محمد عسيلة، أستاذ باحث في قضايا الهجرة والثقافة والدين، أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
عندما نتحدث عن المغرب وجهوده في مكافحة الفكر المتطرف، لا يمكن إغفال استفادة أوروبا في تعزيز جهودها من مقاربة المملكة المغربية بشكل لا يتناطح حوله عنزان. فالتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية في تاريخ وزمن متسرع وسريع، معولم ومرقمن، التي تواجه أوروبا تتجاوز حدودها الجغرافية وطاقاتها وإمكانياتها، وتمتد إلى افريقيا والعالم بأسره.
أوروبا تستفيد أولًا من جهود المغرب في مكافحة الإرهاب والتطرف على عدة مستويات. أولاً وقبل كل شيء، يعتبر المغرب شريكًا استراتيجيًا للاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب والأمن، حيث يتمتع المغرب بخبرة واسعة في مجال مكافحة الإرهاب، ويعتبر نموذجًا للنجاح في التصدي للتطرف ومنع تهديدات الأمن العابرة للحدود. ولقد تم توقيع العديد من الاتفاقيات والتعاونات الأمنية بين المغرب والدول الأوروبية ومنها ألمانيا، لتبادل المعلومات والخبرات وتعزيز التعاون الأمني.
فمقاربة المغرب لمكافحة التطرف تعتمد على عدة عناصر مترابطة تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار ومكافحة الفكر المتطرف.، منها:
١- الحوار والتعاون الدولي: المغرب يؤمن بأهمية التعاون والتنسيق مع الدول الأخرى في مكافحة التطرف. يسعى المغرب إلى تبادل المعلومات والخبرات مع الشركاء الدوليين، ويشارك في المنتديات والمبادرات الإقليمية والدولية المختلفة للتعاون في هذا المجال.
٢- تعزيز التعليم ودور المؤسسات والوعي: المغرب يولي أهمية كبيرة لتعزيز التعليم والتوعية ودور المؤسسات العلمية والفقهية والتكوينية منها المجلس العلمي الاعلى تحت رئاسة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
كل هذه الجهود وعلى جميع المستويات هدفها تعزيز الامن الروحي ونشر الوعي ومواجهة الفوضى في الامور الشرعية والمقاصدية وضمان الاستقرار الروحي و كذلك للحد من الانحرافات الفكرية. يتم على سبيل المثال لا الحصر تضمين مواد التسامح والتعايش السلمي في المناهج الدراسية والتعليمية وتوظيف المساجد لنشر الوعي والعلم والمعرفة، لتعزيز القيم الإيجابية والانفتاح على الثقافات المختلفة. كما يتم تنظيم حملات توعية وبرامج تدريبية للشباب والشخصيات الدينية والمجتمع المدني للتصدي للتطرف وتكوين السادة الأئمة والواعظين والواعظات.
٣- تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي: يعتبر المغرب أن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي يلعب دورًا حاسمًا في مكافحة التطرف. يعمل المغرب على تعزيز فرص العمل وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، ويشجع على الاستثمار وخلق فرص التنمية المستدامة في المناطق الهشة والمعرضة للتطرف.
٤- التصدي للتطرف العنيف وتعزيز الأمن: المغرب يولي اهتمامًا كبيرًا للحفاظ على الأمن الداخلي ومكافحة التطرف العنيف. يتم تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية وتبادل المعلومات مع الشركاء الدوليين، ويتم التصدي للتجنيد وتمويل الجماعات الإرهابية.
٥- التعاون الديني والثقافي: يتم تعزيز التعاون بين الأئمة والمؤسسات الدينية لمكافحة التطرف والتأثير السلبي للأفكار المتطرفة. كما يشجع المغرب على التبادل الثقافي والحوار بين الثقافات المختلفة لتعزيز التسامح والتعايش السلمي.
إن هذه المقاربة المتعددة الأبعاد تعكس التزام المغرب الشديد في مكافحة التطرف وتعزيز الأمن والاستقرار. من خلال تنفيذ هذه الاستراتيجية المتكاملة، يسعى المغرب إلى بناء مجتمع متعايش ومزدهر يحمي الأفراد من الأفكار المتطرفة ويعزز الاستقرار في المنطقة.
ثانيًا، يلعب المغرب دورًا هامًا في تعزيز الاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط. بهذا يعتبر المغرب جسرًا بين القارتين الأفريقية والأوروبية، ويعمل على تعزيز التعاون الإقليمي والتنمية المستدامة. وبهذا تبقى الاستثمارات الأوروبية في المغرب في تعزيز العلاقات الدولية والاعتراف بثوابت قضاياه ، استثمارا استراتيجيا نافعا للاستقرار وضامنا له، مقللا لفرص انتشار الفوضى والمناورات والفكر المتطرف المهدد للسلم والسلام.
ثالثًا، يعد المغرب نموذجًا للتعايش والتسامح الديني في المنطقة، حيث تحظى جميع الاديان داخل مجتمعنا المتنوع، المتجذر في التاريخ، بالاحترام والحماية القانونية. كما يعتبر المغرب قبلة للحوار الديني والتعايش السلمي بين الثقافات المختلفة. وبهذا لا يمكن لأوروبا إلا أن تستفيد من هذه التجربة الرائدة التي يرعاها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ويستوحوا منها في تعزيز التسامح والتعايش السلمي في مجتمعاتهم المتعددة الثقافات.
من الواضح أن استفادة أوروبا من جهود المغرب في مكافحة الفكر المتطرف تعود بالنفع على الجانبين. ولهذا نقول بصفتنا ننتمي الى هذا المغرب الرائد المحصن، وكذلك الى مغاربة العالم وبهذا ننتمي الى مجتمعاتنا الاوروبية التي بنى وما زال مغاربة العالم يبنون حضاراتها ويقوون اقتصادها، ويرعون سلمها واستقرارها، نقول أن التعاون الاستراتيجي بين المغرب والدول الأوروبية، هو تعزيز لشراكة استراتيجية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة الافريقية والأورومترسطية.
وما مطلبنا بدعم جهود المغرب في جهوده المستمرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز الاستثمارات وتبادل التجارة، وتعزيز الحوار الثقافي والتعايش السلمي هو خريطة طريق ستعزز العلاقات بين المغرب وأوروبا وتعمق التفاهم والتعاون المشترك في مجالات عدة تعود بالنفع على الجميع، على الانسان والاستقرار الاوروبي والافريقي والكوني.
وعليه تأتي الندوة العلمية الدولية في موضوع: ” ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الافريقي” مقاربة تضاف الى المجهودات التي تحدثنا عنها، رؤية استراتيجية تعنى ليس بتحصين الجبهة الداخلية ضد الفكر المتطرف، بل يمتد تفاعله مع هذه الظاهرة إلى عمقه الافريقي. وفي هذا تندرج جهود هذه الندوة العلمية الدولية التي تنظمها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في إطار جهود “توحيد العلماء الأفارقـــة وجمع كلمتهم على ما يحفظ الدين من تحريف المغالين وانتحـــال المبطلين وتأويـــل الجاهلين، وعلى ما يجعل قيمه الســـمحة في خدمةالاستقرار والتنمية في بلدانهم“.
لقد عرفت فعاليات هذه الندوة مشاركة أكثر من 350 عالما وعالمة ينتمون الى 72 دولة من افريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية ويمثلون هيئات الافتاء والمجالس الاسلامية العليا في هذه البلدان بالاضافة الى رؤساء وأعضاء فروع محمد السادس للعلماء الافارقة في البلدان الافريقية ونخبة من علماء وعالمات المملكة المغربية.
إن تعزيز الاستقرار في افريقيا والمنطقة الأورومتوسطية وأوروبا يمر لا محالة عبر المغرب ومؤسساته المتعددة و عبر مجموعة من المبادرات والتعاون الإقليمي والدولي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، تعتبر المشاركة الفعّالة للمملكة المغربية في الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية الأخرى يقدم المغرب من خلالها دعمًا للدول الأفريقية في مجالات متعددة مثل الأمن، والتنمية الاقتصادية، والتعليم، والصحة. ويعتبر المغرب في هذا شريكًا استراتيجيًا للقارة ويسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع باقي الدول الأفريقية.
كما يلعب المغرب دورًا حيويًا في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة الأورومتوسطية، من خلال تعزيز التعاون الأمني مع دول المنطقة لمكافحة التهديدات المشتركة مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة. كما يعتبر المغرب مركزًا هامًا للحوار والتعاون الثقافي بين الثقافات الأوروبية والأفريقية والعربية.
فالمملكة المغربية بكل هذه المقاربات والرؤى العملية، محطة رئيسية في تعزيز الاستقرار في أفريقيا والمنطقة الأورومتوسطية وأوروبا، بفضل جهوده ومؤسساته المتعددة، تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين، يتم تحقيق التعاون والتنمية المستدامة وبناء مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا للجميع.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20287