العقل المأزوم
بقلم : الأستاذ أحمد حميدة
أعاد الأمر التنفيذي الأمريكي الذي وقعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، والذي يقضي بالبدء في إجراءات تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان كمنظمات “رهابية أجنبية” إلى الواجهة مرة أخرى حديث الجماعة عن “الحرب الكونية” التي تشن على الإسلام.
أصدرت جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين في بيانها الصادر في الثلاثين من نونبر الماضي، بأن القرار :” يأتي في سياق تصاعد موجات الإسلاموفوبيا ومحاولات استهداف المسلمين حول العالم” ، وأن الجماعة “ستظل بحول الله معتصمة بالله تعالى مستمسكة بمنهجها”.
أما جبهة تيار التغيير أو الكماليون بقيادة الإخواني يحيى موسى أصدرت بيانها في الخامس والعشرين من نفس الشهر وصدرته بالآية من سورة آل عمران “قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد”،مؤكدة في الوقت ذاته على “أن حركات التحرر في العالم وفي بلاد المسلمين خاصة من أهل الإيمان والعزائم لا ترهبهم تلك التصنيفات..وأن الإسلام خاصة كلما قاوموه وحاربوه اشتد”.
عندما يضرب الفشل أركان الجماعة، فتصبح عاجزة عن تحقيق أهدافها سواء الأهداف التي تتسم بالمرحلية التكتيكية، أو الأهداف الكبرى الاستراتيجية، لا يحملها هذا الفشل على النظر في سياساتها أو طريقة إدارتها لمرحلة ظرفية ما فضلا عن النظر في مقولاتها التأسيسية!
لكنها تهرب إلى الأمام وتحتمي خلف صورة الضحية ومتلازمة المظلومية، ويتقاطر الحديث عن الابتلاء والتمحيص؛ من أجل التغطية على الفشل والهروب من المساءلة، وهذا الخطاب يوفر لها القدرة على الحشد سواء كان على مستوى قواعد التنظيم أو الدوائر حوله ،يكون من نتاج هذا الخطاب وتلك التربية صياغة عقل جمعي إخواني يعتقد بحتميات ثلاثة” حتمية الصدام،حتمية المحنة،حتمية النصر”.
عبر عن تلك الحتميات البنا من خلال مصارحة طويلة تصف للأتباع ملامح الطريق وما سيعترضهم من عقبات وما سيلاقونه من مشاق.
فبعد وصفه لجماعته-في حينها- أنها ما زالت مجهولة لدى الكثير من الناس؛وأن هذا الكثير حين يعرفها على حقيقتها ويدرك مراميها وأهدافها ستكون الخصومة الشديدة والعداوة القاسية ثم يستطرد في الحديث في ذات الرسالة “بين الأمس واليوم “قائلا : “سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم،وستجدون من أهل التدين والعلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام، وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤوساء والزعماء وذو الجاه والسلطان، وستقف في وجوهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم، وتضع العراقيل في طريقكم، وسيتذرع الغاصبون بكل طريقة لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون من أجل ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة، والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان..معتمدين على قوتهم وسلطانهم، ومعتدّين بأموالهم ونفوذهم “يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون”، ثم يختم حديثه بقوله “ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين”.
ستدخل الجماعة- وَفق هذا التصور- في صدام لا يستثني أحد؛ بداية بأفراد المجتمع الذي ليس له نصيب وافر في فهم الإسلام كما فهمه البنا، ثم يمتد هذا الصراع ليشمل العالم كله!
هنا يصور البنا الأمر على أن ثمة تجمع عالمي يستخدم الحكومات للقضاء على الجماعة/الإسلام، لكن أليس من العجيب أن يقول البنا أن “الناس حين يدركون حقيقة أفكار الجماعة ستلقى منهم خصومة شديدة”، أو ليس الأوفق أن تلقى منهم ترحيبا وقبولا طالما أنها تتفق مع الفطرة السليمة والدين الصحيح كما يزعم!
هنا يضعنا البنا أمام احتمالين لا ثالث لهما الأول: أن هذا الكثير الذي أشار إليه يدرك فعليا حقيقة الجماعة ،وأفكارها التي تدعو وتحرض على العنف،وأنها تتخذ من الدين جسرا لتصل من خلاله إلى أهدافها السياسية، وأن تلك الأفكار تؤسس للعداء المحكم للدولة الوطنية وهو ما يعني أن ولاء الجماعة عابر لحدود الأوطان!
الثاني: أن توصيف البنا للجماعة بأنها هي صاحبة الفهم الشامل والصحيح للإسلام؛ وتتجاوز الجماعة بهذا الفهم غيرها ممن يعملون في ذات الحقل ومعهم العلماء الرسميون ، حيث أن الجماعة هي من تُجسد الإسلام الشامل أو هي النموذج من خلال المقاربة التي صاغها البنا للدين باعتباره نظاما شاملا لكل مناحي الحياة، وبالتالي فالجماعة تمتلك الحقيقة الدينية الكاملة ، وكل من اقترب من هذا الفهم سواء بالتأييد أو التعاطف عُد أقرب إلى الفهم الصحيح للدين.
التعليقات