25 مايو 2025 / 09:41

حركة “صحراويون من أجل السلام” بديلا عن جبهة البوليساريو

عبده حقي
تعيش قيادة جبهة البوليساريو حالة من التوتر والانقلاب العميق، عقب تلقيها صفعة دبلوماسية غير مسبوقة داخل أروقة المنظمة الأممية الاشتراكية، إثر قبول هذه الأخيرة مشاركة حركة “صحراويون من أجل السلام” في أشغال مؤتمرها المنعقد بإسطنبول. هذه المشاركة لم تكن مجرد حضور رمزي، بل جاءت بصيغة رسمية كمراقب، في وقت ما زالت فيه البوليساريو تصر على أنها الممثل الأوحد للصحراويين، وهو الادعاء الذي بات في مهب رياح الحقيقة .

الخطوة، التي اعتبرها المراقبون نقلة نوعية في التعاطي الدولي مع قضية الصحراء المغربية، كشفت عن واقع جديد داخل المجتمع الصحراوي، قوامه التعددية وتنوع الرؤى، وهو ما لم تستسغه قيادة البوليساريو التي سارعت إلى الاحتجاج لدى قيادة الأممية الاشتراكية. مصادر مطلعة أكدت أن وفد “صحراويون من أجل السلام” ضم شخصيات وازنة، من بينها سفير سابق للبوليساريو في فنزويلا، إلى جانب فاعلين من الأقاليم الجنوبية ومخيمات تندوف، وهو ما أضفى على المشاركة رمزية سياسية لافتة ووازنة.

إن الغضب العارم الذي عمّ وفد البوليساريو تجلى في رسالة احتجاج رسمية، وجهتها إلى قيادة المنظمة الاشتراكية، عبّرت فيها عن “صدمتها” من قبول تنظيم معارض لها داخل الساحة الصحراوية. لكن الرسالة ذاتها كشفت، بشكل غير مباشر، عن المأزق الذي باتت تعيشه الجبهة الانفصالية، وهي ترى انفرادها بالتمثيل ينهار أمام حركات جديدة تتبنى خطاباً واقعياً وتدعو إلى حل سياسي دائم في إطار السيادة المغربية.

وفي محاولة يائسة لنزع الشرعية عن هذه الحركة السلمية، زعمت البوليساريو أن “صحراويون من أجل السلام” مجرد “واجهة” تابعة للمغرب، غير أن المعطيات الميدانية والوجوه المؤسسة للحركة تدحض هذا الادعاء، خاصة أن في صفوفها مناضلين سابقين عايشوا تجربة مخيمات العار، واختاروا الآن طريقا آخر عنوانه التوافق والمصالحة.

إن لهجة الرسالة الاحتجاجية، حسب محللين، حملت الكثير من الارتباك والقلق، إذ لجأت البوليساريو إلى التشكيك في نوايا الحركة وتخوين أعضائها، مستندة إلى مقالات صحفية لا ترقى إلى مستوى الدليل السياسي أو القانوني. وهذا السلوك، يقول متتبعون، يترجم ضيق صدر الجبهة أمام أي صوت صحراوي مستقل وواقعي لا يكرر أطروحتها التقليدية.

ويبدو أن ما زاد من حدة الموقف هو الدعم المتصاعد الذي تحظى به الحركة الجديدة في أوساط الصحراويين، خاصة داخل الأقاليم الجنوبية التي تعرف دينامية تنموية ملحوظة وتحولات اجتماعية لا يمكن إنكارها. إن هذا الحراك المتنامي جعل البوليساريو تفقد تدريجياً سيطرتها الرمزية على المشهد الصحراوي، وتدفعها إلى مواقف دفاعية انهزامية أقرب إلى التشنج منها إلى الحوار.

أما من حيث السياق الدولي، فتأتي هذه المشاركة في لحظة تشهد فيها الدبلوماسية المغربية زخماً متزايداً، لاسيما في القارة الإفريقية وأمريكا اللاتينية، حيث بدأت ملامح اصطفاف جديد تتشكل، قائمة على دعم الحل المغربي للحكم الذاتي كخيار واقعي وعملي، يحظى بتأييد عدد من القوى المؤثرة.

الرسالة التي وجهتها البوليساريو، وإن كانت تحمل طابع الاحتجاج، إلا أنها تشي بتحول عميق في توازنات الصراع، ليس فقط بين المغرب والجبهة، بل داخل المجتمع الصحراوي ذاته. فـ”التمثيل الحصري” على غرار الأصل التجاري لم يعد واقعاً مفروضاً، بل أصبح موضوعاً للنقاش، خاصة بعد أن فتحت الأممية الاشتراكية أبوابها لأصوات صحراوية جديدة تعبّر عن رؤية مختلفة، وأحياناً أكثر واقعية.

وفي ظل هذه المستجدات، يبقى الرهان معلقاً على قدرة هذه الحركات البديلة على ترسيخ نفسها كفاعل سياسي جاد وفعال، قادر على ترجمة طموحات الصحراويين إلى مشروع سياسي عملي، يعيد ترتيب الأولويات بعيداً عن لغة الاصطفاف الإيديولوجي، ويقود نحو مستقبل تسوده المصالحة والتنمية في ظل مغرب موحد.

لا يمكن التقليل من الأثر السياسي العميق لهذا الحدث على مسار قضية الصحراء المغربية، إذ يشكل قبول “صحراويون من أجل السلام” ضمن أشغال الأممية الاشتراكية اختراقاً دبلوماسياً نوعياً يعزز من زخم المبادرة المغربية للحكم الذاتي على الصعيد الدولي.

فحصول الحركة على صفة مراقب من منظمة ذات امتداد عالمي، وذات رمزية تاريخية في الدفاع عن العدالة الاجتماعية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، يمثل إقراراً ضمنياً بوجود أصوات صحراوية متزايدة تؤمن بأن الحل الواقعي لا يمر عبر الانفصال، بل عبر توافق سياسي يضمن الحقوق في إطار السيادة المغربية.

وبذلك، تصبح مبادرة الحكم الذاتي التي طرحتها الرباط سنة 2007 أكثر رسوخاً كخيار استراتيجي، يستجيب لتطلعات السكان، ويحظى بدعم متنامٍ من قوى سياسية وحقوقية عبر القارات، مما يسهم في عزل الخطاب الانفصالي داخل المنتديات الدولية، ويدفع نحو إعادة صياغة السردية السياسية حول الصحراء من منظور تنموي وسلمي وتعددي.