عز الدين بونيت
بعد قراءتي لعدد من التدوينات ومتابعتي لما يجري في بلدنا في هذه الآونة، أرى من واجبي أن أدلي ببعض الملاحظات والاقتراحات بكل وضوح ومسؤولية وصراحة. وأتوجه بهذه الملاحظات اولا وقبل كل شيء إلى جيلنا نحن، ما دام الأمر الآن أضحى يتعلق بمطالب جيلية:
إذا كنا حقا نريد مصلحة بلدنا وحماية مستقبلنا، علينا أن نتحلى باليقظة ونبتعد عن الرومانسية الفجة في التعامل مع ما يجري امام أعيننا. وهذا مطلب ملح بغض النظر عن جمال مشهد التظاهر والاحتجاج وما يحركه فينا من تطلعات قديمة دفينة ومن متعة في مواجهة رموز السلطة. وأول مظهر من مظاهر الحزم المطلوب منا، هو أن نقر بأن مطالب المجموعات الافتراضية هي من سذاجة والتفكك والضمور السياسي بشكل يدعو الى الهلع، حقا. الهلع لأن هذا الضمور السياسي يعكس افلاسا لمؤسسات الوساطة التقليدية في بلورة خطاب ووعي سياسي ناضجين تنخرط فيهما شرائح واسعة من المواطنين. هذه الهشاشة السياسية تجعل الحراك الذي يتلفع بها فريسة سهلة للتلاعب الخارجي.
وهنا أدعو الجميع الى أن يستدعوا بإلحاح إلى طاولة النقاش مفهوم الثورات الملونة وأن يبحثوا ويقرأوا على وجه السرعة ولو شيئا قليلا عن هذا الموضوع الذي ينبغي استحضاره بكثير من الجدية في تحاليلنا.
استعملت هذه الثورات الساحرة عدة مرات قبل اليوم لتفكيك عدد من الدول، وتغيير انظمتها تحت ذرائع متعددة. ومن خصائص هذه الثورات أن ميكانيزماتها متشابهة وتستجيب لمراحل إنضاج متكررة. وهي اليوم مروضة على نحو فعال مع اتساع نطاق استغلال الداتا الكبيرة، مما لم يكن متاحا بالشكل الكافي في النسخ السابقة.
وهذه بعض المؤشرات الدالة:
ما دلالة تكثيف الزخم الاعلامي على نطاق واسع ومتناسق في كل من اوروبا (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) وفي الولايات المتحدة، لمتابعة ما يجري في المغرب، وغض الطرف تقريبا عن ما يجري في فرنسا نفسها (حركة لنوقف كل شيء) وفي مدغشقر (حيث هناك احداث اكثر دموية وكثافة في الضحايا، 23 قتيلا لحد الآن).
هل هناك عملية تسخين للطبق قبل الشروع في إعداد المرق المناسب.
لماذا يركز الإعلام الأمريكي في بلاطوهات تحليله بالخصوص على البنيات التحتية المغربية المتعلقة بالموانئ وبناء الأسطول البحري المغربي بأسلوب يكاد يكون مستنكرا لها؟ ولماذا يطلب من شبابنا أن يصيح في الداخل ضد المنشآت الرياضية والتظاهرات المرتبطة بها؟ أليس في ذلك محاولة لإبعاد الأنظار عن الطبيعة الحقيقية لهذا التدخل.
علينا ان نكف عن الاستمرار في تجويف النقاش والربت على اكتاف المتظاهرين وكيل المديح لمطالبهم ذات النية الحسنة، ولكن البعيدة عن الرهانات الحقيقية لمن يتربصون بهذه الحركة الاحتجاجية، التي نفضل لحد الآن أن نقول إنها عفوية. من نقاشات الأوروبيين والأمريكيين يظهر أن المواضيع الحقيقية لما يرومونه لا علاقة لها بأخنوش او حكومته، أو ازمة الماء والصحة. ما يزعج هؤلاء أكثر هو أن المغرب يبني موانئه وملاعبه وأسطوله بسواعد ابنائه وفاعليه الاقتصاديين. رودولف سعادة والآخرون ليسوا راضين عن ذلك نهائيا. وهذه هي الرسالة الواضحة التي توجه الى المغرب اليوم، على منصات قنواتهم الإعلامية. وكل الوسائل مشروعة من اجل وأد هذه الانطلاقة المغربية.
لهذا ينبغي ان نستحضر ان شارعنا ليس محصنا ضد محاولات الانقضاض على حركته التي لا خبرة ولا افق سياسي لها. والدراسات حول الثورات الملونة السابقة تبين كيف صرفت الأموال الطائلة لفعل ذلك، بينما المتظاهرون المساكين يعتقدون أنهم يحتجون من اجل مطالبهم العادلة.
علينا اأن ندخل الى النقاش العام كل هذه الاعتبارات، ونكف عن حصر النقاش في الافق الذي رسم لمطالب الجيل “ز”، بسماتها التي ذكرتها أعلاه. علينا أن نسهم جميعا في إدراك المجرى الحقيقي للأمور:
صناع الثورات التي سميت بعدد من الألوان، لا تهمهم لا مطالبنا ولا مصداقية احتجاجات جيلنا “ز”، ولا عدد القتلى الذين قد يسقطون خلالها لا قدر الله. وحتى إذا لم يكن هنالك قتلى فإنهم سيحاولون ايجادهم بكل الطرق. لأن الدم هو القربان الذي يقبله إله الغضب. وما حصل في القليعة قدر وايت عميرة (وهما مركزان صغيران اختيرا بعناية من يعرف ماذا يفعل، لأنهما قليلا الحراسة).
كل ما يهم صناع ثورات الألوان هو تدمير قدرتنا على المقاومة وعلى التحكم في مستقبلنا.
لذلك علينا ايضا ان نقر بشجاعة ودون مزايدة أن الدولة لم تلجأ أبدا الى استعمال وسائل تفريق المظاهرات المعروفة والتي يستعملها الغربيون أنفسهم، من كلاب مدربة، وخراطيم مياه وقنابل مسيلة للدموع ورصاص مطاطي وصعق كهربائي، وأن مظاهر الاحتكاكات التي حصلت في اليوم الأول كانت في حدود المعقول، ولا ينبغي الانسياق وراء توصيفها بأنها همجية او قمعية. وعلينا أن نقول إن التوقيفات التي حصلت كانت أيضا ضرورية لجمع المعطيات الأولية والمعلومات عن متظاهرين يريدون أن يحتلوا الشارع العام ويمارسوا حقهم في الاحتجاج السلمي به، وفي الأن نفسه لا يريدون أن يتحملوا مسؤولية اسمية عن ممارستهم لهذا الحق. يريدون أن يخرجوا إلى العالم الواقعي وفي الآن نفسه أن يحتفظوا بالمجهولية التي يوفرها لهم العالم الافتراضي.
علينا أن نعترف بأن من التجني والمبالغة أن نقول إن ما جرى اعتقالات. هذا إفساد وتمييع للغة النقاش العمومي لا يساعد على حصد مزايا الحوار الجاد والمسؤول بقدر ما يخدم تهيئة الجو لبداية التدخل الاجنبي.
وبالمناسبة، فان مما لا شك فيه أن الكثيرين منا لاحظوا صباح الجمعة صدور بيان لمنظمات غير حكومية دولية بعناوين مشبوهة.
ينبغي علينا أن نساعد في الوقوف في وجه هذه المزاعم، وأن نقر باحترافية اجهزة مكافحة الشغب. وأن ننوه بكون الدولة قد ظلت يقظة ولم تسقط في الفخ الذي يحاول المتربصون أن يسقطوها فيه.
ومن جهة أخرى، ففي الوقت الذي يتم فيه الإعداد لحرب ضارية لمنع المغرب من استعادة مكانته الأفريقية، نرى جارتنا كعادتها مع الأسف تتحرك بغباء في هذه الحرب ضد المغرب. وهي حرب ستؤدي الى طحنها هي الأخرى في نهاية المطاف، إذا لم تنتبه قبل فوات الأوان.