الإعجاز العلمي عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يخلق تشويشًا لدى الجمهور، وثانيا بسوء التغطية الإعلامية حيث أن معظم وسائل الإعلام تقدم الإعجاز العلمي بشكل سطحي أو غير دقيق، مما يضعف تأثيره.
وكيف يمكن التغلب على هذه التحديات؟
أظن أن الأمر ليس بالسهل، فالتغلب على هذه التحديات يتطلب جهودًا مشتركة من الباحثين، والمؤسسات التعليمية، والحكومات. إذ على المهتمين بهذا المجال:
• العمل على التوعية بأهمية الإعجاز العلمي ودوره في تعزيز الإيمان.
• تعزيز التعاون بين التخصصات بحيث يعمل المختصون في العلوم الشرعية والعلوم الطبيعية معاً لضمان دقة ومتانة الأبحاث.
• إنشاء وتطوير مراكز بحثية متخصصة تدعم الباحثين وتوفر لهم الموارد اللازمة.
• توفير التمويل اللازم للأبحاث الجادة في هذا المجال.
بعد أربع ندوات وطنية وأربع مؤتمرات دولية، كيف تقيّمون حصيلة هذه اللقاءات؟
خلال هذه الفترة الزمنية (20 سنة) قمنا بسلسلة من الأنشطة تضمنت :
ـ محاضرات تحسيسية تستهدف الجمهور العريض في معظم مدن المملكة (في أكثر من 25 مدينة).
ـ كما تم استهداف اليافعين عبر المخيمات الترفيهية.
ـ كما قمنا بتسجيلات تلفزية وحوارات إذاعية.
ـ كما قمنا بسلسلة من المحاضرات في كل من الجزائر والإمارات والمملكة العربية السعودية وتركيا وماليزيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا والدنمارك وكندا.
ـ كما تم تأسيس اللجنة الدولية للإعجاز العددي في القرآن سنة 2008 ومنذ ذلك الحين، تتولى الهيئة رئاستها.
ـ كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين مركز دراسات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة (الرياض، المملكة العربية السعودية) والهيئة المغربية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة (الرباط، المملكة المغربية)
ـ كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين مركز بحوث القرآن (جامعة ملايا، ماليزيا) والهيئة المغربية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة (الرباط، المملكة المغربية)
ـ كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين مركز الهداية الإسلامية (مونريال، كندا) والهيئة المغربية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة (الرباط، المملكة المغربية)
ـ ومن إصدارات الهيئة كتاب “ظهر الفساد … بما كسبت أيدي الناس” (أ.د. الحسين زايد / أ.د. عبد الكبير بلاوشو، 1434/2013)، “التاريخ المصري القديم بين الحقيقة العلمية والرواية التاريخية” (المهندس حسن عمر فتاح، 2014/1435)، “الإعجاز العددي في القرآن الكريم (مختارات من بحوث المؤتمر الدولي الثاني للإعجاز العددي) منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة / إيسيسكو 2014/1435
ـ لكن الإنجاز الأكبر أهمية في نظري، يبقى في تنظيم المؤتمرين الدوليين الأول والثاني للإعجاز العددي لإخراج هذا الوجه الجديد للإعجاز للوجود الأكاديمي وتأصيله ووضع ظوابط له.
ما الرسالة التي يجب توجيهها للباحثين الشباب المهتمين بدراسة الإعجاز العلمي؟
شكرًا لك على هذا السؤال الجميل! الرسالة التي يمكن توجيهها للباحثين الشباب المهتمين بدراسة الإعجاز العلمي والعددي، وخصوصا لشبيبة الهيئة التي حتما ستتسلم المشعال عاجلا أو آجلا من أعضاء الهيئة ومؤسسيها، هي رسالة تشجيع وتحفيز، فمجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة والإحكام العددي يُعد من المجالات الواعدة التي تجمع بين الإيمان والعلم، وتفتح آفاقًا جديدة للبحث والتفكير.
نقول لهم: “كونوا جادين، متواضعين، ومبدعين في بحوثكم. وتذكروا أن الهدف الأسمى هو تعزيز الإيمان وخدمة المجتمع. ولا تنسوا أبدا أن العلم والدين لا يمكن أبدا أن يكونا متناقضين، بل هما جناحان لمعرفة الحقيقة: فحقائق العلم استقراء لقوانين الكون، والذي قننها هو الخالق عز وجل. وحقائق الدين نقل صحيح عن الله، والذي جاء بها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمصدر واحد، ولا يمكن للحق أن يتعارض مع الحق، ولا لليقين أن يتعارض مع اليقين”.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23563