توصل موقع “دين بريس” برسالة صدرت عن مجموعة من الأئمة والخطباء والمرشدين الدينيين بفرنسا تحت عنوان “استلهام الأخلاق المحمدية في الواقع الغربي: بين الرسالة الملكية والتطبيق العملي”، وذلك في سياق التفاعل الفرنسي من قبل الموقعين، مع مقتضيات الرسالة، خاصة أن الأمر يهم السياق الغربي، في حالته الفرنسية، ضمن سياقات أخرى، وفي ما يلي، النص الكامل للرسالة:
**************
استلهام الأخلاق المحمدية في الواقع الغربي: بين الرسالة الملكية والتطبيق العملي
مجموعة من الأئمة والخطباء والمرشدين الدينيين بفرنسا
شكّلت الرسالة الملكية السامية التي وجهها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى المجلس العلمي الأعلى، ومن خلاله إلى المجلس العلمي الأوروبي، محطة فكرية وروحية بالغة الأهمية. فهي لم تقتصر على الدعوة إلى إحياء مرور خمسة عشر قرنًا على مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل حملت في طياتها توجيهات عملية وواقعية تهم حاضرنا كجالية مقيمة بالخارج؛ إذ نعيش تحت أنظار مجتمعات غربية لا تكتفي بما نقول! بل تراقب عن قرب سلوكنا قبل أقوالنا، وتبني أحكامها على الأفعال لا على خطب رنانة ومقالات وسرديات!
وهنا يبرز التحدي الحقيقي : كيف ننزل هذه التوجيهات الملكية السامية إلى واقع ملموس يثمر ثقة واحترامًا، بدل أن نمنح غيرنا المبررات للطعن في ثوابتنا وهويتنا؟
فالناس أذكياء، يميزون بسهولة بين صدق الخطاب وزيف الممارسة، وبين من يستلهم الأخلاق المحمدية في حياته، ومن يتستر بها لأغراض شخصية ومطامح دنيوية!
لقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مرآة للإنسانية كلها : إمامًا في دعوته، قائدًا في حكمه، زوجًا رفيقا في بيته، وجارًا رحيما بمحيطه، ومعينا للآخرين على نوائب الدهر. لم يكن خطيبًا يكتفي بالكلام فقط، بل كان قدوة عملية يعيش مع ما يدعو الناس إليه. وبهذا أثنى الله تعالى عليه بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
غير أن واقعنا اليوم يكشف عن مفارقات صارخة: خطابات رنانة على المنابر والمواقع والصفحات؛ لكن الممارسة في كثير من الأحيان تحمل تضييقًا بدل رحمة، وإقصاءً بدل إنصاف، وتسلطًا بدل خدمة الناس ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [سورة محمد الاية : 21 ].
ومن هنا يبرز السؤال الجوهري : أي معنى للاحتفاء بالسيرة النبوية إذا كان بعض من يتحدث عنها في الغرب بعيداً عن جوهرها ؟
فالوفاء الحقيقي للرسول الأكرم يقتضي منا أن يكون من يتحدث عن الرحمة رحيمًا بالفعل، ومن يدعو إلى القدوة قدوة في نفسه، ومن يرفع شعار الإصلاح صادقًا في إصلاحه. وهذا بالضبط ما أكدت عليه الرسالة الملكية، التي أعادت التذكير بأن الأخلاق ممارسة عملية ترسخ التوحيد في النفوس وتحرر الإنسان من الأنانية!
ويمكن تنزيل هذا المعنى في السياق الغربي والأوروبي من خلال تربية الأبناء على قيم المواطنة، والتضامن، واحترام الآخر، وهي قيم تشكل جسرًا مشتركًا بين التعاليم الإسلامية ومبادئ المجتمعات الغربية.
كما يمكن لمغاربة العالم ترجمة مضامين الرسالة الملكية عبر تنظيم مكثف لدروس وندوات في السيرة النبوية داخل المساجد والمراكز الإسلامية، ومن خلال حوار الأديان والثقافات وبلغة أهل البلد؛ كي يستفيد منها جيل الشباب المزدوج الهوية.
كما أن إحياء المجالس الروحية للسماع والمديح النبوي يتيح فرصة لإبراز البعد الجمالي المتسامح للإسلام أمام اتباعه، وأمام المتعاطفين من غير المسلمين.
ولعل أهم ما يمكن لمغاربة العالَم أن يسهموا فيه هو إبراز البعد الكوني للرسالة المحمدية من حيث الرحمة والتسامح، والعدل.
فالاحتفاء لا يقتصر على طقوس روحية، بل يتعداها إلى مبادرات عملية، كتنظيم حملات للتطوع والتضامن باسم القيم النبوية، بما يعكس الصورة الوسطية للإسلام.
وفي الختام، فإننا، كأئمة وخطباء ووعاظ سابقين بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية بالديار الفرنسية لما يربو عن ثلاثة عشر عاماً، وباحثون أكاديميون، ومعنا زملاء آخرون، نستبشر خيرًا بالمؤسسة المحمدية الجديدة التي أعلن عنها جلالة الملك نصره الله في خطابه بتاريخ 6 نونبر 2024م الموافق : 3 جمادى الأولى 1446 هـ لما ستضخه من دماء جديدة في المؤسسات التي تُعنى بالمجال الديني، ولما ستتركه من أثر ملموس يعكس جوهر الأخلاق المحمدية في سلوك الإنسانية جمعاء.
نسأل الله العلي القدير أن يحفظ أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمدا السادس، وولي عهده الأمين مولاي الحسن وكافة الأسرة الملكية العلوية الشريفة، وأن يمدهم بعونه وتوفيقه، ويجعل مساعيهم في خدمة دين الله ونشر القيم المحمدية السمحة. انه سميع قريب مجيب.
– ذ. محمد الموساوي (إمام وخطيب سابق بفرنسا)
– د. حسن الفاضلي (إمام وخطيب بفرنسا )
– ذ. إبراهيم امزضاو (إمام سابق وخطيب بفرنسا وباحث بسلك الدكتوراه)
– ذ. محمد المهدي اقرابش (عضو بآكاديمية نيم،إمام سابق وخطيب ومرشد ديني بالمستشفيات، وعضو بمنتدى الاسلام بفرنسا، وعضو بالمجلس الفرنسي للإرشاد الإسلامي)
– د. صلاح الدين المراكشي (إمام سابق وخطيب ومرشد ديني بالمستشفيات والسجون الفرنسية).
-ذ. محمد آيت زنو ( إمام وخطيب بفرنسا)
– د يوسف نويوار، (باحث في علم الاجتماع، عضو البعثة الثقافية المغربية بفرنسا سابقا)