حجاب الذكورة وفصل الصيف

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري13 يوليو 2021آخر تحديث : الثلاثاء 13 يوليو 2021 - 9:15 صباحًا
حجاب الذكورة وفصل الصيف

محمد علي لعموري
دعونا نتطرق لموضوع قلما يتم التطرق إليه من باب الإنتباه إلى تمظهراته في الحياة العامة للمجتمع، ولعلنا ونحن نكتب هذا المقال نستحضر كل كتابات وتصريحات الدكتورة نوال السعداوي بخصوصه، إنه موضوع الحجاب.

وطبعا حين نتحدث عن الحجاب نستحضر المرأة كطرف مستهدف، وككائن وقع عليه “الأمر” و”الفتوى” والتنميط الثقافي الذكوري منذ قرون.

حكاية الحجاب حديث ذو شجون، وهو نقاش مسيس بالدرجة الأولى، وله خلفيات سوسيو-ثقافية معروفة، ويجتر قرارات الاجتهاد الذكوري عبر التاريخ اجترارا، حتى أصبح موضوعة من موضوعات الطابو الاسلامي.

لست هنا لأفتح قوسا جديدا أكرر فيه ما قيل حول موضوع الحجاب دون الحسم فيه، فالجواب الديني يحتدم بين تيارين أحدهما يعتبر الحجاب فرضا إلهيا وإن تم بناء هذا القرار على حديث نبوي، وآية قرآنية منزوعة السياق، ومفعولة التفسير عليها قسرا لتكون أمرا إلهيا ينسحب على النساء في كل زمان ومكان، وثانيهما يعتمد الاجتهاد في النصوص، ولا يتعمد الإسقاط، بل يجاري الواقع وتحولاته، ويعتبر النص الديني مناصرا للتطور وإلا توقف العمل به بعد تغليب المصلحة على النص.

نقاش لا ينتهي، وتأتي هذه المقالة لتنتبه إلى واقع اخترقه المد الأصولي منذ عقود، وذلك مذ أطلقت السلطة اليد الطولى للتيارات الإسلامية لتشتغل على المجتمع، وتؤسلمه بفكر الإخوان من جهة، وفكر السلفية الجديدة من جهة ثانية، وذلك لدحر الفكر الماركسي الشيوعي في الجامعة وداخل المجتمع.

والفكر الديني ينجح بسرعة داخل تربة ثقافية مهيأة لتلقيه بحفاوة حين يستميل بقوة التأثير على الوجدان والمخيال، فئة عريضة من الناس، وذلك لصناعة الأتباع والمتعاطفين، بفضل هذا النوع من الدعاوى التي تعمل على تغيير مسار العقل وحصاره بالتعاليم، وتطويقه بالنصوص وكثرة الاستشهادات، وكبح جموح العقل بكل أسئلته القلقة التي من شأنها خلخلة اليقينيات الثابتة.

بالعودة إلى تحصيل الحاصل الذي بات متفشيا كما لو كان جزءا من هوية مجتمع – والحال أنه دخيل- سنرى أن ترنحات الأجيال الصاعدة، تنزع إلى التوفيق بين ما ورثته، وما يحوم من حولها من تحولات ومتغيرات سريعة تغري بشكل كبير على تبني حياة عصرية بتلاوينها المتحايلة على التقاليد، لكنها تظل هجينة ومبلقنة تقبل بوجه ساذج للحداثة دون أن تمس الجوهر فيها وهو العقلية السائدة التي تمتح من مرجعيتين متعارضتين الموروث الثقافي الذكوري السائد، والفكر الليبرالي الحر ذي المنزع الحداثي العلماني الحقوقي.

ففي الوقت الذي نرى فيها شابا وقد أمسك بيد صديقته أو خليلته وهما يعيشان حريتهما كشابين راشدين لهما الحق في ممارسة حريتهما كما هي موجودة ومتاحة ومسموح بها في كل بقاع الدنيا، نجده يصر على أن تكون نفس الصديقة أو الحبيبة ذات لباس محتشم تتجسد فيه صفة الحجاب، أي أن تضع الفتاة على رأسها قطعة القماش الذي يغطي شعرها، حتى لو كانت تلبس سروال الجينز.

وقد نصادف في طريقنا شابا لا يتجاوز عمره العشرين ربيعا وهو يرتدي سروالا قصيرا (شورط) في عز الحر في فصل الصيف، وقميصا شفافا يظهر بطنه ودراعيه ( ديباردور)، ومعه فتاة تلوي على وجهها حجابا وقد تتصبب عرقا من شدة الحر، ولكنها التقاليد التي تدفعها إلى تحمل هذا العبء لأنها ترضي أهلها من أب وأخ وخطيب أو حتى صديق..

هذا الوضع اللاديمقراطي يبعث على الأسف وقد يبعث أيضا على القلق لأنه يفرض على المرأة شيئا يتحلل منه الرجل وكأن هذا الأخير ليس مغريا للنساء، كما لو أن الذين فرضوا هذا الوضع المجحف يعتقدون أن المرأة عورة وبلا مشاعر أو غريزة في آن !!

لماذا يرى المجتمع الذكوري بهذه العين الحولاء القاصرة التي لا تقيم وزنا لكيان المرأة الفكري والعاطفي والغريزي؟ لماذا ينظرون إلى المرأة ككائن مغري وبلا عقل يفكر، محجور على رأيها وعلى حرية التفكير والاختيار لديها؟!

أما آن الأوان لتفكيك مقولات ذكورية عبثية غير منصفة، وتحرير الشرط البشري من موروث ثقافي يلغي دور المرأة في الاستقلال برأيها واحترام كيانها وكينونتها دون تسلط ذكوري وتنميط ثقافي يحد من انطلاق الوعي الثقافي لديها داخل مجتمع لا تستقيم تحولاته بدون دور فعال للمرأة جنب الرجل لا خلفه، وبدون رفع سلطة الذكورة عن وعيها ووجدانها وجعلها قاطرة التقدم والتحرر والنماء.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.