محمد علي لعموري
اثنتان وعشرون من الحكم، ما يربو عن عقدين من القيادة الرشيدة في عهد الملك محمد السادس، ملك طبع بصمته في سجل المنجزات الكبرى ذات الوقع الكبير وطنيا، اقليميا، قاريا ودوليا.
لا يتسع المجال هنا لتقديم سردية المنجزات التي حللتها كتب كثيرة طيلة هذا العقد الأخير بتفصيل، ولكن ذكرى تربع محمد السادس على عرش أسلافه الأمجاد، هي محطة لتقديم شهادة حق دونما تحيز حدي يكرس مبدأ الثالث المرفوع – إما وإما – فما هكذا يتم النظر إلى الأمور ، بل هناك تحولات كبرى في العالم يتحرك وفقها المغرب بثبات دون تماطل يدحرجه بعيدا وراء الركب، ودون تهافت يسقطه في شر الاستعجال، خاصة وأن الملكية بالمغرب ذات ركائز متينة ضاربة في القدامة والتاريخ، ولها دربة وحنكة في مواءمة عبق التاريخ برياح الحداثة.
مع الملك محمد السادس بدأت مسيرة ملك شاب ترك له الحسن الثاني مهمة ثقيلة، وإرثا في الحكم، وملفات تحتاج إلى الحل وإلى مخارج عملية.
جاء محمد السادس إلى العرش وفي مشهدنا السياسي تجربة فتية للتناوب على السلطة، فالتقت تلك التجربة بالمفهوم الجديد للسلطة لتصنعا معا نسيجا جديدا يقطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، بتجديد النخب، وتكريس انفراج سياسي بطي صفحة الماضي واعتراف الدولة بأخطاء الأمس مع جبر الضرر وإنصاف الضحايا ومصالحة المغاربة مع الدولة ومع السلطة ومع أسلوب الحكم القمعي الذي باشره عقودا وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري.
هذا الانفراج السياسي ما كاد يهنأ به المغرب حتى جاءت العملية الإرهابية لعام 2003 بالدار البيضاء التي أعادتنا للمربع الأمني باعتقال المتورطين وغير المتورطين، ولعل هذا التجاوز كان باعتراف صاحب الجلالة في إحدى خطبه.ثم جاءت سنة الحسم مع أول اختبار حداثي يهم الأسرة المغربية والمرأة المغربية، ففي عام 2004، خرجت أول مدونة للأسرة متقدمة عن سابقتها غير المأسوف عليها التي كانت تسمى مدونة الأحوال الشخصية.
بعد ذلك ستشرع الدولة في وضع نموذج تنموي يروم النهوض بالأحوال السوسيو-اقتصادية للمغاربة، لكن للأسف وبعد سنوات، سيتم الإعلان عن قصور وأعطاب في تنزيله على الأرض، وفي تأثيره إيجابيا على الأحوال المعيشية للمغاربة بدليل اتساع رقعة الفقر، واتساع الهوة بين الفقراء وهم أغلبية والأغنياء وهم نخبة صغيرة تتحكم في الثروات دون أن يعكس هذا الواقع سوى الحقد الطبقي!
انطلقت الأوراش الكبرى الرامية إلى تعزيز وتجويد البنية التحتية، وبناء اقتصاد قوي من شأنه النهوض بالوضع الاجتماعي وتكريس السلم الاجتماعي قبل أن تأتي رياح الثورات العربية عام 2011، فجاء دستور 2011 استجابة لطموح المغاربة في اقتسام السلطة، وتكريس العدالة الاجتماعية، وتعزيز الحريات، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
مرت أجواء الحراك الشعبي( حركة 20 فبراير) بسلام، فضمن المغرب مرة أخرى استمرارية مؤسساته قوية دون أن تهزها أعاصير الفوضى الخلاقة.
ودون الذهاب بنظرية المؤامرة إلى مداها البعيد، فقد كان لسقوط الأنظمة العربية ببعض دول الجوار وقع الكارثة دون أن تحقق تلك الثورات سوى فشل الدولة وسقوط الأنظمة وانبعاثها من جديد وفي ثوب جديد.
أدرك المغرب لعبة الأمم وتكالب الأطماع ومؤامرات الخارج دون إغفال غضب الشارع، فباشر إصلاحا دستوريا، وصعدت المعارضة الإسلامية إلى السلطة لتحكم وفق دستور 2011 إلى جنب المؤسسة الملكية.
أما على المستوى الافريقي فقد استطاعت الديبلوماسية الملكية بثقلها السياسي وتأثيرها الديني العودة إلى الإتحاد الإفريقي وملء مقعدها الفارغ منذ عقود الشيء الذي كان له تأثير إيجابي لصالح قضيتنا الوطنية الأولى: الصحراء المغربية المتنازع بشأنها مع جبهة بوليزاريو صنيعة الجزائر والمسمار الغادر المزروع بخاصرة المغرب والمعطل للإتحاد المغاربي.
كان لتحرك المغرب في السنوات الأخيرة ديبلومسيا باتجاه سحب البساط من تحت أقدام خصوم وحدتنا الترابية، دور صاعق وماحق جعل عددا من الدول تسحب اعترافها بالجمهورية المزعومة، وبتحرير معبر الكركرات، مع فتح عدد من الدول قنصلياتها بمدن صحراوية مثل العيون والداخلة، وبالإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، يكون المغرب قد دك حصون المناورات الخفية التي تحاك ضد وحدتنا الترابية.
فعلى طول عقدين من الزمن تمكن المغرب بفضل جهود كافة الفاعلين حكومة وسلطات أمنية ومخابرات بقيادة حكيمة رزينة لملك له رؤية وإرادة قوية من أجل البناء والتغيير، أن نحفظ السلم الاجتماعي والأمن القومي، خاصة وأن يقظة الأجهزة الأمنية وأجهزة مخابرات المغرب ساهما بشكل فعال في تفكيك خلايا إرهابية عديدة جنبت المغرب أسوأ السيناريوهات، كما أن جائحة كورونا قد أبانت عن معاطب سوسيو-اقتصادية كانت مخبأة وخفية، الشيء الذي جعل الملك يطلق مشروع نظام الحماية الاجتماعية الذي يروم توسيعها لتشمل جميع المغاربة خاصة الفئات التي تشتغل في القطاع غير المهيكل.
كل هذه الانجازات الكبرى، وهذه الاوراش المفتوحة لا تمنع عنا القول أن المغرب مازال يتلمس طريقه نحو تحقيق العيش الكريم لجميع المغاربة دون استثناء، وتقليص الفوارق الاجتماعية وما أوسعها ! والنهوض بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للمغاربة، ولعل هذا هو ما تضمنه النموذج التنموي الجديد الواعد الذي تقدم به شكيب بنموسى أمام أنظار الملك والذي سيكون من رهانات المرحلة المقبلة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15270