خديجة منصور
في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز دور المغاربة المقيمين بالخارج في مسيرة التنمية الوطنية، أطلق الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء (6 نوفمبر 2024) دعوة لإعادة هيكلة المؤسسات المعنية بشؤون الجالية المغربية، وعلى رأسها مجلس الجالية المغربية بالخارج. تأتي هذه التوجيهات في وقت تشهد فيه الجالية المغربية تحولات كبيرة على مختلف الأصعدة، ما يستدعي تكييف آليات العمل داخل هذه المؤسسات لتواكب التطورات المتسارعة وتستجيب لتطلعات الجالية.
تأسس مجلس الجالية المغربية بالخارج بموجب الظهير الملكي رقم 1.07.208 بتاريخ 21 ديسمبر 2007، بهدف تمثيل المغاربة المقيمين في الخارج والتفاعل مع قضاياهم وتحدياتهم. ورغم الدور الحيوي الذي كان ينتظر من المجلس في ربط الجالية بوطنها الأم، فقد وجهت للمجلس انتقادات عديدة بسبب تراجع فعاليته في التواصل مع المغاربة في الخارج، وعدم قدرته على التأقلم مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها مغاربة العالم على مدار السنوات.
تعد الجالية المغربية بالخارج من العوامل المحورية في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمغرب. على الصعيد الاقتصادي، تسهم تحويلات المغاربة في الخارج بنسبة كبيرة في دعم خزينة الدولة، إذ تعتبر مصدرا مهما للعملة الصعبة، وتساهم في دعم مشاريع التنمية المجتمعية، كما تظل الجالية المغربية عاملا رئيسيا في دعم المبادرات الخيرية والمشاريع التنموية في مختلف المناطق المغربية، من جانب آخر، تساهم الجالية في تعزيز التبادل الثقافي والاجتماعي بين المغرب والدول المستقبلة، مما يعزز التنوع الثقافي داخل المجتمع المغربي.
وتلعب الجالية دورا محوريا في تعزيز صورة المغرب في الخارج، خاصة في الدفاع عن القضايا الوطنية، كما أنها شريكا مهما في تعزيز العلاقات الثنائية بين المغرب والدول التي يقيمون فيها، مما يساهم في دعم المصالح الوطنية على الصعيد الدولي.
وفي ظل هذه الأدوار الحيوية التي تقوم بها الجالية المغربية، تتجه الأنظار الآن نحو تفعيل التوجيهات الملكية التي تتضمن إصلاحات جذرية لمجلس الجالية المغربية بالخارج. وتهدف هذه الإصلاحات إلى تصحيح مسار المجلس وتطويره ليصبح مؤسسة فاعلة قادرة على مواجهة التحديات المتزايدة التي تواجهها الجالية. من بين الإصلاحات المنتظرة استقطاب كفاءات جديدة ومتخصصة، بهدف ضمان وضع سياسات استراتيجية تلبي احتياجات المغاربة في الخارج. كما سيتم توسيع قاعدة التمثيل داخل المجلس لتشمل فئات متعددة، خصوصا من الشباب، بما يضمن أن تعكس السياسات والتوجهات تطلعات الأجيال الجديدة.
كما يهدف المجلس إلى تطوير آليات تواصل أكثر فعالية مع الجالية، من خلال نشر تقارير دورية حول الأنشطة والمشاريع، ما سيساهم في تعزيز الثقة والتفاعل مع المغاربة المقيمين في الخارج. إن هذه الخطوة ضرورية لتعزيز الشفافية والارتقاء بأداء المجلس ليكون أكثر قربا وفاعلية في التعامل مع قضايا الجالية.
إجمالا، تهدف الإصلاحات التي دعا إليها الملك محمد السادس إلى تحويل مجلس الجالية المغربية إلى مؤسسة حيوية قادرة على الاستجابة لتحديات الجالية المغربية، والاستفادة من إمكاناتهم في المساهمة في التنمية الوطنية، وفي وقت تتغير فيه معطيات الهجرة واحتياجات المغاربة في الخارج، تبقى هذه الإصلاحات فرصة لتطوير كذلك آليات تواصلية وتنظيمية أكثر مرونة وفعالية، بما يضمن تعزيز دور الجالية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
إن إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج لا تمثل مجرد خطوة إدارية عابرة، بل هي فرصة لإعادة رسم علاقة الجالية بوطنهم الأم، وإشراكهم بشكل أكبر في بناء مستقبل المغرب، حيث سيظل الأمل معقودًا على هذه الإصلاحات لتوطيد هذه العلاقة وتحقيق تنمية مستدامة ترتكز على التشارك بين المغاربة في الداخل والخارج.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=21175