29 سبتمبر 2025 / 09:59

الوجه الإبداعي للإعلامي سعيد الجديدي في خدمة الثقافة الإسلامية

عبد الخالق حسين

رحم الله الاستاذ اللامع سعيد الجديدي وأسكنه الفردوس الأعلى بجوار سيدنا رسول الله.

لقد رافقناه منذ طفولتنا كل يوم من على شاشة القناة التلفزية الوطنية يلقي نشرة الأخبار باللغة الإسبانية.

طلعته كانت ملهمة لجيلي قيم التفوق والانفتاح على الثقافة الغربية؛ بالإضافة الى جمالية الحضور والتمكن والمهنية.

وقد علمت بعدها بأن الأستاذ سعيد مشتغل على ورش فكري هو ترجمة الكتب الدينية الإسلامية الى اللغة الاسبانية. أي أنه كان من الدعاة الى الاسلام في المجال الإيبيري.

إنني أعتقد أن لحظة التعزية في وفاة هذا الهرم الإعلامي المغربي الكبير لمناسبة لأخاطب نفرا من المثقفين الذين يعتقدون أن من شروط “معانقة الحداثة” شرط ضروري هو “الاستخفاف بالتراث الاسلامي”؛ أو العمل على “التقليل” من قيمته وجاذبيه في قلوب المسلمين؛ أو العمل على التشكيك في ثبوته وتقويض شرعيته التاريخية.

فبعض الاصوات الحداثية تعتقد أن باب الحداثة لن ندخله إلا بالاجتهاد في (نقد صحيح البخاري) ومهاجمته؛ والتطويح بتفاسير القرآن الكريم؛ والاستهزاء بالتراث الصوفي وتبخيسه. وتبني منهج الشك والتفكيك لكل ما ينتمي إلى (أمهات كتبنا التراثية).

وها هو الإعلامي الألمعي سيدي سعيد الجديدي يجيب على أهل أطروحة التشكيك هذه؛ بشخصيته وبحاله وأسلوبه في الحياة والتفكير وكأنه يخطب فيهم قائلا: “ها أنذا قد عشت مثقفا مغربيا مسلما وطنيا؛ أناطح القوم/ الغرب في ثقافتهم؛ وأتكلم لغتهم؛ وأفكر بأسلوبهم وأؤلف بمنطقهم ولسانهم. وأجول معهم في أسواق وأروقة وتواريخ حداثتهم بدون مركب نقص أو انهزام. ولكنني عشت مفتخرا بهويتي المغربية العظيمة، وبعقيدتي الإسلامية الكونية. بل عاهدت نفسي أن أخدم ديني وحضارتي؛ فحاضرت وناظرت ودافعت عن إسلامي وهويتي من داخل الحضارة الغربية. واجتهدت لتقريب الثقافة الإسلامية والأصول والمبادئ التي يقوم عليها ديني إلى العقل الغربي. ولهذا ترجمت إلى اللغة الإسبانية كل كتاب لمست فيه الأهمية والمعلومة التي يحتاجها العقل الغربي لفهم حقيقة نبينا وسيدنا محمد (ص) ودفع الشبهات عنه؛ وفهم رسالة القرآن العظيم وتقريب تعاليمه.

لقد أعطى الاستاذ اللامع سعيد الجديدي أنموذجا حيا لما نطلق عليه (الأنموذج المغربي في التدين) إنه المتدين المتمسك بدينه، والمعتز بحضارته، والمنفتح على الحكمة العالمية والمندمج في السياقات المعاصرة بدون عقد ولا انطوائية؛ والداعي الى الله على بصيرة وبحكمة وموعظة حسنة.

لقد ترجم الاستاذ الجديدي كتبا إسلامية من تراثنا العظيم؛ دون ان يعتذر لأحد؛ أو يعتريه الخجل بدعوى أن الآخر سوف يلاحظ أو يعقب أو ينتقد. كان يترجم بكل فخر وكأن لسان حاله يقول: “هذا ديننا ونحن فخورون بمبادئه وشرائعه”.

لكني أحب أن أشير إلى تجربة عاشها الأستاذ الجديدي لعبت دورا في بنائه النفسي؛ وتركيبة شخصيته المسلمة الأنيقة والعالمية؛ الا وهي “تجربته الصوفية”؛ فهومن مريدي الزاوية الكتانية؛ ومن كان مشربه التصوف بأخلاقه وتزكيته، سيكون قدوة لغيره؛ لأنه نهل من القدوة الحي ومن الذكر المحيي للقلوب.

وما فتئ مولانا أمير المؤمنين يؤكد على التشبث بالتربية الصوفية وإحياء ليالي الذكر والمذاكرة والتأسي بأخلاق سيدنا رسول الله؛ وإحياء الليالي المباركة بمدارسة سيرته وشمائله عليه أفضل الصلاة والسلام؛ كما جاء في الرسالة السامية الموجهة الى العلماء بمناسبة مرور 15 قرنا على ميلاد سيدنا رسول الله ( ص) ؛ إن توجيهات مولانا الإمام تتغيا الاعتزاز والتمسك بتوابثنا الدينية التي تثمر المواطن المغربي المتميز عن غيره ؛ بالجمع بين تدين وسطي جميل بعيد عن قبح التطرف؛ وبين انفتاح على الحكمة الإنسانية التي جاء بها أنبياء الله في كل ارض وفي كل زمان، والتي أبدعها العقل الإنساني السوي الموافق للفطرة.

ارجو أن يحتفي الإعلام والجامعات بشخصية الإعلامي سعيد الجديدي رحمه الله؛ وأن يسلط الضوء على معالم تربيته، وملامح شخصيته، ومشاتل ثقافته، ومراحل تجربته. وأن يعرف بثمار ابداعاته وترجماته؛ مع التركيز على مسيرته الفكرية خاصة في الدفاع عن وطننا وديننا وحضارتنا ليكون رحمه الله قدوة معاصرة تستنير بها أجيالنا مستقبلا على درب النهضة المغربية الشاملة التي انطلقت بتوفيق من الله.

رحم الله الأستاذ سعيد الجديدي