سعيد الكحل
شارك المغرب للمرة الأولى في قمة قادة دول الساحل الخمس (موريتانيا، مالي، النيجر، تشاد وبوركينا فاسو) المنعقدة بنجمينا في دولة تشاد يومي الاثنين والثلاثاء 15 و 16 فبراير 2021. لم تكن هذه المشاركة في المؤتمر السابع وليدة الصدفة ، بقدر ما هي نتيجة طبيعية لأمرين اثنين :
الأمر الأول: الأهمية القصوى التي يعطيها المغرب لقضايا التنمية والسلم والاستقرار والحرب على الإرهاب في إفريقيا التي يعتبرها عمقه الإستراتيجي الحيوي . فمنذ اعتلاء الملك محمد السادس سدة العرش وهو يجعل الشؤون الإفريقية جزءا لا يتجزأ من الشؤون الوطنية . وكان من بين أهم القرارات التضامنية التي اتخذها جلالته ، إعلانه في أبريل 2000 خلال أشغال القمة الأورو- إفريقية الأولى بالقاهرة ، عن إلغاء ديون المغرب المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا، وكذا إعفاء منتجاتها الواردة إلى المغرب من الرسوم الجمركية.
بل إن جلالته لم يفوت أية فرصة لحث دول العالم على الاستثمار في إفريقيا ووضع ثقتها فيها على اعتبار أن إفريقيا تستحق «شراكات تعاون منصفة، أكثر من حاجتها لعلاقات غير متوازنة، بدعم مشروط»( خطاب الملك أمام القمة الثالثة لمنتدى الهند وإفريقيا 2015 الذي أكد فيه أن المغرب أصبح أول مستثمر إفريقي في منطقة غرب إفريقيا، والثاني على مستوى القارة).
وتكريسا لهذا الانتماء الطبيعي والعضوي لإفريقيا، ودفْعا لكل التأويلات المغرضة التي يحاول جنرالات الجزائر أعداء وحدتنا الترابية ترويجها ضد الانفتاح والاهتمام المغربي بواقع ومصير القارة الإفريقية، وجه جلالته خطاب المسيرة الخضراء يوم 6 نوفمبر 2016 ، إلى الشعب المغربي من العاصمة السنغالية داكار ، مشددا فيه على الأولوية التي يوليها للقارة الإفريقية: «إذا كنت خاطبتك في مثل هذا اليوم من العام الماضي من العيون في الصحراء المغربية، بخصوص إفريقيا، فإنّي أخاطبك الآن من قلب إفريقيا عن الصحراء المغربية. فهذا الخطاب من هذه الأرض الطيّبة تعبير عن الأهمّية الكبرى التي نوليها لقارتنا».
فعلى خلاف سياسة الجزائر القائمة على تغذية الصراعات الاثنية ودعم الفصائل الانفصالية بالمال والسلاح وكذا احتضان التنظيمات الإرهابية وتوفير الملاذ الآمن لزعمائها حتى لا تنعم دول الساحل بالخصوص بالأمن والاستقرار ، فإن المغرب ينهج إستراتيجية تعتبر التنمية أساس الاستقرار ومحاربة التطرف والإرهاب. ففي الخطاب الملكي بأبيدجان، خلال حفل افتتاح المنتدى الاقتصادي المغربي الإيفواري، يوم 25 فبراير 2014 كان الهدف واضحا «إذا كان القرن الماضي بمثابة قرن الانعتاق من الاستعمار بالنسبة إلى الدول الإفريقية، فإن القرن الحادي والعشرين ينبغي أن يكون قرن انتصار الشعوب على آفات التخلف والفقر والإقصاء ومواجهة العديد من التحديات التي تهدد الاستقرار السياسي في إفريقيا وتعيق النمو الاقتصادي والاجتماعي بها».
الأمر الثاني: حاجة الدول الإفريقية ، خاصة دول الساحل والصحراء ، إلى الاستفادة من الخبرات المغربية في مجالي التنمية والحرب على الإرهاب . فبعد انحصار أنشطة داعش والقاعدة في سوريا والعراق وانهيار “دولة الخلافة” المزعومة ، صارت إفريقيا الوجهة الرئيسية والبديلة للتنظيمات الإرهابية ، بإقرار من منسق محاربة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية السفير ناتان سلز أن القاعدة وتنظيم داعش نقلا مركز ثقلهما من منطقة عملهما التقليدية في سوريا والعراق إلى الجماعات المرتبطة بهما في غرب وشرق القارة الإفريقية وإلى أفغانستان وفقا لـ”BBC” في 6 ديسمبر 2020.
لهذا حذرت الأمم المتحدة من تصاعد الهجمات الإرهابية في منطقة غرب أفريقيا والساحل التي زادت بمقدار خمسة أضعاف في بوركينا فاسو ومالي والنيجر منذ عام 2016. ويصنف مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2020 نيجيريا في المرتبة الثالثة بين الدول الأكثر تضررًا من الإرهاب متقدمة على سوريا واليمن وباكستان. الأمر الذي يفسر ارتفاع أعداد الضحايا مقارنة مع ساحات سوريا والعراق وأفغانستان كالتالي:
ــ هجمات داعش في العراق خلال 2020 بلغت 1422 هجوما ؛وبلغ عدد القتلى والجرحى: 2748 .
ــ هجمات داعش في سوريا خلال 2020: بلغت 593 . عدد القتلى والجرحى : 1723 شخص.
ــ هجمات داعش في نيجيريا خلال 2020 بلغت 343 . عدد القتلى والجرحى : 2990 شخص.
ــ عدد العمليات الإرهابية لتنظيم داعش في إفريقيا خلال أسبوع(من 22 جمادى 2 إلى 28 منه): 17 عملية . عدد القتلى والجرحى 75 شخص. 70 قتيلا وجريحا منهم في نيجيريا وحدها .
كما تشهد مالي ، بوركينافاسو والنيجر وبحيرة تشاد عمليات إرهابية يومية تستهدف القوات الأممية والمحلية (إصابة ما لا يقل عن 20 عسكريا أمميا، في هجوم استهدف، يوم 10 فبراير تمركزا مؤقت لوحدة توغولية تابعة للمنيسما، في منطقة ما بين دالا و بوني، وسط البلاد.
وتبنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هجومها الإرهابي على ثكنة عسكرية في بوني بوسط مالي ، يوم 3 فبراير 2021 ، قتلت فيه 10 جنود ماليين ودمرت آليات عسكرية واستولت على أخرى . أما في نيجيريا فالوضع بات خارجا عن السيطرة في عدد من المناطق خاصة منطقة برنو وكاغارا التي شهدت اختطاف مئات الطلاب ومدرسيهم ليلة 17 فبراير 2021.
إن ما يزيد من تصاعد خطر الإرهاب وتمدد التنظيمات الإرهابية في القارة الإفريقية وجود عوامل لها تأثير مباشر على الأوضاع ، أهمها:
1 ــ ضعف التدريب لفائدة جيوش دول الساحل التي تتحرك في بيئة جغرافية شاسعة وبتضاريس صعبة لمواجهة العناصر الإرهابية ، الأمر الذي يعقّد من مهماتها ويجعلها أهدافا سهلة للإرهابيين. لهذا طالب قادة دول الساحل المجموعة الدولية ومجلس الأمن الدولي بضرورة وضع القوة العسكرية المشتركة تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة، وهو ما سيضمن لها تمويلا دائما.
والمغرب، بحكم خبراته الغنية التي راكمها في حرب الرمال ، وكذا نوعية التكوين العسكري لكل عناصر الجيش الملكي ، ستكون مشاركته جد مهمة وفعالة في دعم جهود الحرب على الإرهاب عبر الإشراف على تدريب وتأهيل جيوش دول الساحل.
2 ــ ضعف الدعم الدولي بالسلاح والخبرات العسكرية. فقد أجمع قادة دول الساحل على أن القوة العسكرية المشتركة التي شكلوها قبل سنوات لا تزال تعاني من مشاكل في التجهيز والتدريب بسبب نقص التمويل. وهذا ما أكده الرئيس التشادي إدريس ديبي خلال برنامج “النقاش الإفريقي” الذي يبثه (راديو فرنسا الدولي) على هامش فعاليات الدورة الثانية من “منتدى باريس للسلام” ،أن “بلاده طالبت ب 12 مليار دولار للتنمية و400 مليون لتجهيز الجيش ولم تتلقى أي تمويل”.
وتكشف الفيديوهات والصور التي تنشرها التنظيمات الإرهابية عن الخسائر المادية والبشرية في صفوف الجيوش النظامية في نيجيريا ومالي وبوركينافاسو والنيجر وتشاد (إحراق وتدمير دبابات وآليات عسكرية والاستيلاء على أخرى صالحة للاستعمال ) تكشف عن توفر هذه التنظيمات على أسلحة متطورة لا تتوفر عليها تلك الجيوش. من هنا جاء البيان الختامي لقمة دول الساحل الأخيرة يناشد “المجتمع الدولي توفير دعم عسكري أكثر لمحاربة شاملة للإرهاب في منطقة الساحل”.
3 ــ عوامل الفقر والتهميش والبطالة التي تعاني منها دول الساحل التي تعتبر من أفقر دول العالم . وهذه العوامل تستغلها التنظيمات الإرهابية في استقطاب الشباب وتجنيدهم للقتال في صفوفها . إلا أن المجتمع الدولي لم يف بالتزاماته المالية تجاه دول الساحل بشهادة رئيس النيجر الذي أكد أن المجتمع الدولي “لا يقدم ما يكفي لإظهار التضامن مع دول الساحل ودول حوض بحيرة تشاد”.
ولا شك أن ظروف الفقر والتهميش تتعمّق بسبب الأنشطة الإرهابية التي تهدد السلم والاستقرار ، وهما أساس كل تنمية . فقد كشف التقرير السنوي حول مؤشر الإرهاب العالمي لسنة 2020، عن كون القارة الأفريقية تكبَّدت، في خلال الفترة الممتدة من العام 2007 إلى العام 2019، خسائر بسبب الإرهاب بلغت 171,7 مليار دولار. في ظل هذه الظروف ، يمكن للمغرب أن يفيد بخبراته وتجاربه الغنية في مجال الطاقة الشمسية والبنيات التحتية والفلاحة والتكوين المهني .
إن مسؤولية محاربة التطرف والإرهاب في منطقة الساحل ملقاة على المنتظم الدولي ، ولا يمكن للدول الإفريقية وحدها أن تنتصر على الفقر والإرهاب إلا بالدعم المالي والعسكري الدولي.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13591