دين بريس ـ سعيد الزياني
أشعلت تصريحات عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية الأسبق، نقاشا عموميا محتدما حول قضايا تعليم الفتيات والزواج، بعدما دعا الفتيات إلى “اغتنام فرصة الزواج حين تتاح، لأن الدراسة لا تنفع دائما”، جاء ذلك خلال لقاء حزبي نظمه فرع حزب العدالة والتنمية بأكادير في الخامس من يوليوز الجاري.
أثارت هذه التصريحات ردود فعل متباينة داخل الأوساط الحقوقية والسياسية والإعلامية، بين من اعتبرها “رجعية تمس كرامة المرأة وحقها في التعليم والعمل”، ومن رأى فيها “دعوة واقعية تحث على التوازن بين الأدوار الاجتماعية والطموحات الفردية”.
واعتبرت التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة، في بيان رسمي، أن تصريحات بنكيران “تتنافى مع التزامات المغرب في مجال حقوق النساء، وتشكل تحريضا واضحا على التمييز”.
وأكدت التنسيقية، التي تضم أزيد من ثلاثين جمعية مدنية وحقوقية، أن التعليم “حق أساسي ورافعة للتمكين والاستقلالية، لا يجوز التهوين من شأنه أو اختزاله في مقابل الزواج”.
وانتقدت استخدام خطاب وصفتْه بـ”الوصائي والمهين”، وشددت على أن مثل هذه التصريحات “تتعارض مع مقتضيات الدستور، وتتناقض مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، خاصة اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) واتفاقية حقوق الطفل”.
كما دعت الدولة إلى “تحمل مسؤولياتها وعدم التساهل مع الخطابات التي تنال من حقوق النساء وتغذي الفكر النكوصي”، مؤكدة أن “الزواج لا ينبغي أن يُطرح كبديل عن الدراسة والعمل، بل خيار شخصي متكامل مع باقي الحقوق الأساسية”.
في المقابل، دافع عدد من المعلقين والنشطاء عن تصريح بنكيران، معتبرين أنه “طرح وجهة نظر اجتماعية محافظة تجد صداها لدى شريحة واسعة من الأسر المغربية”، ورأى بعض المدافعين أن ما قاله رئيس الحكومة الأسبق “ينبه إلى واقع تعيشه فتيات كثيرات في المجتمع، ممن يطاردن الشهادات والوظائف لكنهن يفوّتن فرصا طبيعية للزواج والاستقرار”، وانتقد هؤلاء ما سموه “التحامل الأيديولوجي على كل خطاب محافظ، واحتكار الحديث باسم النساء من قبل فئة معينة”.
ولفت متتبعون إلى أن التصريحات كشفت مجددا حجم الهوة القائمة بين تيارين متمايزين داخل المجتمع المغربي: أحدهما يطالب بمزيد من التقدم في مجال حقوق النساء، والآخر يتمسك بخطاب تقليدي يرى في مؤسسة الزواج الحل الأمثل لمواجهة هشاشة النساء، وقد انبرى كل طرف لتقديم حججه انطلاقا من خلفياته الفكرية والدينية والاجتماعية، ما جعل النقاش ينحرف أحيانا نحو التوتر والانقسام.
واستحضرت بعض الردود المرجع الديني لتفنيد تصريحات بنكيران، معتبرة أن “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، بينما الزواج سنة لا يُلزم بها أحد”، كما نبهت إلى أن “المزايدة على النساء بلغة التبخيس والتنابز تنتهك كرامتهن، وتتنافى مع روح الميثاق الإسلامي الذي يربط الزواج بالمودة والرحمة، لا بالإكراه أو الاستعجال”.
في المقابل، جدد مؤيدو بنكيران دعمهم له، مستنكرين ما وصفوه بـ”الهجوم المنظم من قبل نخب نسوية تدّعي احتكار تمثيل المرأة المغربية”، ومعتبرين أن دعوته “لا تحرض على التمييز، بل تعكس رأيا صريحا تجاه ظاهرة تأخر الزواج التي باتت مقلقة في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة”.
أعاد هذا الجدل تسليط الضوء على التحديات المرتبطة ببناء خطاب اجتماعي متوازن، يجمع بين تمكين النساء وضمان استقلاليتهن، وبين احترام القيم المجتمعية التي لا تزال ترى في الزواج ركيزة للاستقرار.
ويمكن التأكيد أن المطلوب ليس شيطنة المواقف، بل فتح نقاش عمومي راشد، يحتكم إلى الدستور والمصلحة العامة، ويضمن تعدد الرؤى دون إقصاء أو تخوين.