عبد الرزاق سماح ـ كاتب في الفكر والجماعات الإسلامية
لقد كانت هناك أجندة محددة لتنفيذ حماقة قد تجر المنطقة إلى آتون الحرب، حيث نسق “ولد البلال”(من قادة المرتزقة الجدد) مع الجنرال “توفيق” المفرج عنه بالجزائر، و الجنرال “مجاهد” المستشار بقصر الرئاسة، للدفع بالمواطنين المحتجزين في تندوف من أجل إغلاق معبر الكركرات كخطوة أولى، و منها إلى توطين أكبر عدد ممكن من الصحراويين في مخيم على الشاطئ، و بعدها البدء في تأسيس النواة الأولى لدولة هناك، و إنشاء ميناء و ثكنة و مؤسسات، و انتهاء بإعلان قيام الدولة الصحراوية و إجلاء اللاجئين من مخيمات تندوف إلى المخيمات الجديدة، و بالتالي إزاحة قضية البوليزاريو عن صدر الدولة الجزائرية كي تتحقق المصالحة بين النظام الجزائري و الشعب الجزائري. لكن الجنرالين “توفيق” و “مجاهد” لم يتوقعا أن يتحرك المغرب بذلك الدهاء وبتلك السرعة، الدليل أن بيان الخارجية الجزائرية كان مرتبكا، ودعا إلى ضبط النفس بين الطرفين وكأن الجزائر تتبرأ مما فعله الصحراويون.
لقد أكدت أحداث الكركرات الأخيرة بدون شك أن حكام الجزائر الجدد من العسكر فقدوا بوصلة الاتجاه السياسي والعقل التدبيري لمشكل الصحراء المغربية، وقد حاولوا السنة الماضية في المنطقة ذاتها باستعمال مرتزقتهم لشن البلبلة في الممر الحدودي بين المغرب والشقيقة موريتانيا، لكن التجربة والحنكة المغربيتين في الديبلوماسية والعلاقات الدولية أفشلت المحاولة بدون تدخل عسكري، بل جعلت الأمم المتحدة تتكلف بالموضوع.
وما فعله المغرب يوم الجمعة 13 نوفمبر 2020 قد حطم كل التهديدات الجزائرية دون أن يطلق رصاصة واحدة، بحيث فتح معبر الكركرات في ظرف لحظات معدودات، هذا الحدث صنفته الفيفا كأسرع هدف عسكري في تاريخ جيوش العالم. ففي الوقت الذي أحرقت فيه الجزائر مواطنين صحراويين وفرقت الرصاص الحي على الباقين وهي فقط تحاول نهيهم عن نبش الأرض وعدم البحث عن عروق الذهب…، أظهر الجيش المغربي نوعا من النضج القتالي الذي حصل عليه من مشاركات فيالقه في التدخلات الدولية للجيوش الأممية بمناطق النزاعات، فعاد المعبر للاشتغال من جديد تتدفق عبره السلع، فأثبت المغرب استعداده لكل الاحتمالات من خلال الطريقة التي دبر بها الخروج للسيطرة على الكركرات، والانتشار المدروس لعناصره.
لقد مسح المغرب في ربع ساعة من خروجه العسكري كل تلك الصورة النمطية عن الحرب الدبلوماسية النفسية التي خاضتها قيادة الجزائر ضد المغرب طيلة سنوات، ففتح ممر الكركرات لم يكن حدثا تقليديا، لأنه غير الوقائع على الأرض بعد أن تغيرت دبلوماسيا واقتصاديا فيما قبل، بدأَ من فتح القنصليات وتوطين الشركات والمؤسسات الدولية وصولا إلى الرؤى الاستراتيجية العامة بالمنطقة ككل…
فالنجاحات المتتالية التي حققتها الدبلوماسية المغربية ابتداءً من توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية والروحية والأمنية مع دول أفريقيا الغربية الناطقة بالفرنسية، من خلال الزيارات الملكية المتعددة، أذهبت عقول حكام الجزائر الجدد من العسكر.
ثم جاء الرجوع المظفر للمغرب لمنظمة الاتحاد الأفريقي تتويجا لجهوده الاقتصادية التنموية لصالح كثير من دول أفريقيا، وبَعدها الاختراق الدبلوماسي لدول شرق أفريقيا الناطقة بالإنجليزية، هذه الدول التي كانت سندا لمرتزقة الجزائر كتانزانيا وكينيا ونيجيريا وجنوب افريقيا وأثيوبيا، حيث كان المدخل الاقتصادي التنموي بوابة للاستراتيجية المغربية لتحسين العلاقة الدبلوماسية مع هذه الدول، التي في النهاية أعادت الرؤيا في علاقتها مع الجزائر المحتضنة لمرتزقة البوليزاريو، وتغير موقفها من قضيتنا الوطنية.
ثم جاء موقف الرئيس الجنوب إفريقي “رامافوزا” عندما قال خلال القمة الإفريقية الأخيرة بأنه يؤيد القرار 693 الصادر عن قمة نواكشوط سنة 2018، ويدعم الجهود الحصرية للأمم المتحدة في الملف، مع إنشاء آلية “الترويكا” لمساندة الجهود الأممية… فهو لم يقصد أن الأمم المتحدة تمتلك رؤيا لحل الخلاف، و لكن كان يقصد أن يوجه إلى بعض العواصم خطابا واضحا و في مقدمتها الجزائر، بأن دولة جنوب إفريقيا ستبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، و أن مواقفها ستخدم في المستقبل شعب دولة جنوب إفريقيا، و أن لا مزيد من المعارك التي لا تخص شعبها.
فموقف الرئيس الجنوب إفريقي لم يفاجئ العارفين بالوضع، ولا يعتبر زلزالا دبلوماسيا، لأن بوادر الموقف ظهرت منذ رئاسة جنوب إفريقيا الأخيرة لمجلس الأمن، و التي جعلتها تكتشف الحقائق الخفية بعد عجزها عن إدراج مناقشة القضية الصحراوية و رفض الأعضاء لها، مما أكد لـ “رامافوزا” أن بلاد “مانديلا” أضعف من أن تقف ضد المغرب و تواجهه دوليا، و أن المستقبل و مصلحة العالم توجد إلى جانبه، و أن كبار مجلس الأمن هم أصدقاء المغرب و حلفاءه الحقيقيون، وأن الدولة التي ترأس مجلس الأمن لا يهم من تكون لأنها مجبرة على التقيد بأجندة المجلس و رأي الخمسة الكبار داخل المجلس.
وكشف الحدث أيضا كيف أن دولا أوروبية ودولا من غرب وشرق وشمال إفريقيا دعمت وصفقت للقرار المغربي، وشاهدنا كيف أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تتردد في الوقوف معنا بفتح قنصلية الامارات في مدينة الداخلة، وكيف أن جنوب إفريقيا دعت إلى ضبط النفس والالتزام بالشرعية، أما دولة أمريكا فدعمت خطواتها بالاعتراف بمغربية الصحراِء وفتح قنصلية لها في مدينة الداخلة، كما دعم أصدقاء الجزائر بالأمس فنزويلا وكوبا موقف المغرب.
وأصبح جميع قادة الدول يفكرون مثل “منصف المرزوقي” الرئيس السابق لدولة تونس، والذي صرح بأنه يفضل تقديم مصلحة 100 مليون مغاربي، على مصلحة 200 ألف صحراوي، وهو نفس رأي الدولة التونسية التي أوكلت لـ”المرزوقي” الإفراج عن موقفها بالنيابة لوسائل الإعلام، و دعم الرباط و تجنب القيام بذلك بشكل رسمي حتى لا تغضب الجزائر.
رب ضارة نافعة:
نحن اليوم أمام واقع جديد يؤكد أن المغرب حسم ميدانيا هذا الجدال، وحصل على الأرض بشكل قاطع ونهائي، ورد الأمر إلى حالته الأصلية التي كان عليها من قبل، وأكد أن المغرب يسترجع أمجاده وتاريخه العريق الذي يناهز 1200 سنة، والدول الكبرى مقتنعة بما فعله المغرب، والدليل أن قناة CNN الأمريكية استضافت سفير المغرب في الأمم المتحدة “عمر هلال” ومنحته الوقت الكامل ليشرح وجهة نظر الرباط ومنطقه الذي بدا أنه أقنع العالم، مما يفيد أن الرباط أصبحت الآمر الناهي في هذا الملف، وأنها تشير إلى أن أي مفاوضات مستقبلية ستكون مع الجزائر، هذه الأخيرة التي أهدت المغرب أحسن هدية لهذه السنة وكما يقول المثل: رب ضارة نافعة…
المصدر : https://dinpresse.net/?p=12888
Benhaddoucheمنذ 4 سنوات
Si la vérité 100/100