الملكية المغربية وتآكل مؤسسات الوساطة
محمد علي لعموري
منذ سنوات مضت، كان إيقاع السياسة يمضي حسب توازنات لعبة المؤسسات المستحدثة مع دخول الاستعمار وحتى بعد خروجه مدحورا، وقتها كانت الأحزاب القوية تلعب دور التأطير والتحريض والتأثير عبر الجماهيرية والنقابات والبلاغات والبيانات الحزبية، وكان المجتمع المدني وقتها يتلمس طريق التجدر والتطور مع الحركات النسائية والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان…
وقتذاك، دخلت الملكية في صراع مع قوى يسارية كانت تعتمد المرجعية اليسارية بمختلف تلاوينها، وكان للمد الماركسي اللينيني دور في تأطير وصناعة النخبة القادرة على الفعل السياسي عبر أحزاب أو تنظيمات سرية للضغط على نظام الحكم في اتجاه التنازل عن مطلق السلطة أو تقاسمها بما يسمح للتجربة الديمقراطية أن تتجدر وتصبح صناعة وطنية صرفة لكن بمرجعية يسارية باعتبارها كانت “موضا” ذاك الزمان.
وبعد تفكك المعسكر الاشتراكي الذي كان يمد تلك التنظيمات والايديولوجيات الراديكالية بالوقود الخصب لاستمرار وجودها تنظيميا وايديولوجيا، ومع بداية النظام العالمي الجديد مع مطلع العشرية الاخيرة من القرن الماضي، وبداية خطاب قوي للرأسمالية العالمية التي بدت تنتشي بانتصاراتها، ودخول العالم مرحلة الحرب على الارهاب، نزح المغرب نحو استهلاك اليسار والمعارضة بإتاحة الفرصة لهما أن يديرا دفة الحكم في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
ومع بداية ما سمي بالعهد الجديد، أي في مرحلة حكم الملك محمد السادس، عرف المغرب استهلاك خطاب المعارضة القوية بعد حكومة التناوب. وحتى بعد ما سمي بالربيع العربي عمدت السلطة على استهلاك اليمين المحافظ بعد حكم حزب العدالة والتنمية لمدة عشر سنوات، حتى استنفذت الأحزاب دورتها ما بين إدارية ويسارية وإسلاموية، وما بين فترات حكم تلك المرجعيات، كان رصيد الأحزاب يتآكل دون تجديد يذكر من داخلها، وهكذا شاخت الأحزاب وفقدت الاجيال الجديدة ثقتها في المشاركة السياسية.
أما المجتمع المدني فقد انطبق عليه المثل الذي يقول ” كثرة الجمعيات بلا فايدة”، كما أن النزعة النفعية التي طالت مسارات اشتغالها رغم محدودية تدخلاتها، قد جعل دورها خافتا وبدون تأثير أو تاطير كبير يعود على الأجيال المستفيدة بالنفع العام الذي كان من المفروض أن يكون لها كوظيفة.
ومع تفاقم المشاكل ذات الطابع التنموي، وزيادة حدة الفقر، وتفاقم الهوة الطبقية بين طبقتين إحداهما منتفعة بقربها من السلطة، وأخرى ذات قاعدة عريضة تعيش الهشاشة والفقر والبطالة في صفوف شبابها، تولد لدى هذا الجيل الجديد شعورا بالحقد الطبقي، وإحساسا عميقا بالتهميش والإقصاء ومن أي مشاركة فعلية في مشاريع التنمية المستدامة.
هذا الواقع السوسيو-اقتصادي وتلك الاشكاليات المرتبطة بالمعيش اليومي للمواطن المغربي حرك موجة الغضب على شكل حراك دعت إليه شبيبة عبر منصات تواصلية خرجت للشارع تحت مسمى جيل Z ، ونادت بإصلاح منظومة التعليم وإصلاح القطاع الصحي بل ذهبت إلى حد المطالبة بإسقاط الحكومة.
وهكذا أصبحت الدعوة موجهة مباشرة إلى رأس الدولة أي إلى ملك البلاد، تنتظر منه اتخاذ إجراءات ملموسة للقضاء على الفساد الذي أصبح شعار العادي والبادي تحت يافطة” الشعب يريد إسقاط الفساد”.
تلك المطالب تعد مشروعة ومقبولة، ولكن الذي لم يكن مألوفا هو أن يتم توجيه النداءات عبر منصات التواصل الاجتماعي مباشرة إلى القصر الملكي، وهذه ظاهرة تضع النظام السياسي أمام فورة الشارع، وهذا الأسلوب الجديد في الاحتجاج يسائل دور مؤسسات الوساطة التي كانت بالأمس تمتص غضب الشارع وتحركه بتأطير حزبي أو نقابي يشتغل داخل المؤسسات الدستورية وعبر قنوات تصريف الاحتجاجات التي أصبحت اليوم متجاوزة.
التعليقات