2 أغسطس 2025 / 14:47

المراجعات: تبعات العقلية العسكرية على الحركات الإسلامية

إلياس بلكا. باحث مغربي

مثال ذلك أن حسن البنا رحمه الله أسّس الإخوان المسلمين، وكان جسماً مَدنيا ضخما ونشطاً، لكنه ما لبث أن أسّس الجهاز الخاص الذي كان غلطة عمره، وهو تنظيم عسكري سرعان ما تمرّد على الشيخ وقتل القاضي الخازندار ورئيس الوزراء النحاس. حتى اضطرّ البنّا إلى التبرّي منهم وكتب البيان الشهير: ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين.

واستمرّ الجهاز الخاص يعمل بشكل شبه مستقلّ حتى تورّط في محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في حادث المنشية عام 1954 بعد انهيار العلاقات بين الإخوان والجيش. وهذا أمرٌ تُنكره أدبيات الإخوان بشدة، لكن من حق الجيل الحالي أن يعرف الحقيقة: فعلاً حاول الجهاز الخاص اغتيال عبد الناصر الذي بطش بالإخوان بعدها بطشاً لا رحمة فيه ولا عدل.

لا أدافع عن عبد الناصر، وقد كتبتُ مراراً في ذمّ العسكر والانقلابات. ظاهرة الانقلابات العسكرية منذ بدأها ضباط سوريا ومصر كارثة من أعظم الكوارث على الوطن العربي والإسلامي. وعبد الناصر في النهاية هو الذي قاد مصر إلى أكبر هزيمة أمام إسرائيل.

لكن يجب على الشباب أن يعرفوا الحقيقة، وهي أن الجهاز حاول اغتيال عبد الناصر.

ثم سيطر الجهاز الخاص على الإخوان وكان معظم قياداتهم منه، وهي قيادات ضعيفة جدا كما كتب عنها النفيسي من 40 سنة.

لكن منذ الستينيات صفّى الإخوان الجهاز الخاص وتبرؤوا منه ومالوا إلى السلمية التامة. هذا أيضا يجب الاعتراف لهم به، وعدم استغلال أحداث من 70 سنة لمطاردتهم بسببها.

************************

إذا كان الجهاز الخاص قد قام بدور سلبي في تاريخ الإخوان بمصر، فإن جهازاً شبيهاً قام بعمل أخطر بسوريا، وكان وبالاً على الإخوان المسلمين، ألا هو: الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين والذي أسّسه مروان حديد غفر الله له ورحمه. تقوم فلسفة هذا التنظيم على أنه لا سبيل للتعامل مع النظام الطائفي بقيادة آل الأسد إلا بالقوة. وما لبث مروان حديد أن جرّ وارءه الإخوان كلهم، وقاموا بعمليات كالهجوم على كلية المدفعية بحلب.. ووجدها النظام الحقير لحافظ الأسد فرصةً مثالية فدكّ حماة وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، واغتصبوا الآلاف، وسجنوا أضعاف ذلك.. وقتلوا معظم السجناء بتدمر وكانت مصائب كبرى لا تزال تعاني سوريا منها إلى الآن. هي صفحة سوداء من تاريخ الشام يتحمّل مسؤوليتها الأولى نظام المجرم الأسد وعصابته، لكن هذا لا يُنفي مسؤولية الإخوان أيضا، خاصة مروان حديد وصحبه.

2- هل استفاد الناس من هذه التجارب؟ لا، فبعدها بعقد من الزمان، ربحتْ جبهة الإنقاذ الانتخابات بالجزائر، ويا ليتها ما اكتسحتْ الانتخابات واكتفتْ بجزء من الانتصار، لكنهم لم يضعوا حساباً للطبقة الحاكمة ومصالحها ولا حساباً للقوى الكبرى. فألغى العسكر الانتخابات، وكانت فتنة. وكان يُفترض الصبر والتعامل بحكمة وسياسة مع هذا الجديد، لكن الدولة استطاعت جرّ جبهة الإنقاذ إلى ميدانها المفضل: السلاح، فانخرط بعض شباب الفيس (أي الجبهة) في حرب تطوّرتْ إلى حرب “أهلية” ذهب ضحيتها ربع مليون جزائري، الله يرحمهم ويتقبّلهم عنده. يتحمّل بعض جنرالات الجزائر المجرمين المسؤولية الأكبر في هذه المذبحة، لكن تبقى مسؤولية معيّنة لعباس مدني وعبد القادر حشان وعلي بلحاج.. وقيادات الفيس، رحم الله من مات وفرّج عمّن بقي. كانت قصة الإنقاذ في التسعينيات قصة حزينة ومؤلمة، ولا تزال بعض آثارها قائمة إلى اليوم.

***********************

استطاعت قيادات الإخوان إنهاء الجهاز الخاص تماماً.. لكن لم يكد يمضي عقدٌ واحد من الزمان حتى انشقّ عن الإخوان تنظيم جديد لجأ لرفع السلاح في وجه الدولة المصرية، ألا وهو تنظيم الجهاد بحسب التسمية الإعلامية، أما هم سمّوا أنفسهم: الجماعة الإسلامية. فدخلوا في مواجهات واسعة مع النظام الحاكم بمصر واستطاعوا إصابة السياحة في مقتل بالهجوم على السيّاح.
لكن أكبر المصائب التي جلبها التنظيم على نفسه وعلى مصر هي اغتيال الرئيس أنور السادات رحمه الله. نعم للسادات أخطاؤه، لكنه هو الذي أخرج الإخوان من السجون وسمح لهم بالعمل.. لم يكن السادات رجلاً سيئاً، كان فيه بساطة وشيء من التديّن، ولم يترك شيئا في إرثه. لم يكن الشيخ كشك يُجامل فقط حين كان يلقّبُه بــ: الرئيس المؤمن. ويحكي الشيخ التلمساني مرشد الإخوان أموراً عن إيمان السادات وأن فيه خيراً. المهم إذا كان قد أخطأ بعقد معاهدة “سلام” مع إسرائيل، فلم يكن من الحق ولا من العدل ولا من السياسة اغتياله رحمه الله في العرض العسكري في ذكرى انتصار أكتوبر.
غفر الله لخالد الإسلامبولي، قتل السادات فجاء من هو “أسوأ” منه.. لماذا قتل السادات؟ ليس من حقه.. هل يأتي أيّ واحد من الناس ويغتال من شاء؟
كان ضحايا المواجهة بين الجماعة والدولة مئات الضحايا رحم الله الجميع.
لكن إحقاقاً للحقّ نسجل هنا أن الحركة الإسلامية ربما الوحيدة التي قامت بمراجعة شاملة وصادقة لفكرها وبرنامجها هي الجماعة الإسلامية، فاعترفتْ بأخطاء المرحلة، وصحّحتْ مسيرها. بل منذ أسابيع قليلة عملوا مراجعة سياسية شاملة وقدّموا نتائجها في مؤتمر علني.
غفر الله لنا جميعا ورحمنا.. فإنما هي فتن كقطع الليل المظلم كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام.

***********************

العنوان الأصلي للمذكرات (7 و8): جناية العَسكرتارية على الصحوة الإسلامية المعاصرة

المصدر: رابط صفحة الكاتب على فيسبوك: https://www.facebook.com/ilyassbelga