تحليل.. أردوغان في سباق لتحقيق المجد العثماني

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس16 ديسمبر 2024آخر تحديث : الأحد 15 ديسمبر 2024 - 4:47 مساءً
تحليل.. أردوغان في سباق لتحقيق المجد العثماني

دين بريس ـ سعيد الزياني
يشكل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا لحظة فارقة في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، ويفتح المجال أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحقيق طموحاته الإقليمية، ومع هذا التطور المفاجئ، يجد نفسه في مركز الحدث، حيث يسعى لترسيخ نفوذ تركيا كلاعب رئيسي في إعادة صياغة مستقبل سوريا، في إطار رؤية أوسع تسعى لإعادة إحياء مكانة تركيا كزعيمة للعالم الإسلامي.

بدأت علاقة أردوغان بنظام الأسد خلال العقد الأول من الألفية الجديدة قوية وودية، إلا أن اندلاع الثورة السورية عام 2011 أدى إلى تغير جذري في هذه العلاقة، وقرر عندها الوقوف ضد الأسد بعد أن استخدم الأخير قواته لقمع الثورة، وهو ما تسبب في نزوح ملايين اللاجئين السوريين إلى تركيا، مما ألقى بأعباء كبيرة على أنقرة.

ومع فشل محاولات الرئيس التركي لإقناع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بالتدخل عسكريا في سوريا، لجأ أردوغان إلى استراتيجيات أخرى، من بينها دعم المعارضة المسلحة، وتأسيس الجيش الوطني السوري، وتقديم دعم ضمني لجماعات مثل هيئة تحرير الشام.

واستخدم أردوغان هذه الأدوات لتحقيق أهداف مزدوجة: الضغط على النظام السوري، ومواجهة النفوذ الكردي الذي اعتبره تهديدا مباشرا لأمن تركيا القومي، ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية لم تخلُ من التحديات، خاصة مع سجل هيئة تحرير الشام المثير للجدل وارتباطها بتنظيم القاعدة، ورغم محاولاتها لإعادة تشكيل صورتها كحركة معتدلة، إلا أنها ما زالت مصنفة كجماعة إرهابية على المستوى الدولي، مما يضع تركيا في موقف دبلوماسي حساس.

في نوفمبر الماضي، أعطى أردوغان الضوء الأخضر لعملية عسكرية محدودة في حلب، بهدف الضغط على دمشق لتسهيل إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إلا أن العملية تطورت بشكل غير متوقع، مما أدى إلى انهيار نظام الأسد، هذا النجاح المفاجئ وضع تركيا في موقع متقدم لتحديد مسار المرحلة المقبلة في سوريا، لكن التحديات التي تواجهها أنقرة لم تنتهِ.

أول هذه التحديات يتمثل في الشركاء الميدانيين، مثل هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري، حيث يواجه كلاهما انتقادات دولية تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان والعلاقة بالجماعات المتطرفة، بالإضافة إلى ذلك، فإن إدارة المناطق التي أصبحت تحت سيطرة هذه الجماعات ستتطلب جهودا كبيرة لتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار، وهي مهمة ليست سهلة في ظل تعدد الأطراف المتنافسة على النفوذ في سوريا.

التحدي الآخر الذي يواجه أردوغان هو السعي لإعادة تقديم تركيا كدولة ديمقراطية تتبنى القيم الإسلامية، خاصة في ظل تراجع الحريات والديمقراطية داخل تركيا خلال السنوات الأخيرة، ويطرح هذا الوضع تساؤلات حول مدى قدرة أنقرة على قيادة عملية سياسية جديدة في سوريا تحظى بقبول محلي ودولي.

علاوة على ذلك، فإن المشهد السوري ما بعد الأسد يفتح الباب أمام تنافس قوى إقليمية ودولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، وروسيا، والسعودية، هذا التنافس قد يحد من قدرة تركيا على فرض رؤيتها، ويجعل نفوذها عرضة للتحديات، فبالنسبة للسعودية، يشكل سقوط الأسد فرصة لتعزيز موقعها الإقليمي في مواجهة الطموحات التركية، أما التنافس بين الرياض وأنقرة، الذي ظهر بوضوح خلال الأزمة الخليجية، فيزداد حدة في ظل اختلاف الرؤى حول الإسلام السياسي ودور الحركات الإسلامية في المنطقة.

في الوقت الذي يحاول فيه أردوغان استغلال الفراغ الذي خلفه سقوط الأسد لترسيخ نفوذ بلاده، قد يواجه واقعًا مختلفًا، السوريون، الذين نجحوا في التخلص من حكم الأسد، قد لا يرحبون بتدخل أي قوة أجنبية، بما في ذلك تركيا، كما أن تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي في سوريا يجعل أي محاولة لإعادة تشكيل النظام الجديد محفوفة بالمخاطر.

في المحصلة، يمثل سقوط الأسد فرصة كبيرة لأردوغان لإثبات قدرة تركيا على لعب دور قيادي في الشرق الأوسط، ولكنه يحمل في طياته تحديات هائلة، فنجاح تركيا في إدارة هذا التحول قد يعزز مكانتها كلاعب رئيسي في المنطقة، بينما قد يؤدي الفشل إلى تقويض طموحات أردوغان الإقليمية وإعادة تقييم دور تركيا في مستقبل الشرق الأوسط.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.