الولاء التاريخي لأعيان وشرفاء وعلماء وفقهاء الريف المغربي للملوك العلويين (3)

نموذج فرقة أولاد الحاج بالريف الشرقي

دينبريس
2025-01-21T10:24:03+01:00
دراسات وبحوث
دينبريس20 يناير 2025آخر تحديث : الثلاثاء 21 يناير 2025 - 10:24 صباحًا
الولاء التاريخي لأعيان وشرفاء وعلماء وفقهاء الريف المغربي للملوك العلويين (3)

عبد السلام أندلوسي ـ أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل

الحلقة الثالثة:

كنا في الحلقة الماضية وقفنا عند تقاطع روايات كبار السن من أفراد العائلة، سواء من لايزال منهم على قيد الحياة أو من غادرها منهم، حول معطيات واردة بمصادر تاريخية، جيدة الاضطلاع، تتحدث عن شخصيتين قياديتين مهمتين، من رأس كبدانة، كان ولاؤهما لسلاطين الدولة العلوية الذين عينوهما للسهر على حكم وأمن كبدانة. يتعلق الأمر بالشريف سيدي البشير إبن محمد إبن أحمد المرابط الكبداني، الذي عاصر كلا من المولى محمد الثالث بن عبد الله ( 1757/1790)، والمولى سليمان (1797/1822)، والمولى إسماعيل (1672/1727). وسيدي محمد إبن البشير إبن محمد إبن أحمد المرابط الكبداني ( نجل سيدي البشير)، والذي عايش فترة حكم السلطانين المولى الحسن الأول(1873/1894) والمولى سليمان(1797/1822).

إن هاته المصادر التاريخية حينما تتحدث عن هذين القائدين، وعن جدهما (جدنا) الشريف سيدي أحمد، الذي بحسب روايات أفراد العائلة المشار إليهم أعلاه، يكون أول أفراد هذه، السلالة الإدريسية الشريفة، ممن خرجوا من زرهون بقصد الاستقرار في رأس كبدانة.. تجمع على وصف كل منهما بكلمة”المرابط”، التي ترادفها في الأمازيغية الريفية مفردة أمرابض، وهي جمع إمرابضن، أي المرابطون، من المرابط، ولا علاقة لها بمرابطي الدولة المرابطية. وفي “معلمته” الموسوعة نقرأ للمؤرخ سيدي حسن الفكيكي، أن أمرابض يصاغ بالأمازيغية إما إفرادا، كما يصاغ إمرابضن جمعا (1).

ويستعمل اللفظ في معنى الرجل الصالح أو المنتسب إلى الشرف. ولذلك عرفت بهذا الاسم عدد من الأسر في منطقة الريف، وبه نعتت مجموعة من المداشر والقبائل الريفية وفي مقدمتها كبدانة التي، مثلما تؤكد على ذلك المعطيات الرسمية الإدارية، تتشكل من تسعة فرق أساسية من ضمنها فرقة إمرابضن التي تعرف أيضا باسم فرقة يات الحاج، أي أولاد الحاج (2) ، وهي الفرقة التي ينتمي إليها أجدادنا، وفي مقدمتهما القائدان سيدي البشير إبن محمد إبن أحمد المرابط الكبداني، وسيدي محمد إبن البشير إبن محمد إبن أحمد المرابط الكبداني ( نجل سيدي البشير).

وللإشارة فإن مصادر تاريخية أخرى، تربط بين مفردة المرابط واستقرار عدد من الأسر المرابطية بقبيلة بني ورياغل إلى درجة أن من بين أخماس القبيلة خمس باسمهم(3). ووفقا لما ينقله الدكتور حسن الفكيكي في”معلمته”(4) عن البادسي(5) والكتاني(6) فإن إسم إمرابضن يطلق حاليا، كذلك على فرقة معروفة بقبيلة بني ورياغل تتألف من خمسة عشر مدشرا، موزعة على المنحدرات الممتدة على طول الضفة اليمنى لواد غيس ما بين واد “الحد”، رافد غيس وخندق “أكزان”، عند حدود فرقتي أيت يوسف وبني بوعياش. ويعود وجود اسم إمرابضن إلى الأسر المنحدرة من سلالة الشيخ إسحاق بن مطهر الورياغلي المعروف بالأعرج، والمتوفى عام 1284/683. وكان قد انتقل من سبتة وقصد بني ورياغل ونزل بجبل حمام على وادي غيس عند مدشر بني ملوك، ومن هناك تكاثر أفراد أسرته، منهم الشيخ عبد العزيز بن موسى الورياغلي الذي استقر “بأغيل أيرور”، ومن هناك انتشر المرابطون الغلبزوريون. ومن أبناء هذه الأسرة السيد عيسى بن عبد الكريم، صاحب الزاوية المعروفة باسمه، وأبو بكر بن عمر المتوفى عام 1080 / 1669(7).

ويؤكد المؤرخ الدكتور حسن الفكيكي أن أصول جدنا سيدي البشيرإبن محمد إبن أحمد المرابط الكبداني تعود إلى جماعة المرابطين ذات ألأصل الإدريسي المنتسبة لفرقة أولاد الحاج برأس كبدانة، المعروف اليوم برأس سيدي البشير، ضريحه بمقبرة الرأس حيث رفاة أسلافه(8) غير بعيد عن مسجد جنادة ببرج كبدانة(9).

وللتعرف أكثر عن هذه الشخصية التاريخية المهمة، الذي اقترن اسمها في الوثائق والمصادر التاريخية، بمسجد / مركز المراقبة والحراسة/ رأس سيدي البشير/ لا بد من التعرف على هذا الموقع الذي تربطه المصادر والوثائق، تلك، بلفظ “جنادة”، أو رباط كبدانة. فما هي دلالة/ دلالات هذين التعبيرين؟.

في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى، سيكون لنا موعد مع الإجابة على هذا السؤال. والله ولي التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــ
هوامش الحلقة الثالثة:
(1) ح. الفكيكي، المعلمة، ص 608،
(2) ياث الحاج أو أولاد الحاج هي الفرقة الثالثة من ضمن الفرق التسعة التي تتشكل منها قبيلة كبدانة، وتتفرع عنها العائلات الآتية : إمرابضن / المرابطون، وهم الشرفاء الأدارسة الذين استقر جدهم الأول (جدنا) الشريف سيدي أحمد الزرهوني بمنطقة رأس الماء/ رأس كبدانة، ثم عائلات أولاد يوسف، وأولاد حدو بن رحو، ثم أولاد موسى،
(3) اليماني قسوح(2021)، محاضرات في الأنتروبولوجية الاجتماعية حول الريفين الأوسط والشرقي، الكلية متعددة التخصصات بالناظور، جامعة محمد الأول بوجدة، الموسم الجامعي 2021/2022 ص 16،
(4) الفكيكي، الصفحة نفسها،
(5) هو عبد الحق بن إسماعيل البادسي، مؤلف ” المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف”،
(6) هو محمد بن جعفر الكتاني، مؤلف” سلوة الأنفاس”،
(7) الفكيكي، الصفحة نفسها،
(8) يرقد بقصبة لالة جنادة جدنا الشريف سيدي عبد الرحمان حفيد سيدي البشير ونجل سيدي محمد إبن البشير،
(9) بحسب ما ذكره الدكتور حسن الفكيكي في الصفحة 344 من كتابه المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلية (1697/1859)، فقد دأب أفراد أسرة سيدي البشير على رئاسة منصب الفقهاء بمسجدهم مقترنا بقيادة الجهاد ومراقبة الساحل، ولذلك سمي المكان الذي ضم المسجد بالبرج وبجنادة للدلالة على وجود مركز حراسة مراقبة ساحل كبدانة الممتد من سبخة بوعرك شمالا إلى مصب واد ملوية جنوبا.
وجنادة بحسب تعبير الأستاذ حسن الفكيكي، هي صيغة مشتقة من الجند، تستعمل بمنطقة الريف الشرقي خاصة للدلالة على إدالات القصبات ومحطات حراسة الحدود المشرفة على مراكز الوجود الأجنبي، وهناك عدة جنادات بمختلف مناطق المملكة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.