ذ. محمد جناي
الإسلام دين عظيم يتضمن الكثير من الآداب الشرعية والمصالح الدينية التي تكون سببا في توثيق العلاقات وثبوت الروابط الأخوية بين أفراد المجتمع الإسلامي، خاصة وأن هذا الدين ينتشر في كافة بقاع الأرض وبين مختلف الشعوب، مما يحتم الاتصال بين أفراد تلك الشعوب، وهذا يعني أن هناك العديد من العلاقات التي لابد أن يقيمها الإنسان كفرد من أفراد أمة الإسلام.
العلاقات الإنسانية وجدت منذ وجد الإنسان، إلا أنها كانت بسيطة غير معقدة، نظرا لعدم تعقد مشكلات الحياة ، ومن الخطأ القول بأن تطبيق عناصر العلاقات الإنسانية ومبادئها وتحقيق أهدافها كانت نتيجة من نتائج الثورة الفرنسية أو أبحاث «إلتون مايو »، بل إن التطبيق العملي للعلاقات الإنسانية بمعناها الشامل، سواء فيما يتعلق بإعداد الفرد أو المجتمع، تحقق بمجيء رسالة الإسلام، فالإسلام بمبادئه وتعاليمه نقى النفوس من دخائل السوء و طهر القلوب من نزعات الهوى، وأقام من أفراده بناء شامخا راسخا لمجتمع متناسق، لا تنال منه الانحرافات الفاسدة التي يتصادم فيها الناس فتعوق سيرتهم وتوقع العداوة والبغضاء بينهم، حيث تتنازعهم الرغبات المتخالفة وتتقاذفهم الشهوات.
ومن هنا يتضح لنا أن الإسلام جاء ليوجه الإنسان إلى خلق الشعور الجماعي في ذاته، ليتجاوب مع المجتمع ويحس بإحساسه، فذلك الشعور المطلوب، سيجعل منه عضوا ملتحما مع الكيان العام للأمة الإسلامية ، أشبه بالعضو في الجسد يسلم بسلامته ويعطب بعطبه، حيث عمل الإسلام على غرس قيم الحب والإخاء والإيثار والوفاء والصدق والأمانة في نفوس المسلمين.
وعرف جرادزينس العلاقات الإنسانية : “بأنها ذلك العلم الذي يستمد أصوله من علم النفس وعلم النفس الاجتماعي، والذي يهتم على وجه الخصوص بالمشكلات الإنسانية التي تظهر في محيط التنظيمات الكبيرة، عامة كانت أم خاصة ، وذلك من واقع الاعتقاد بأن العوامل الإنسانية والشخصية وغير الرسمية تمارس تأثيرا حاسما على الكيفية التي يتحقق بها الأداء ، وبالتالي على كل مايمكن أن يتمخض عنه من نتائج في النهاية “.
لهذا تلعب العلاقات الإنسانية دورا مهما في العمل الإداري ، لأنها من الأدوات الرئيسية في التوجيه، وهي تعتمد على طبيعة السلوك الإداري في تقدير كل عامل وتنمية مواهبه وإمكانياته وخبراته، وهو سلوك يقوم على الاحترام المتبادل بين المديرين والمنفذين وبين العاملين بما يحقق التفاهم والشعور بالانتماء إلى المنظمة مع إعادة توجيه سلوكهم الفردي والجماعي على أساس قيم ودوافع وأنماط قيادية فضلى وظروف عمل مثالية.
ونجاح القائد الإداري في العلاقات الإنسانية مرتبط بمدى قدرته على كسب احترام فريق العمل ،مما يتطلب منه أن يكون قدوة حسنة وصالحة لهم، كما يتوقف على حرصه على إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية وأسلوبه في توجيههم وتصويب أخطائهم وحسن التعامل معهم، ومن أروع توجيهات الله سبحانه وتعالى للإنسان قوله تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن” سورة النحل، وقد دعا الإسلام إلى حسن المعاملة والتعاون كما جاء في قوله تعالى :” وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” سورة المائدة.
ويوضح لنا تاريخ الفكر الإداري المعاصر أن الاهتمام بالعلاقات الإنسانية جاء كرد فعل لحركة الإدارة العلمية في بداية القرن العشرين، والتي كانت تهتم بجانب الإنتاج ورفع معدلاته، ولا تعطي كبير اهتمام لحالة العاملين النفسية ولا تعاملهم كبشر لهم كرامتهم واحترامهم ، بل تعتبرهم عاملا آخر من عوامل وأدوات الإنتاج، ومن ثم فالعلاقات الإنسانية ليست مجرد وسيلة لبناء مجتمع متعاون فعال ، بل هي هدف في حد ذاتها.
ويقول« كلارنس أ . نسول» في هذا الصدد : ” إن العلاقات الإنسانية الجيدة تعترف بأهمية الحقيقة ( الناس والأشياء والعلاقات كما هي )، فالعلاقات الإنسانية تستند إلى الحياة كما هي ، لا على رؤيا مثالية عن أناس طيبين دوما، فعلى الرغم من أن في العالم جمالا وطيبة ومتعة ، إلا أن فيه أيضا قباحة وحقارة وتعاسة، وواجب الإداري هو أن يعمل مع العالم كما هو “.
وتمثل العلاقات الإنسانية إذن دورا بارزا في إثارة دوافع العاملين في أي تنظيم ، لتحقيق أعلى كفاية وفاعلية في الأداء ، وتعتمد العلاقات الإنسانية الجيدة على شعور الأفراد العاملين نحو بعضهم البعض، وشعورهم نحو رؤسائهم ونحو العمل نفسه، حيث يتحدد مستوى كفاية الأداء لأي مؤسسة على نوعية العلاقات السائدة فيها، وتعد العلاقات الإنسانية أحد أهم العوامل المهمة في الإدارة ، فالقدرة على العمل مع الآخرين والتفاهم معهم بأسلوب هادف وطريقة سليمة هي من السمات المميزة للشخصية الإدارية الناجحة ، وبخاصة في ميدان التربية والتعليم.
وفي هذا الاتجاه، ظهرت مدرسة العلاقات الإنسانية كرد فعل للمدارس الكلاسيكية، والتي افترضت أن الحوافز المادية هي ما يهم العاملين وبالتالي أهملت العوامل الاجتماعية والإنسانية، وهذا النوع من الفكر الإداري التقليدي ساد خلال مرحلة من مراحل تطور علاقات العمل، كما يسيطر عليها الفكر التنظيمي العلمي الذي يهتم بترشيد الأساليب والطرق والهيكل التنظيمي أكثر مما يهتم بالعنصر البشري، وهذه من سلبيات نظريات البيروقراطية والإدارة العلمية، فبينما تركز النظرية البيروقراطية ونظريات التقسيم الإداري على الجانب الهيكلي، وتركز المدرسة العلمية على الجانب الإجرائي، فإن مدرسة العلاقات الإنسانية تركز على جانب مهم ومكمل للجوانب الأخرى، وهو الإنسان، وبذلك تعتبر هذه المدرسة إضافة جديدة للمدارس الثلاث السابقة وليست بديلا لها.
تهتم مدرسة العلاقات الإنسانية إذن بالعامل الإنساني في الإدارة، وتعطيه اهتمامها الرئيسي، فيقول رواد العلاقات الإنسانية إن الإدارة ماهي إلا مجموعة من الأفراد، وأن الخلية الأساسية فيها هو الفرد ذاته، ومن هنا يجب أن نعطي الاهتمام الأول في دراسة علم الإدارة لذلك الفرد ومتطلباته وسلوكه، كما يجب الاهتمام بعنصر العلاقات الإنسانية بين الأفراد العاملين في المنظمة بمختلف مستوياتهم وتخصصاتهم ومواقعهم في العمل، ولا سبيل إلى تقدم ورقي الإدارة وانتظام سيرها ورفع مستوى الأداء بها مالم نهتم بالفرد الذي يحرك تلك الإدارة ونوفر له الجو المناسب الملائم.
ويتفق الباحثون في مجال العلاقات الإنسانية على أن أهم الأسس التي تقوم عليها العلاقات الإنسانية في الفكر الإداري المعاصر تتلخص فيما يلي:
أولا: العلاقات الإنسانية الجيدة هي نتيجة لاستخدام الإداري لخبرته وتقديره الصحيح للأمور، وتطبيقه للمبادئ العامة للعلوم الإنسانية مثل علم النفس وعلم الاجتماع وغيرهما من العلوم السلوكية.
ثانيا: مشاركة العاملين في اتخاذ القرارات ضرورة في معظم الأحوال للكفاية الإنتاجية، ولإشباع الحاجات الإنسانية، فالعاملون عندما تتاح لهم الفرصة للاشتراك بآرائهم في النواحي المتعلقة بأعمالهم يجعلهم أكثر حماسا وتفانيا في العمل.
ثالثا: مهارة التواصل التي تعتبر كالجهاز العصبي للمنظمة ووجود عوائق تعرقل الاتصال وتبادل البيانات داخل التنظيم ينتج عنها خفض التنظيم لتحقيق الأهداف.
رابعا : روح الفريق عنصر أساسي، فالتعاون وروح الفريق يتحققان معا، وكل منها يؤدي إلى تحقيق الآخر في المواقف التي يعمل فيها الأفراد لتحقيق أهداف مشتركة.
خامسا: دوافع العاملين متعددة، على خلاف نظرة الإدارة العلمية في بدايتها التي كانت تعتبر أن الحافز الاقتصادي هو الحافز الوحيد، فرضاء الأفراد وارتباطهم بأعمالهم لا يتوقف على الجانب الاقتصادي وحده، إذ أن الشعور بالتقدير والشعور بالانتماء والمشاركة تؤدي هي الأخرى إلى رضا العاملين، وتتوقف معنويات العاملين وسعادتهم على الظروف الاجتماعية والنفسية في مكان العمل بجانب العوامل الاقتصادية.
سادسا: مهارات العلاقات الإنسانية يمكن تنميها لدى العاملين بالتعليم والتدريب.
سابعا: دراسة قوة النقابات العمالية على حقيقتها ودرجة ذكاء قادتها.
وخلاصة مدرسة العلاقات الإنسانية أنها تعتبر الإنسان محور العملية الإدارية ، وأنه العنصر المهم في الإنتاجية ، كما أنها تهتم بالروح المعنوية للعاملين.
ولهذا نجد نظرية العلاقات الإنسانية في تحليلها للإدارة تعتمد على أن العلاقات الإنسانية بين العاملين في التنظيم هي الأساس الذي يجب أن يرتكز عليه في دراسة الإدارة، وتبنى نظرتها للتنظيم من خلال اهتمامها بسلوك المرؤوسين واتجاهاتهم النفسية كبشر ، وإدراكها لأهمية إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية، مما يحفزهم على تقديم إنتاجية عالية، ولذلك فهي تؤكد على أن الاهتمام بالعلاقات الإنسانية في مجال الإدارة يمثل أحد المقومات الأساسية لنجاح القيادة الإدارية، ومن هنا ارتبطت العلاقات الإنسانية بالقيادة، وأصبحت من السمات البارزة للإدارة الحديثة.
وختاما، فالإسلام قد حث على حسن الخلق وملاطفة الناس والتحبب إليهم وحفظ كرامتهم الإنسانية، وإيمانا بما للعلاقات الإنسانية من مكانة هامة في المجتمع، وبما لها من دور في نظريات الإدارة المعاصرة ، فإن الإداري المسلم عليه استيعاب التصور المعاصر للعلاقات الإنسانية، وأثر تطبيق المنهج الإسلامي والنظريات المعاصرة في إقامة علاقات بين الآخرين ، تقوم على المبادئ والأسس الإسلامية الصحيحة المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن الفكر الإداري المعاصر وتجاربه ونظرياته الحديثة ، وكل ما تتطلبه العملية الإدارية والتربوية في هذا المجال.
ـــــــــــــــ
هوامش
*:د. محمد بن عايد المشاوية الدوسري ، العلاقات الإنسانية في الفكر الإداري الإسلامي والمعاصر ،إصدارات جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض الطبعة 2005
المصدر : https://dinpresse.net/?p=17910