تعلًم الكذب في خمسة أيام

حسن عاصي
آراء ومواقف
حسن عاصي3 يونيو 2021آخر تحديث : الخميس 3 يونيو 2021 - 1:15 مساءً
تعلًم الكذب في خمسة أيام

حسن العاصي ـ كاتب وباحث فلسطيني مقيم في الدنمارك
في المسابقة الدولية للكذب التي أقيمت في مدينة كذبستان العربية، والتي يشرف على تنظيمها سنوياً الاتحاد العربي للكذب أهم وأعرق الاتحادات العالمية التي ترعى الكذب والنفاق والكذابين العرب، الذين ينتزعون وبجدارة المراكز الأولى دون أية مشقة ومنافسة في بطولات الكذب العالمية.

نترككم دون إطالة مع الكذبة التي حققت للمشارك العربي المركز الأول.

الحياة في الدول العربية سهلة جداً، ناضرة وممتعة. وتكاليف المعيشة رخيصة كثيراً. المشافي والجامعات والمدارس والحدائق في العالم العربي فاضت عن حاجة المواطنين. والمكتبات العامة منتشرة في كل حي وكل قرية.

الشوارع نظيفة ومعبدة، ولم يبق أي طريق ترابي في الوطن العربي. امتدت شبكات المواصلات لتغطي كافة القرى العربية بوسائل النقل العامة مثل الحافلات والقطارات الحديثة.

التعليم والعلاج متوفر مجاناً لكافة المواطنين دون أي تمييز. السكن موجود للجميع، حيث تم تأمين مسكن لائق وصحي لكل مواطن عربي. وتم مد شبكات الماء للشرب وكذلك شبكات الكهرباء والصرف الصحي إلى كل بقعة عزيزة في الوطن العربي، فلا يوجد منزل لا يتوفر على الماء والكهرباء وصرف صحي وتدفئة.

الطعام وفير ورخيص. فالأسواق العربية تمتلئ بالخضار والفاكهة واللحوم الصحية بأثمان بخسة. صالات السينما والمسارح وقاعات الموسيقى أصبحت منتشرة في كل مكان من المدن والقرى العربية.

نسيت أن أخبركم أننا قضينا نهائياً على الأمية بكافة معانيها وتفسيراتها. مثلاً الأمية التقليدية، فنسبة الذين لا يجيدون القراءة والكتابة من السكان العرب بلغت صفر كبير، ونسبة الذين لا يجيدون استخدام التقنيات الحديثة ولا يمتلكونها صفر في المئة، فجميع العرب يتمتعون بحياة ذكية تتوفر على آخر ما ابتكرته الشركات الالكترونية.

حكوماتنا الرشيدة وفرت عملاً لائقاً لكل مواطن بحسب الاختصاصات، فانخفضت نسبة البطالة بين القوى العاملة إلى صفر في المئة، واستطعنا القضاء على كل أنواع الرشوة وجميع الواسطات والتدخلات والعلاقات النفعية.

وزادت الأجور العامة للقطاعين الخاص والعام وبلغت مستويات لم تبلغها أية دولة على كوكب الأرض. وتحققت العدالة الاجتماعية، وتم توزيع ثروات الوطن العربي وخيراته على الشعوب العربية بالتساوي، فلا فضل لدولة على أخرى، ولا فضل لحاكم على محكوم، ولا لمسؤول على سائل.

انتشرت مراكز الأبحاث في دولنا العربية انتشار النار في الهشيم، فأصبحنا الأمة الأولى في تصدير المعرفة والاختراعات إلى بقية خلق الله، ولا تغفل القراءة، فقد قفز الشعب العربي إلى راس القائمة التي تشير إلى عدد الكتب التي تقرأها شعوب العالم، بل أصبح في كل بيت مكتبة محترمة للتزين.

تم إغلاق كافة السجون التي تحولت إلى أندية رياضية وأماكن لممارسة الأنشطة ما بعد المدرسية. وتحققت لدينا المساواة التامة الفعلية والحقيقية بين المرأة والرجل في الواجبات والحقوق وتحمل المسؤوليات وتبوأ المهام القيادية والمناصب العليا في الدول العربية، فأصبح نصف عدد أعضاء مجالس النواب العربية من النساء، وكذلك في كافة قطاعات المجتمع من التعليم والصحة والوظائف الإدارية وحتى المهن اليدوية التي تزاحم فيها المرأة عضلات الرجل.

تقاسم الرجل العربي والمرأة العربية كل شيء بدء من عمل البيت ورعاية الأولاد مروراً بأماكن العمل لغاية المناصفة في القرارات المصيرية للأمة.

أصبحت الشعوب والأمم الأخرى تحسدنا على ما نحن فيه من تقدم وازدهار، وصار سكان الدول الأخرى يتدفقون للعيش في إحدى الدول العربية، ويتمنون الحصول على حق الإقامة، حتى لو كانت مؤقتة.

ترك الدنماركيون والسويديون والنروجيون وكذلك الألمان والإنجليز والفرنسيون بلدانهم وخاطروا بحياتهم عبر الإبحار بقوارب صيد عتيقة للوصول إلى شواطئ إحدى الدول العربية، كي ينعموا برغد المعيشة فيها، وتقديم طلب اللجوء للسلطات العربية للحصول على حق الإقامة، أو البحث عن امرأة عربية للزواج منها قصد الحصول على أوراق الإقامة.

وأصبحت العقول المفكرة والذكية وأصحاب الشهادات العليا من مختلف الاختصاصات يأتون من كل صوب وحدب طمعاً في الحصول على عمل في الدول العربية.

أصبحنا ننتج ما يفيض كثيراً عن احتياجات شعوبنا العربية من منتجات زراعية أو صناعية مختلفة، فصرنا الأمة رقم واحد في التصدير. أصبحنا نرى السلع والبضائع والمنتجات العربية في كل مكان وفي كافة الدول الأخرى.

وقد منَّ الله علينا بطبيعة خلابة لذلك انتشرت الأماكن السياحية والترفيهية في كل مدينة وقرية عربية، وأصبحنا مركز جذب سياحي لبقية الشعوب.

طبعاً، فالشوارع نظيفة ولا وجود للتلوث، والأشجار والخضرة والورود في كل مكان.

ومن أجمل الأشياء التي تلاحظها في الدول العربية هي وجود أنظمة سياسية ديمقراطية تنضح بالعدل والرحمة والشفافية ولديها حس عال بالمسؤولية تجاه قضايا شعوبها، وتؤمن بمبدأ تداول السلطة إيماناً راسخاً.

الأحزاب العربية هي أحزاب همها الأساسي مصلحة المواطن والسهر على حمايته وتوفير كافة المستلزمات التي يحتاجها. أما النظام القضائي فقد نال وسام الاستحقاق العالمي نتيجة العدل والشفافية. لذلك ترى قاعات المحاكم العربية فارغة لأن العدل قد تحقق.

ناهيك عن الأمن والأمان الذي تتمتع به دولنا العربية، نتيجة غياب كامل لكافة أنواع الجرائم، فلا قتل ولا سرقات ولا خطف ولا اغتصاب ولا اعتداء مسلح، ولا هتك أعراض ولا رشاوي ولا فساد إداري أو مالي، ولا طمع ولا جشع.

المجتمع العربي مجتمع يتمتع بأخلاق وقيم ذات مستوى عال. التكافل الاجتماعي واحد من أبرز المظاهر الاجتماعية الإيجابية في العالم العربي، فلا تجد فقيراُ ولا شحاذاَ ولا مسكيناَ ولا طالب حاجة، فالجميع للجميع وكل شيء متوفر للكل.

وأصبح الجميع يتزوج بدينار أو درهم فلا تجد مبالغة في المهور ولا طلبات تعجيزية للشباب المقبل على الزواج.

مجتمع عربي متسامح، ومتفهم، ومعطاء، وكريم. غابت تماماً الأصوات المرتفعة من حياتنا فالجميع يتحدث بصوت منخفض ووتيرة هادئة.

جميع المواطنين مبتسمين ويشعرون بالرضى والقناعة.

وزالت الحدود الجغرافية التي كانت تفصل بين الدول العربية، وأصبح جميع المواطنين العربي يتنقلون بكل حرية من بلد إلى آخر، فلا وجود لتأشيرات دخول ولا كفالات مالية ولا حجز في المطارات ولا تسفير قسري.

أما على الصعيدين الثقافي والفني فقد ارتقيا إلى مستويات تعبر عن أصالة الشعب العربي وقيمه ومبادئه السامية، وتاريخه الغني وتطلعاته المستقبلية. إن حقوق الإنسان العربي مصانة كاملة غير منقوصة، حتى حقوق الحيوانات منصوصة في الدساتير والقوانين العربية.

الحريات العامة منتشرة ومحمية بقوة القانون، حرية الرأي والتعبير، حرية المشاركة السياسية، حرية النقد، وأصبح المواطن العربي من أكثر شعوب الكون إيماناً بأهمية الحوار العربي ـ العربي. من أكثر شعوب الكون إيماناً بأهمية الحوار مع الآخر، والإصغاء له كشكل وحيد للتواصل بين الأفراد، وبينهم وبين السلطة الحاكمة.

الأهم من كل ما تقدم أننا حققنا الوحدة العربية قولاً وفعلاً، فأصبح للعرب جيشاً واحداً، وصوتاً واحداً، وموقفاً واحداً.

لذلك استطعنا تحرير فلسطين من المحتلين الصهاينة، واستعدنا كافة الأراضي العربية الأخرى التي انتزعت من الجسم العربي في فترات ماضية حين كنا ضعفاء.

أما الآن فقد بات العالم كله يخشانا ويعمل لنا ألف حساب، لما نملكه من قوة عسكرية واقتصادية جعلتنا نفرض سيطرتنا على جميع الدول ونحكمهم، وبدأنا نغزو الدول الأخرى ثقافيا واقتصادياً، فبت ترى وتسمع عن الطريقة العربية في الزواج، النموذج العربي في الديمقراطية والحريات، القيم العربية، الأسلوب العربي في الحكم، الجامعات العربية، الصناعات العربية، الدينار العربي.

والأهم الانتشار الاستثنائي للكتاب العربي: تعلم كيف تكون كاذباً في خمسة أيام.
التوقيع: كاذب كبير

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.