22 يوليو 2025 / 13:31

“تاريخ قرية ترغة”.. آخر إصدارات الباحث الدكتور يونس السباح الطنجي

الأستاذ عبد الرحيم الوهابي
صدر حديثا بدراسة وتحقيق أخينا د. يونس السباح، كتاب (تاريخ قرية ترغة) للعلامة النوازلي الفقيه القاضي محمد بن المفضل المرابط الترغي (1366- 1420هـ/1916-1999م).

وهو تقييد من مدونات التاريخ المحلي لمنطقة طالها التهميش بعد ريادة ومساهمة على مستويات عدة تاريخيا وعلميا وثقافيا. اعتمد الفقيه الترغي على المدوَّن والشَّفَوي واستقراء الوثائق العَدْلية والظَّهائر السُّلطانية، وتمحيصِها بعينَيْ الخبير وبحسٍّ نقديٍّ وعميق وتمييز الغَثِّ عن السَّمين. سردٌ تاريخي، وتحليلٌ اجتماعي، وتوصيفٌ أنثربولوحي، وانتقادٌ لمظاهر ومكامن الخلل، ودعوةٌ إصلاحية.

وكان للمحقق السَّبْق في إخراج هذا النص المتنوع المشارب للباحثين والمهتمين بعد دراسة مستوفية وتحقيق رصين. وثَّق المنقول ووضَع النَّص في إطاره المعرفي وأغناه بالهوامش والتعليقات المفيدة، وذيَّله بالفهارس وعزَّزه بملاحق مهمة متعلقة بالموضوع تتميماً للفائدة.

إن هذا الكتاب ليس مجرد محاولة لتوثيق تاريخ ترغة، بل هو جزء من مشروع أوسع يسعى إلى إعادة الاعتبار للقرى المغربية، عبر تقديم دراسات مبنية على منهج علمي رصين. فالتاريخ المغربي لا يقتصر على الحواضر الكبرى، بل يمتد إلى هذه المناطق التي كانت يوما ما مراكز للحضارة والعلم والتجارة.

الكاتب (القاضي محمد بن المفضل المرابط الترغي):
درس الفقيه الترغي في بادية الشمال وحاضرة تطوان، وتلقَّى على جمع من شيوخ الدراية والرواية. ومن شيوخه: شيخا الجماعة بتطوان الفقيه أحمد الرهوني والشيخ أحمد الزواقي، والعلامة المحدث محمد الفرطاخ، والعلامة عبد السلام بلقات، وغيرهم.

بعد تخرُّجه، شغل الفقيه الترغي عدداً من الوظائف وتقلَّد عدة مهام، منها كتابته في الصدارة العظمى بالمنطقة الخليفية، ومُدرِّسا بالمعهد الأصيل، وأستاذاً رسميا بالمعهد في المرحلة الثانوية. وعند إنشاء كلية أصول الدين بتطوان انبرى الفقيه الترغي لتدريس مادة التفسير للطلبة. ثم عدلا بمحكمة تطوان الشرعية، وعُيِّن مستشارا بوزارة العدلية، قبل أن يُنصَّب فجر الاستقلال عضوا بالمحكمة الإقليمية بتطوان، ثم رئيساً بالغرفة الشرعية بمحكمة الاستئناف بها. وسُمِّي نائبا الرئيس المحكمة الإقليمية بتطوان، ثم مستشاراً بمحكمة الاستئناف بطنجة. ثم التحق قاضيا بالمجلس الأعلى، وهو المنصب الذي شغله إلى حين التقاعد.

توفي رحمه الله فاتح شعبان 1420 الموافق لـ 10/11/1999م، عن سن يناهز 73 سنة، ودفن بباب المقابر بتطوان. خلَّف عدداً من المؤلفات لازالت للأسف مخطوطة، لم يطبع منها غير فهرسه وهذا التقييد، منها كتابه (الإشارة في مناسك الحج والزيارة)، رحلاته الحجازية، تقاييد في الوفيات، مجموع فتاواه، خطبه المنبرية، طُرره وحواشيه على الكتب التي درَّسها، مجموع أحكامه القضائية.

اقتصر د.السباح في الترجمة للمؤلف على الشذرات المتفرقة المهمة والغنية الواردة في متن التقييد، إذ ترجمه كثيرون، لكن ﻻ بأس في تعميم الفائدة وإفساح المجال للمستزيد بذكر بعض مراجع ترجمة الفقيه محمد بن المفضل الترغي:

– ترجم له شقيقنا د.عدنان الوهابي ترجمة موسعة في تحقيقه لفهرس مشايخ الفقيه الترغي، وفي (فهارس علماء تطوان). وفي جريدة الشمال العددين: 351-352، ومجلة (التذكرة) العدد العاشر 2008م ومجلة (الهدى) ع 3 /دجنبر 2011.
– محمد بن الفاطمي السلمي في (إسعاف الإخوان الراغبين).
– د. المواهبي في (مفتون منسيون من غمارة وشفشاون).
– د.عبد العزيز بن عبد الله في (تطوان عاصمة الشمال).
– نجله العلامة أ.د.عبد الله المرابط الترغي في بحثه المنشور في كتاب “ندوة تطوان والتوثيق من ق.16 إلى ق.20″، وفي كتابه (من أعلام الشمال- ج1).
– البشير المسري في (رجال من تطوان).
– عبد الرحيم الوهابي في كل من جريدة العلم (ع): 8087 – 99/11/26، وجريدة الشمال الطنجوية عدد: 99/11/29، وجريدة الدعوة الإسلامية الليبية (ع: 720- 99/10/18).
– الأستاذ محمد القاضي في جريدة صدى شفشاون – يونيو 2000.
– الأستاذ عبد القادر الخراز في جريدة الجسر التطوانية – ع: 67 – أبريل 2000).
– احتفى به المجلس العلمي بطنجة ضمن نشاطه (علماء في ضيافة المجلس العلمي)، ونشرت المداخلات في المجلد السابع 2019.

الكتاب “تاريخ قرية ترغة”:
لا يعرف بالضبط تاريخ ترغة، غير أن ذِكرها ورد في المصادر التاريخية بداية القرن الثالث الهجري، على عهد الدولة الإدريسية. وكانت من أعمال الأمير عمر بن المولى إدريس بن إدريس. وكانت مركزا حضريا قائم الذات. وأغلب الظن أن وُجودَها باسمها الخاص كان سابقا لحكم الأشراف الأدارسة، بدليل الإشارة إليها بأنها كانت مدينة، والتمدين لا يصل إلى غايته ونهايته بمجرد الإنشاء، فلا بد من قطع مراحل زمنية للوصول إليه واستمراره واستكمال مظاهره.

تعد ترغة قاعدة قبيلة بني زيات الغمارية، يدلُّ موقعُها الجغرافي المتميز والآثار المتبقية بها؛ قلعتها وبرجها، أنها كانت -إضافة لكونها حاضرة – مركزا عسكريا وحصنا دفاعيا. ويُعتقد أن قلعتها من إنشاء الرومان. ظلت مركزا بحريا معروفا بنشاطه التجاري والعسكري، كما كانت مركزا علميا ومأوى لعدد من الرباطات والزوايا والمساجد التي أخذت على عاتقها نشر العلم الشرعي، ويعد مسجدها الجامع من أقدم المساجد في المغرب. تتميَّز ترغة بغزارة المياه ووفرة الصيد، وكثرة مدافن الصلحاء ممن آثروا العزلة أو رابطوا على ثغرها.

كانت ترغة قاعدة للجهاد البحري ما بين القرنين 14 و19 الميلاديين. وجاء ذِكرها في بعض المصادر الأجنبية وبالخرائط التي تعود للقرن 14م. أنشأ بها موﻻي علي بن راشد أمير شفشاون قاعدة لبناء وإصلاح السفن. وشُنّت عليها حملات إيبيرية نجحت إحداها في تخريبها وإحراق أسطولها. وعرفت هجرة أندلسية وإنزالا برتغاليا.

ولم تزل عامرة إلى حدود القرن الثامن الهجري حين خلت من أهلها بعد حيف وجور والي بني مرين عليهم. كما حاصرها قائد عسكر المجاهد العياشي طلبا لرأس المقدم عبد الله النقسيس بعد أن لجأ إليها من تطوان، إلا أنه استطاع الفرار لسبتة.

وأصدر السلطان المولى إسماعيل ظهير توقير وإعفاء لأهل ترغة من التكاليف والأعمال المخزنية، وإبقاء الزكوات والأعشار بيدهم لتدفع في شؤون دينهم. كما جعل من بلدتهم حرماً مُوقَّراً ﻻ يُؤذَ ولا يُقرب بسوء من لجأ إليهم واستجار بهم. وتجدَّد ذلك على يد من تلاه من السلاطين.

أولت القرية اهتماما وعناية خاصة بكتاب الله العزيز وتكريم حامليه ولهم من أجل ذلك أحباس عامة وأوقاف خاصة. واشتهرت ترغة بأعلامها، وكانت عائلة الترغي من الأسر العريقة التي استقرَّت بتطوان وتقلَّدت مناصب علمية وخططا شرعية.

ومن أشهر أعلام ترغة العلامة المشارك شيخ الإقراء محمد بن يوسف الترغي الذي استشهد بالطاعون بمراكش، وبلديُّه باز الصعيد عبد الرحيم بن أحمد بن حجون الترغي القنائي. من الأعلام الذين زاروا ترغة الحسن الوزَّان، والشيخ المولى عبد السلام بن مَشيش وكان يحل بها للقاء شيخه عبد الرحمن المديني. وكان الشيخ أحمد بن عجيبة ممن يُكثرون زيارتها وبها أتمَّ شرحه لمنفرجة ابن النحوي التوزري عند حجرة الهيللة.

ونقرأ في فهرسة الكتاب العناوين التالية: فبعد مقدمة المحقق الدكتور يونس السباح التي شملت الإحاطة بأهمية الكتاب وإضافته المعرفية والتعريف بمؤلفه القاضي محمد بن المفضل المرابط الترغي، انقسم الكتاب إلى قسمين:

خصص الأول لقسم الدراسة متضمنا سيرة المؤلف من خلال كتابه: تاريخ ترغة، والتعريف بالكتاب من حيث نسبته إلى مؤلفه وبيان أهميته وقيمته العلمية، والوقوف على أهداف الكتاب ودوافع تأليفه، ثم ذكر مصادر الكتاب ومنهاجه، والحديث عن مضمونه وفصوله، بالإضافة إلى وصف النسخ المعتمدة في التحقيق.

فيما اختص القسم الثاني من الكتاب لوضع النص المحقق وتضمن فصولا عديدة في تاريخ قبيلة ترغة ورجالاتها، وختم ببعض الملاحق، وذيل بفهارس فنية.