19 أبريل 2025 / 00:34

تقرير تفصيلي عن ندوة عرض كتاب الفرقة الناجية.. وهم الاصطفاء

رشيد المباركي

نُظمت مساء الجمعة 18 أبريل 2025 ندوة فكرية نوعية ضمن فعاليات معرض الرباط الدولي للكتاب، تناولت عرض ومناقشة كتاب جديد ومثير للجدل في الآن ذاته، تحت عنوان “الفرقة الناجية.. وهم الاصطفاء: مدخل إلى تفكيك أوهام تصارع المفاهيم”، من تأليف الدكتور محمد بشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، والذي عُرف على الساحة الفكرية والدينية بكتاباته الجادة في تفكيك خطاب الغلو والتطرف، وتأصيل قيم التعايش والوحدة.

وقد جاءت هذه الندوة بتحضير علمي وتنظيم من طرف “دار الحديث الحسنية”، المؤسسة العلمية الرائدة بالمغرب والعالم الإسلامي، والتي اختارت أن تكون منبرًا لهذا النقاش تأكيدًا على مسؤوليتها المستمرة في حماية العقل الديني من الانزلاق نحو الإقصاء والجمود.

أدار الندوة وشارك فيها الدكتور أحمد السنوني، أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بدار الحديث الحسنية، الذي شكّل حضوره إضافة نوعية لما عرف عنه من توازن منهجي وصرامة علمية، كما شارك ثلة من الباحثين والطلبة والأساتذة المهتمين بقضايا الفكر الإسلامي، والاجتهاد المقاصدي، وتاريخ الفرق.

الكلمة الافتتاحية: دار الحديث الحسنية بوصفها فاعلًا في هندسة العقل الوسطي

شهد معرض الرباط الدولي للكتاب تنظيم ندوة فكرية رفيعة المستوى لتقديم كتاب “الفرقة الناجية.. وهم الاصطفاء” من تأليف الدكتور محمد بشاري، وذلك بتحضير علمي وتنظيم محكم من دار الحديث الحسنية، المؤسسة العريقة التي ما فتئت تمارس أدوارها في التأصيل والتحصين الفكري والتربوي. وقد افتُتحت الجلسة بكلمة علمية للدكتور أحمد السنوني، الأستاذ بدار الحديث وأحد أعمدتها في مجال أصول الفقه ومقاصد الشريعة، عكست عمقًا معرفيًا ووعيًا بالتحولات الفكرية التي تستدعي تدخل العلماء والمؤسسات العلمية الجادة.

أ — استهل الدكتور السنوني كلمته بالتنويه بالأهمية المعرفية للكتاب المعروض، معتبرًا أن موضوع “الفرقة الناجية” ليس مجرد نقاش عقائدي نظري، بل هو من أكبر المفاهيم الإشكالية التي تسللت إلى الوعي الإسلامي وأثّرت في تشكيل العلاقات بين الفرق والجماعات، بل وكانت أساسًا لتبرير الإقصاء والتكفير وسوء الظن بالمسلمين المخالفين. ولذلك فإن الوقوف عند هذا المفهوم ومساءلته علميًا أمر لا يدخل في باب الجدل المجرد، وإنما هو جزء من صيانة الأمن العقدي والفكري للأمة.

ب — بيّن الدكتور السنوني أن دار الحديث الحسنية، باحتضانها لهذا اللقاء، تجسد مرة أخرى موقعها الريادي في الساحة العلمية المغربية والعالمية، فهي ليست مجرد مؤسسة تعليمية تخرّج العلماء، بل هي أيضًا فاعل فكري يُسهم في ضبط المفاهيم وتنقية التراث من شوائب التوظيف الإيديولوجي أو السياسي أو الطائفي. وقد تأسست الدار، كما قال، لتكون جسرًا بين الأصالة والانفتاح، بين حفظ الموروث وتنقيحه من جهة، ومواكبة التحولات الفكرية والروحية من جهة أخرى.

ت — أكد السنوني أن الحديث المشهور حول افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، وإن كان ورد في عدد من كتب الحديث، إلا أنه موضوع خلافي في المتن والسند بين العلماء والمحدثين، وقد أثيرت حوله ملاحظات جوهرية تتعلق بالإدراج والاضطراب في الروايات، ولا سيما في العبارة “كلها في النار إلا واحدة”، التي اعتبرها بعض النقاد إدراجًا تفسيريًا لا يصح الاحتجاج به في بناء عقيدة التمييز والاصطفاء. وأشاد بجرأة الدكتور محمد بشاري في تفكيك هذا الحديث في ضوء قواعد الجرح والتعديل، ومراعاة السياق المقاصدي للنصوص، لا في ضوء التلقي الحرفي المتوارث.

ث — شدّد الدكتور السنوني على أن مفهوم “الفرقة الناجية” قد تم تسييسه وتطييفه في مراحل متعددة من التاريخ الإسلامي، حيث استُعمل لتبرير هيمنة جماعة أو طائفة على المجال الديني، واعتبار ما عداها في ضلال أو انحراف. وقد أدّى هذا التوظيف، بحسب السنوني، إلى إنتاج ثقافة العداء المذهبي، وسقوط بعض الجماعات في مزالق تكفير المخالف، والتحريض عليه، بل أحيانًا استباحة دمه. وهنا يبرز دور الخطاب العلمي النقدي، مثل الذي يقدمه هذا الكتاب، في تصحيح المفاهيم من داخل المنظومة الإسلامية ذاتها، لا من خارجها.

ج — دعا الدكتور السنوني في كلمته إلى التمييز بين النصوص القطعية في الثبوت والدلالة، وبين النصوص الظنية التي تقبل التأويل والمراجعة، مشيرًا إلى أن أغلب المفاهيم التي تشكّل أرضية للغلو والتكفير تستند إلى نصوص آحاد، أو روايات مطعون في سندها أو متشابهة في دلالتها. وبهذا فإن الواجب العلمي والشرعي هو إعادة تأويل هذه النصوص وفق مقاصد الشريعة الكبرى: العدل، الرحمة، رفع الحرج، تحقيق الوحدة، ودفع الفتنة.

ح — أشار السنوني إلى أن وهم “الاصطفاء العقدي” ليس مجرد فكرة تجريدية، بل هو بنية ذهنية ونفسية تغذّيها بعض المؤسسات والجماعات التي تزعم احتكار الحقيقة والنجاة، فتمنح نفسها صك الغفران وتحكم على سائر الأمة بالهلاك. ومن هنا تنبع خطورة الموضوع، ليس من الناحية اللاهوتية فقط، بل أيضًا من زاوية تدبير العيش المشترك داخل المجتمعات الإسلامية، والحفاظ على النسيج الاجتماعي والديني من التفكك والتصادم.

خ — ثم أبرز الدكتور السنوني حاجة الأمة الإسلامية في هذا الزمن إلى خطاب تأصيلي مقاصدي يتجاوز سطحية التلقي الحرفي ويعيد النصوص إلى حركتها الأخلاقية والإنسانية. واعتبر أن كتاب الدكتور بشاري يمثل نموذجًا لهذا التوجه، فهو لا ينقض النصوص، بل يعيد ترتيبها في ضوء السياق والغاية، ويكشف كيف تحوّلت بعض المفاهيم إلى أدوات للصراع بدل أن تكون أبوابًا للرحمة والوحدة.

د — ختم السنوني كلمته بالتأكيد على أن العلماء والمفكرين اليوم أمام مسؤولية مزدوجة: تحرير النصوص من التوظيف المغلوط، وتحصين العقول من ثقافة الكراهية التي تُغذى باسم الحديث والفرقة والطائفة والمنهج. كما دعا إلى مأسسة هذا النوع من البحوث داخل مناهج التعليم، وخطاب المنابر، ومقررات التكوين الديني، حتى ننتقل من ردود الأفعال إلى بناء رؤية كلية متناغمة مع روح الإسلام ومقاصده.

ذ — في النهاية، عبّر السنوني عن امتنانه لدار الحديث الحسنية التي أتاحت هذا اللقاء، وللدكتور محمد بشاري على جهده التأصيلي، داعيًا إلى أن يكون هذا العمل منطلقًا لسلسلة من المشاريع العلمية المماثلة التي تتناول المفاهيم المستعملة في خطاب الغلو، وتُعيد بناءها على قواعد الفهم الرشيد والرحمة الجامعة.

عرض المؤلف: الكتاب ليس مشروعًا للرد، بل لبناء الفهم

أ – خلفية التأليف وانشغال المؤلف

استهل الدكتور بشاري كلمته بالتأكيد على أن دافع التأليف لم يكن سجالًا فكريًا ولا رغبة في تفنيد أطروحات جماعات بعينها، وإنما كان انشغالًا معرفيًا نابعًا من تأمل طويل في آثار مفهوم “الفرقة الناجية” في وجدان الأمة الإسلامية المعاصرة. أشار إلى أن ما حرّكه هو ملاحظة حجم التوظيف الإقصائي والتكفيري لهذا المفهوم، وتحوله إلى أداة مفصلية في بناء جماعات مغلقة تدّعي النجاة، وتتهم الأمة بالضلال.

وأضاف أن خطورة المفهوم لا تكمن في أصله النصي فقط، بل في البنية التأويلية التي نشأت حوله، وفي الأنساق العقدية والسياسية التي وُظف فيها على مدى قرون. فالعديد من الحركات الإسلامية المعاصرة جعلت من هذا الحديث النبوي مرجعيةً عليا لتحديد من هو “الناجي”، ومن هو “الهالك”، بل استنبطت منه مفاهيم الولاء والبراء، والحاكمية، والتبديع، والتفسيق، والتكفير.

ب – البنية العلمية والمنهج التأصيلي للكتاب

أوضح الدكتور بشاري أن الكتاب بني على منهج علمي صارم يجمع بين الرواية والدراية، وبين النقد الحديثي والتحليل المقاصدي. وقد خصّص الفصل الأول لتحليل الروايات التسع لحديث افتراق الأمة، واستعرض ما أورده كبار المحدثين من ملاحظات سندية ومتنية. أبرز أن الزيادة الشهيرة “كلها في النار إلا واحدة” ليست متفقًا على صحتها، بل اعتبرها عدد من العلماء إدراجًا تفسيريا أو قولًا مدرجًا في المتن، من أمثال ابن حزم الظاهري، والشوكاني، وابن حجر، والنووي، ومحمد رشيد رضا.

هذا التفكيك السندي والمتني لم يكن هدفًا في ذاته، بل مدخلًا لفهم أعمق لما أسماه بشاري التحول الوظيفي للنصوص: من وسائط هداية ورحمة إلى أدوات فرز وإقصاء. لهذا دعا إلى إعادة إدراج الحديث في سياقه المقاصدي والنصّي الشامل، حيث يُفهم على أنه تحذير من الفُرقة لا وعدٌ بالنجاة الحصرية.

ت – أثر المفهوم في الواقع الإسلامي المعاصر

في جزء جوهري من كلمته، ركّز الدكتور بشاري على الأثر العملي لتوظيف هذا المفهوم في الحقل الدعوي والسياسي المعاصر. قال إن عدداً من الجماعات المتشددة بنت مشروعها العقدي على فهم ضيق لحديث الفرقة الناجية، فادعت لنفسها النجاة الحصرية، وحكمت على سائر الأمة بالهلاك. بل ذهب بعضها إلى بناء أنساق عنيفة تُكفّر من خالفها، وتستبيح دمه، وتعتبر نفسها الطائفة المنصورة، أو الغرباء، أو حزب الله الناجي.

وبيّن أن هذا التوظيف قاد إلى تشظٍّ مذهبي وتكفير متبادل، وأنتج ثقافة استعلاء دينيٍّ خطيرة، جعلت المسلم يسيء الظن بأخيه، ويضيق ذرعًا بالخلاف، وينزع نحو العزلة والرفض والتأصيل للعنف.

وأكد أن هذه الانحرافات لم تكن ممكنة لولا التغييب الممنهج للبعد المقاصدي للنصوص، ولولا التلقي الحرفي، والمنهج الانتقائي في فهم الروايات، وهو ما يستدعي مراجعة شاملة للفهم السائد.

ث – نحو فهم رحماني للمفاهيم العقدية

أكد الدكتور بشاري أن الإسلام لا يبني النجاة على الانتماء إلى جماعة أو طائفة، وإنما على الصدق في الاعتقاد، والإخلاص في العبادة، والاستقامة في العمل. وذكر أن القرآن الكريم يشير إلى أن الأمة المصطفاة ليست كتلة صماء، بل تتوزع إلى: “ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات بإذن الله” (فاطر: 32)، مما يدل على سعة مفهوم الاصطفاء، وعدم حصر النجاة في فئة دون سواها.

وأشار إلى أن الحديث الصحيح الذي يقول: “من قال لا إله إلا الله دخل الجنة” لا يمكن أن يُلغى بتأويل حديث مختلف في صحته، بل يُقدَّم عليه، لما له من قوة السند والاتساق مع روح الشريعة. كما ذكّر بأن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المخالف لم يكن إقصائيًا، بل قام على الدعوة بالحكمة، والتذكير بالرحمة، والتيسير لا التعسير.

ج – التحرير من قبضة التوظيف الأيديولوجي

واحدة من أهم رسائل الكتاب، كما أوضحها المؤلف، هي تحرير الحديث من قبضة الجماعات المؤدلجة التي اختطفته من سياقه النبوي إلى ساحة الصراع السياسي والدعوي. وأوضح أن حديث الفرقة الناجية، حتى لو صح في بعض رواياته، لا يمكن أن يُستعمل لتكفير الأمة، أو إقصاء المخالف، أو بناء طائفة مغلقة ترى نفسها شعب الله المختار.

وأضاف أن احتكار النجاة الدينية لا يختلف في بنيته النفسية عن نزعة الاصطفاء العرقي أو الطائفي، وأن المعركة اليوم ليست بين نصوص، بل بين مقاربات لفهم النصوص، بين من يجعلها أداة تواصل، ومن يجعلها أداة قطيعة.

ح – معالم المنهج المقاصدي في قراءة الحديث

أوضح الدكتور بشاري أن القارئ المسلم بحاجة إلى اعتماد مقاربة مقاصدية عقلانية لفهم الأحاديث التي تتناول مصير الأمة، وواقع الخلاف، وقضايا الفرقة والطائفة والجماعة. ذلك أن المقاصد الشرعية الكبرى، كما اتفق عليها الأصوليون، تقوم على حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وهي مقاصد شاملة تنبني على قيم العدل، والتسامح، والاعتدال، والرحمة.

وذكّر بأن الإمام الشاطبي، وابن عاشور، والطاهر بن عاشور، والمقاصديين المحدثين، بيّنوا بوضوح أن الاجتهاد المقاصدي ضرورة لفهم النص في ضوء مآلاته وآثاره في الواقع، لا في عزلة عن الزمان والمكان.

خ – استدعاء العلماء لمراجعة المفاهيم المفتاحية

في ختام كلمته، دعا الدكتور بشاري إلى فتح ورش علمي جماعي لمراجعة المفاهيم العقدية الكبرى التي تُستعمل اليوم في صناعة التطرف والانغلاق، وعلى رأسها:
• الفرقة الناجية
• الطائفة المنصورة
• الولاء والبراء
• الجهاد
• الحاكمية
• دار الكفر ودار الإسلام

وأكد أن هذه المفاهيم لا تُلغى ولا تُدان في ذاتها، ولكن يجب تحريرها من سوء الفهم، وسوء التوظيف، وسوء التوجيه، لكي تعود أدوات للبناء لا للهدم، ووسائط رحمة لا أدوات فرز واستئصال.

د – كلمة ختامية جامعة

اختتم الدكتور بشاري كلمته بشكر دار الحديث الحسنية على فتح هذا الفضاء العلمي الراقي لمناقشة كتابه، مؤكّدًا أن الكتاب ليس نهاية نقاش بل بدايته، وأنه لا يدّعي امتلاك الحقيقة، وإنما يسعى لإثارة النقاش حول ما أُغلق، وطرح الأسئلة حول ما تم التواطؤ على تسطيحه.

ووجّه نداءً إلى العلماء والدعاة والمفكرين بأن المعركة الحقيقية ليست مع الخارج، بل مع الداخل؛ مع المفاهيم التي تُكرّس الكراهية باسم الدين، ومع الخطاب الذي يُقسّم الأمة باسم الاصطفاء.

خاتمة التقرير: النتائج والتوصيات

أسفرت ندوة تقديم كتاب “الفرقة الناجية.. وهم الاصطفاء”، المنظمة من طرف دار الحديث الحسنية يوم الجمعة 18 أبريل 2025، عن جملة من النتائج العلمية والملاحظات الفكرية التي تؤكد أهمية إعادة النظر في المفاهيم العقدية الموروثة التي تم توظيفها تاريخيًا – ولا يزال – في إنتاج الانقسام والتكفير والإقصاء داخل المجتمعات الإسلامية. وقد شكّلت كلمة الدكتور محمد بشاري، مدعومة بتأطير علمي من الدكتور أحمد السنوني، لحظة فكرية عميقة لإعادة التفكير في العلاقة بين النص وتأويله، بين الوحي ووظائفه، بين المقاصد والمآلات.

أولًا: النتائج
• تبيّن من خلال التحليل النقدي للحديث المشهور حول افتراق الأمة أن عبارة “كلها في النار إلا واحدة” ليست محل اتفاق بين المحدثين، وأن سندها ومدلولها قابلان للنقاش العلمي والاجتهاد المقاصدي، ولا يجوز بناء عقائد الإقصاء على نصوص ظنية ومضطربة في متونها.
• تم التأكيد على أن الفهم الحرفي للحديث، دون مراعاة للسياق والمقاصد، أدى إلى تسييس المفهوم وتطييفه، وتحويله إلى أداة بيد جماعات تتنازع مشروعية “النجاة” وتستبيح باسمها دماء وأعراض المسلمين.
• أظهر النقاش أن الإسلام دين رحمة ووحدة، وأن النجاة الأخروية في المنظور القرآني ليست مرتبطة بالانتماء الفئوي بل بالإيمان والعمل الصالح، كما في قوله تعالى: “ورحمتي وسعت كل شيء”، وقوله: “ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا…”.
• تم التأكيد على خطر احتكار المعنى العقدي من طرف جماعات مغلقة، ترى في نفسها الطائفة المنصورة أو الجماعة الناجية، مما يؤدي إلى نشر خطاب استعلائي يكفّر المخالف ويهدد السلم الأهلي والفكري.

ثانيًا: التوصيات

أ – ضرورة إعادة قراءة النصوص المتعلقة بالخلاف والفرقة والنجاة بمنهج مقاصدي عقلاني، يُراعي روح الشريعة ومآلات الخطاب، ويضع النصوص في سياقها الشرعي والتاريخي بعيدًا عن التوظيف الحرفي.

ب – دعوة المؤسسات العلمية ومراكز البحث إلى فتح ورشات علمية نقدية لمراجعة المفاهيم العقدية الكبرى: كالفرقة الناجية، الطائفة المنصورة، الولاء والبراء، الجهاد، الحاكمية، وغيرها، وتفكيكها معرفيًا وتاريخيًا.

ت – إدماج هذه القضايا ضمن برامج تكوين الأئمة والمرشدين، ومناهج التعليم الديني، لتعزيز الوعي بالمقاصد العليا للشريعة، وتحقيق التوازن بين الأصالة والتجديد.

ث – التأكيد على الدور المحوري للمؤسسات العلمية الوطنية كدار الحديث الحسنية في قيادة حركة الاجتهاد الرشيد، والتصدي للتأويلات المغرضة التي تفرّق الأمة باسم الدين.

ج – تشجيع الباحثين على إنتاج خطاب تأصيلي وسطي، يوازن بين الرواية والنقد، وبين الثوابت والمتغيرات، ويحرر المعاني من قبضة الإيديولوجيا والسلطة.

وفي الختام، فقد أثبتت هذه الندوة أن المعركة الحقيقية اليوم ليست بين المسلمين وغيرهم، بل هي داخل العقل المسلم ذاته: مع مفاهيم مغلوطة، ونصوص مأخوذة على ظاهرها دون تدبر، وخطابات تدّعي الانتماء للحق بينما تمارس أخطر صنوف الاستعلاء. ومن هنا، فإن كتاب “الفرقة الناجية.. وهم الاصطفاء” ليس مجرد دراسة أكاديمية، بل دعوة صريحة إلى ترميم الوعي وبناء خطاب ديني جامع يليق بروح الإسلام ورسالته العالمية.