15 سبتمبر 2025 / 17:53

تعقيدات العلمانية وهوس بعض النخب السورية بتطبيقها من فوق

رهف الدغلي. باحثة سورية

إن إصرار بعض القوى على استخدام مصطلح العلمانية ببناء الجيش وغيره، أمر مزعج جدا لأنه بعيد عن السياق والبنى الاجتماعية، وذلك لعدة اعتبارات.

لم تعد الدول المتقدمة والمؤسسات المحترمة تكرر كلمة علمانية، لأن الأهم هو وجود مؤسسات قوية، دساتير واضحة، شفافية، محاسبة، وفصل سلطات. العلمانية كانت مرحلة انتقالية في تاريخ الدولة الحديثة بأوروبا، لكنها تجاوزت لتصير ممارسة يومية ضمن البنى الديمقراطية. لذلك لا أفهم جذرية بعض الأطراف وانكماشها حول مصطلحات مفروضة من فوق.

لم تصدر العلمانية تاريخيا من فراغ في الغرب، مع ضرورة التوقف عند مقاربتين أساسيتين: الأولى طارئة تاريخياً ترى أنها ظهرت من ظروف محددة مثل الحروب الدينية بأوروبا وصعود الدولة الحديثة. والثانية تنويرية تربطها بفكرة العقل والاستقلالية وشرعية الدولة القائمة على احترام استقلال مواطنيها. بمعنى أن العلمانية لا ترتبط بمفهوم جامد بل تطورت ضمن ظروف معينة، وتغيرت، وحتى مؤخرا اختفت داخل هياكل الدولة الحديثة.

المأزق مع بعض المؤسسات البحثية السورية التي تنخرط في حوارات مع النخب والمثقفين للتوعية! لكن عمليا، ما هو مطلوب، يتطلب استحضار المحددات التالية:

1 ــ لا يمكن فرض العلمانية من فوق. الديكتاتوريات جربتها وفشلت، وجعلت الهرم ينفصل عن القاعدة.

2 ــ دور المختصين بالمراحل الانتقالية الهشة لا يتم عبر الرفض الجذري، بل عبر تفكيك المشاكل وإيجاد حلول. وأعتقد أن حكومة دمشق بحاجة مساعدة بإعادة هيكلة الجيش والأمن والإصلاح المؤسسي. وبخصوص المنتسبين لفصائل قسد والجنوب وغيرهم، لا بد لهم من الاندماج في وزارة الدفاع. تدريبهم والتوافق بينهم هو الضمان الحقيقي لأمن الناس وسوريا.

3 ــ سواء كنت مؤيدا أو معارضا، لا بد أن تذكر أنه في عشرات الآلاف حالياً من المواطنين، يحملون السلاح. ولا ينفع معهم ضغط سياسي، بل إن معارضتك الجذرية تؤدي إلى مزيد من الشيطنة.

4 ــ تشييد مستقبل سوريا يتطلب مؤسسات شفافة وبنى تحتية قوية. لكن يجب أن نتذكر بأن بناء الوعي والثقافة السياسية يتطلب أجيالا من الكد والعكل، ونحن بالكاد خرجنا من إرث سلطوي، وحرب وانتهاكات لمدة 14 سنة، وهذه تحديات تحتاج لعلاج طويل وتصويب مستمر.

أما إذا كان مفهوم العلمانية قادم من التجربة الفرنسية، فأنا من أشد أعداء هذه التجربة: بلد يفرض عليك ماذا تلبس، هذه ممارسات بارانويا.

العلمانية كمفهوم مفهوم يعج بتحديثات كبيرة تهم الأدبيات الأكاديمية وتكاد تكون اندثرت واختفت في ظل وجود مؤسسات قوية بشفافيتها وبنيتها، ولكن نخبنا السورية ما زالت عالقة بانبثاقات ما بعد 1920 وإفرازات 1940-1960.

المصدر: رابط صفحة الباحثة في منصة فيسبوك:

https://web.facebook.com/rahaf.aldoughli